يا معلم ماذا افعل لأرث الحياة الأبدية؟ – الأب وليم سيدهم
دنا دكتور من الفريسين ليجرب يسوع فسأله: يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟»فَأَجَابَ وَقَالَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ»
نختار كثيراً لكى نعرف طريق الوصول إلى السعادة الحقيقية في حياتنا ولسان حالنا يقول ما العمل؟ أريد أن أعرف الطريق و رغم أن الدكتور الفريسي جاء ليختبر يسوع إلا أن يسوع ورّطه شخصياً في الرد على نفسه. فالكتاب المقدس فيه الرد على السؤال.
إن محبة الله من كل كياننا و مشاعرنا و محبة قريبنا كحبنا لنفسنا هو أبلغ رد و أبسط و أعمق رد. لنتوقف عند “أحبب الرب الهك” كيف نترجم هذا الحب إلى سعادة يومية؟ إن محبة الله تعنى العمل بوصاياه ووصايا الله تحدد الطرق السماوية التى على المؤمن أن يسلكها للوصول إلى بر السلامة.
و تتلخص هذه الطرق فى الإعتراف بالله بصفته خالق الكون و مدبره بما فيه من الانسان و الحيوان و النبات و الأجرام السماوية و كل مظاهر و ينابيع لحياة الانسان و بقية الكائنات.
هذا الإعتراف بأولية الله يجعلنا نقف على أرض صُلبة الاتجاهات فيها محددة وواضحة. فمحبة الله مرتبطة بمحبة خلائقه و محبة القريب خاصة و لكى تتجسد هذه المحبة في المكان و الزمان لابد من حرية وإرادة و قرار صائب يرتكز على تعاليم الله في الكتب المقدسة و على القوى الباطنية التى أودعها الله في الإنسان.
ولكن ما علاقة الحياة الأبدية بالحياة الأرضية؟ إنها علاقة عضوية فلن يدخل الحياة الأبدية إلا من بدأ مسيرته في الحياة الأرضية يتلمس الطريق الذى رسمه الله من خلال الخطوات التى يخطوها الآن على الأرض.
فالطريق إلى السماء بدايته على الأرض و قد علمنا المسيح أن نصلى كل يوم قائلين : “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ” و هذا يعنى أننا نستحضر حياة السماء حينما نقوم بأى فعل على الأرض.
و لكن مهلاً هناك خطوات لنا على الأرض غير موجودة في السماء. نعم كل مرة نتخذ قراراً تكون السماء فيه غائبة يتحول هذا القرار إلى خراج غريب عن أطوار ابناء الله و يصبح مؤلماً نفسياً و روحياً و عقلياً، ذلك أن القرار الذى يفرغ من روح الله يملأه روح الشيطان و شتان الفرق بين الأثنين.
لهذا السبب جاء المسيح لكى يعالج هذه الخراريج و الأمراض من خلال التوبة و الرجوع عما هو خطأ فى قراراتنا و مهما كانت نتيجة قراراتنا الخاطئة مضرة لنا و لمن حولنا من إخوتنا البشر فإن رحمة الله التى استحقها لنا المسيح تتدخل لتمحو من قلوبنا و من اجسادنا هذه النتائج التى تثقل كاهلنا و تجعلنا عاجزين عن تكملة مسيرتنا.
و مع الأيام و عند اقترابنا من العبور من الأرض إلى السماء يزداد شوقنا إلى لقاء الله الآب وجهاً لوجه و تشعر أنفسنا بالغربة فى هذا العالم، و نصبو إلى العالم الأفضل الذى فيه سنجد الراحة الأبدية و نترك وراءنا تاريخاً محملاً بالثمار الروحية و الإجتماعية و الثقافية الذى تقطف منه الأجيال التالية علينا و نكون هكذا قمنا بواجبنا في هذا الوجود فنتركه لنلحق بنوع آخر من الوجود : ” مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ”.
فتكتمل سعادتنا و نلحق بملايين ممن سبقونا لنطل من السماء على الاجيال الجديدة التى تصحر الارض و تكمل بناء الملكوت مقبلين إلى الدهر الآتى الذى سيجمع الأرض مع السماء ليجلس الله كالشمس وسط خلائقه سائرين ينشدون نشيد الظافر على قوى الموت و الشر.