يترك الـ 99 خروفًا ليبحث عن الخروف الضال – الأب وليم سيدهم
يفترض الكتاب المقدس أن جميع البشر مدعوون إلى الخلاص وهذا الإفتراض يتطابق مع إعلان الكتاب المقدس نفسه بأن كل بشر مخلوق على صورة الله. إذًا فالجميع بلا إستثناء لهم نفس المزايا الإلهية ولا يُستثنى أحد منها.
لذا، جاء مثل الخروف الضائع ليُبرز هذه الحقيقة أمام الذين يدَّعون أن الله يُحابي بعض الناس ويختصهم بحبه ويترك الآخرين إلى الهلاك، فالله يختص بعض الناس لأنهم هم الذين بحثوا عنه بكل قلوبهم ومشاعرهم ، أما من يصمون آذانهم عن دعوة الله فهذه مشكلتهم.
هذه البدعة لدى بعض فلاسفة اللامعنى واللادينيين والملحدين لا أساس لها من الصحة على مستوى الإيمان والعقيدة المسيحية. فالله جلَّ جلاله لا يتخلى ولن يتخلى عن أى فرد من خلائقه بمنطوق الكتاب المقدس نفسه حينما تقرأ نصوصه في سياقاتها دون إجتزاء.
وعلينا أن نفرق بين الكتب المقدسة نفسها وبين المؤمنين بها بمختلف شرائحهم ودراجات وعيهم، لقد تأملنا في النص “ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات” وفي نص “جئت لألقى سيفًا لا سلامًا” وبقية النصوص التى تُحذر من الممارسات الخاطئة للدين و التأويلات التى تناقض النصوص نفسها.
إن مثل الخروف الضائع مأخوذ من حياة الرعاة، والراعي يرعى قطيعًا من مئات الخراف والنجاع. وهو يذكر كل خروف ولا ينسى فإذا ضاع خروف أدرك الراعي ذلك بحكم خبرته ومعاشرته لخرافه، فهو يجمع كل الخراف في مكان آمن ويذهب في الصحراء ليبحث عن الخروف الضال فلا يمكن للراعي أن يستغنى عن خروف بحجة أن لديه 99 خروف وبالتالي فإن الله كم وكم يراعي خليقته من البشر.
نحن جميعًا نعلم أن بصمة الإنسان فريدة بشكل مطلق، لا يمكنها أن تتكرر حتى مع وجود 4 مليار من البشر. وبالتالى فإن الحكمة الألهية تدلّنا على فرادة كل شخص في كيانه ووجوده أينما كان وفي أي زمان.
وبالتالى فإن الله يحب الإنسان بشكل فريد دونًا عن كل مخلوقاته والكتاب المقدس يتحدث عن السلطة التى لدى الإنسان على كل الكائنات: ” تسلطوا على أسماك البحر وطيور السماء وكل حيوان يدب على الأرض” (تك 1 :28).
إن علم الجينات والتهديد بخلخلة النظام الذي وضعه الله في الكون وصناعة أطفال حسب الطلب والمواصفات، حتى هذه القدرة التى قد يمتلكها الإنسان لن تستطيع أن تتجاوز تقليد الجينات الأصلية وإستنساخها ولكن ليس خلقها. وبالتالي فإن رعاية الله لن تفارق البشر كما وعد “إلى المنتهى”.
البُعد الثاني الذي يذكرنا به تأمل “الخروف الضال” وهو مسئولية الإنسان الفرد عن إختياراته، وأن رغبتنا الجامحة من أن نتحرر من وهم سطوة الله علينا هي “خطيئة” عدم ثقة في محبة الله وحنانه. لا بل وخطيئة أخرى في محاولة قطع الصلة بيننا وبين الخالق بحجة أننا على نفس مستوى فهم وحكمة الخالق. هذه خطية آدم وحواء وغالباً ما يكون روح الشيطان وراء هذا الدافع للتمرد والإنفصال.
ما يهمّنا هو أن اهتمام الله بالفرد لا يقل أهمية عن اهتمامه بالإنسان كجماعة وهو لا يتوانى عن التذكير والتحفيز بكل الطرق للإنسان المؤمن بالطريق الصحيح الواجب سلوكه بحرية وإقتناع. وعند السقوط المؤمن يرجع ويتوب فيعاود المسيرة مع الله ومع إخوته نحو النمو في المحبة والكمال.