يوسف وحُلم فرعون – الأب وليم سيدهم
يوسف وحُلم فرعون
بعد أن رفض يوسف الوقوع في حبائل إمرأة فوطيفار ، أودع السجن ظُلمًا وبُهتانًا، إلا أننا نقول “الله على القوي” في لغتنا الدارجة ويبدو أن يوسف صاحب الحُلم الذي بسببه باعه إخوته إلى الإسماعيليين حسدًا وعقابًا على إحساسه بالتفوق عليهم، وخلال مسيرته الدرامية من الجُب إلى التجار الإسماعيليين إلى شراء فوطيفار المصري له أتقن تفسير الأحلام لدرجة أن فرعون مصر إستدعى كل المفسرين للأحلام في عصره فلم يحظى إلا يوسف برضى الفرعون لتفسير الحلم الذي أفزعه: “وَهُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ طَالِعَةٍ مِنَ النَّهْرِ حَسَنَةِ الْمَنْظَرِ وَسَمِينَةِ اللَّحْمِ، فَارْتَعَتْ فِي رَوْضَةٍ. ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ بَقَرَاتٍ أُخْرَى طَالِعَةٍ وَرَاءَهَا مِنَ النَّهْرِ قَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ وَرَقِيقَةِ اللَّحْمِ، فَوَقَفَتْ بِجَانِبِ الْبَقَرَاتِ الأُولَى عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، فَأَكَلَتِ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ وَالرَّقِيقَةُ اللَّحْمِ الْبَقَرَاتِ السَّبْعَ الْحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ وَالسَّمِينَةَ. وَاسْتَيْقَظَ فِرْعَوْنُ. ثُمَّ نَامَ فَحَلُمَ ثَانِيَةً: وَهُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ طَالِعَةٍ فِي سَاق وَاحِدٍ سَمِينَةٍ وَحَسَنَةٍ. ثُمَّ هُوَذَا سَبْعُ سَنَابِلَ رَقِيقَةٍ وَمَلْفُوحَةٍ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ نَابِتَةٍ وَرَاءَهَا. فَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الرَّقِيقَةُ السَّنَابِلَ السَّبْعَ السَّمِينَةَ الْمُمْتَلِئَةَ. وَاسْتَيْقَظَ فِرْعَوْنُ، وَإِذَا هُوَ حُلْمٌ.” (تك 41: 2- 7)
ولم يجد فرعون مفرًا من تعيين يوسف قيمًا على إدارة المجاعة التي حلقت بالبلاد والتي تنبأ بها يوسف نفسه مفسر الحلم الفرعونى.
لقد رأى آباء الكنيسة وبعض مفسري الكتاب المقدس في شخص يوسف إشارة إلى شخصية يسوع المسيح المُهان والمصلوب الذي أقامه الآب من بين الأموات.
وتظل قصة يوسف في الزهد والاستعباد والسجن والتعرض لخطر الموت نموذجًا لرجل الله الذي لا ينثني أمام مخاطر الزمن وإضطهاد الأعداء والأقرباء حسدًا وغيرة حتى يرتقي إلى أعظم المهام وأروعها لخدمة الآخرين إنه خلّص شعوب الشرق الأوسط من المجاعة ومن ضمنهم كل عائلته وإخوته الذين طمروه في الجُب ليتخلصوا منه جزاء حلمه الذي كان يتنبأ له بمستقبل يسجد له فيه إخوته.
وها هو الحلم يتحقق بعد أن يتجرع يوسف كأس المهانة والذل والعذاب الجسدي فجاء إخوته يسجدون فعلًا له ليعطيهم طعامًا ويخلصهم من المجتعة الرهيبة التي ألمت بأرض فلسطين وكل بلاد الشرق، لقد عامل يوسف إخوته بعكس معاملتهم له، هم تمنوا له الموت ونفذوا وعودهم فرموه في الجُب ولكن الله كان له رأي آخر، أنقذه من الموت لا بل وجعله سبب خلاص لشعوب كثيرة كانت تعاني من المجاعة. ووضعه في المنصب الثاني فرعون مصر أقوى أمة كانت على الأرض في ذلك الزمان.
وعامل يوسف إخوته بحكمة ووداعة بعد أن عرفهم على نفسه في موقف درامي لا يخلو من العجب. وغفر لإخوته بعد أن داعبهم وأظهر حُبه المفرط لهم ولأبيهم ولأخيهم الصغير بينيامين.
إن هذا الوجه النبيل لأحد أبطال اليهود في الكتاب المقدس لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فنحن المصريين نفتخر أن أكثر الملاحم والبطولات التي ظهرت في تاريخ شعب الله المختار إمتزجت بالتاريخ المصري وأينما يكرز بالكتاب المقدس في بقاع الأرض يُذكر لفرعون مصرإختياره ليوسف البتول قيمًا على خزائن مصر وأصبحت مصر مكانًا أساسيًا لتكوين الشعب المختار قبل وبعد تحريرهم من عبودية مصر، إذن أن العهد الجديد يعترف أيضًا بدور مصر في حماية يسوع من أعين هيرودس ملك فلسطين الذي أراد أن يقتل يسوع ليتخلص منه، فيقول “من مصر دعوت ابني” فمن يوسف الصديق الذي دُعي ليكون قيمًا لخلاص الأرض من الجوع إلى يسوع كلمة الله النهائية تباركت أرض مصر ومازالت رغم متغيرات الزمن وتعدد الخطوب عليها.