”أنت من تحبه نفسي” للأب هانى باخوم
نتعدد في الخبرات والسن والجنسيات، نحن مختلفين الواحد عن الأخر،… ولكن هناك شيء يجمعنا، هناك شيء وان اختلفت صورته يوحدنا. شيء يبحث عنه الجميع، الغني والفقير، الرجل والمرأة والطفل، المتعلم والأقل ثقافة .. الجميع يبحث عنه وان لم يدرك ذلك.
الحب. نعم الحب. الكل في العمق يرغب أن يكون محبوبا. الطفل يحيا بحب والديه له، وأي ألم نجده بسبب رفض حصلنا عليه منذ الصغر؟ أو استغلال؟ أو بسبب موقف لم نشعر فيه بالحب؟ تعددت صعوباتنا وفي العمق هي نتيجة تقصير في حب شخص لنا، او توقع منا لم يجد نهاية سعيدة. بل وكم من الإمراض النفسية تنبع من هذا، كم من الصراعات الداخلية وكم من القرارات الخاطئة تؤخذ فقط لان الإنسان مشروط بان يجد حب. الكل يبحث عنه في العمق دون أن يدري.
كم من مرات أمام صعوبات الحياة يهرب الإنسان بقصة رومانسية غير واقعية، نكون أبطالها أو مشاهدين لها. وفقط هذه الفكرة تنعشنا وتجعلنا نتهاوى هربا بعض من الوقت من واقع صعب قد نحياه، ولكن بعدها ما أصعب العودة والرجوع إليه مرة ثانية. كم من مرات نهرب وراء كلمات سمعناها فقط لأننا شعرنا إننا موجودين. احد يفكر في، احد يهتم بي، إذا أنا محبوب. إذا آنا موجود.
حواء تقتنع وتأكل من الشجرة فقط عندما تصدق كلام إبليس “إن الله لا يحبهما”. منعهما من الأكل لأنه يغار منهما. فعندما تصدق بان الله لا يحبها. تفقد معنى حياتها تفقد جذور كيانها، فتتهاوى أمام الخطيئة. تخيل الأثر النفسي لطفل يسمع أن أمه لا تحبه. كم بالأحرى الإنسان عندما يصدق ان الله الذي خلقه والذي يدبر له كل شيء، لا يحبه. ماذا سيفعل؟ سينتحر، هذا اقل شيء، نعم سينتحر، اي يخطئ.
فالإنسان يبحث في كل شي عن الحب فالحب هو مصدر الكيان بل هو أيضا موتور تغييره. فالشخص عندما يحب يتحول، يصبح أكثر سعادة أكثر جمالا أكثر تفهما..
لذلك موضوع هذه المقالات عن سفر الحب “سفر نشيد الأناشيد”. فهل له علاقة بي وبك ؟
- احد الرابيين يقول:”ان الكون كله لا يساوي اليوم الذي أعطي فيه الرب سفر نشيد الأناشيد إلى شعبه”. غريب هذا الكلام، سفر نشيد الأناشيد لدى العبرانين هو السفر الأعظم. فإذا كان كل الكتاب المقدس هو عبارة عن أناشيد وكلمات فهذا هو الأكبر والاهم والأعظم بينهما، الذي يفوق الجميع ويعلوهم. يقرا في أيام الفصح عند اليهود. لاسترجاع خبرة الخروج من العبودية للحرية. من من اللا شيء إلى الحب.
- اسم الكتاب نشيد، اي “شعر”، وهو أسمى مشاعر الكتابة جمالا. كلمة شعر من اليوناني ”بويسيس”: وتعنى الخلق، فالشعر يخلق أمامنا ما بداخلنا. يجسده، ويجعله مرئي. كطفل نتج عن حب.
وها هو نشيد الأناشيد، يخلق فينا أيضا ما نسمعه منه. يستغوينا إلى ما فيه، يأسرنا وراءه، لكن بحريتنا. نعم نحن أمام عمل خلق، خلق فينا ولنا وبنا. فماذا يريد أن يخلق في هذا النشيد؟ من أي عدم يريد أن يخلق شيء؟ أيريد أن يخلق فينا الحب؟ أيريد أن يخلق فينا نفس المشاعر التي يحكي عنها؟ أيريد ان يستغويني، كي اخرج من غرفتي المظلمة وابحث عن الحبيب؟ كي اخرج من تلك الوحدة القاتمة والتي فيها قد اكتفيت بصور عقيمة عن الحب والحبيب، كي أجد ” مَن تُحِبّه نَفْسي”، حتى إن كنت لا أدركه ولا اعرفه جيدا؟ ماذا تريد؟
إلى مقالات أخرى عن نشيد الأناشيد ..
أيام مباركة.