استقالة نبي (1 مل 19 : 1-21)
تحليل سردي
الأب/ توما عدلي
1 وأخبَرَ أخابُ زَوجتَهُ إيزابَلَ بِكُلِّ ما فعَلَهُ إيليَّا، وكيفَ قتَلَ جميعَ الأنبياءِ بِالسَّيفِ، 2فأرسَلَت إلى إيليَّا تقولُ: «وَيلٌ لي مِنَ الآلِهةِ إنْ لم أجعَلْكَ في مِثلِ هذِهِ السَّاعةِ غدًا كواحدٍ مِنهُم». 3فخافَ وهامَ على وجهِهِ حتى وصلَ إلى بِئر سبعَ في يَهوذا، وترَكَ خادِمَهُ هُناكَ.
4ثُمَ سارَ في البرِّيَّةِ مَسيرةَ يومِ حتى بلَغَ شجرة وزَّالٍ قعَدَ تَحتَها وتمَنَّى الموتَ وقالَ: «كفاني الآنَ يا ربُّ، فخذْ حياتي. فما أنا خيرٌ مِنْ آبائي». 5ثُمَ نامَ تَحتَ الشَّجرةِ وبَغتَةً لمَسَهُ ملاكٌ وقالَ لَه: «قُمْ فكُلْ». 6فاَلتَفَتَ فرَأى عِندَ رأسِهِ رغيفًا وجرَّةَ ماءٍ، فأكلَ وشرِبَ ثُمَ عادَ ونامَ. 7فعاوَدَهُ ملاكُ الرّبِّ ثانيةً ولمَسَهُ وقالَ: «قُمْ فكُلْ. فالطَّريقُ بعيدةٌ أمامَكَ». 8فقامَ وأكَلَ وشرِبَ وسارَ بِفِعْلِ تِلكَ الأكلَةِ أربَعينَ يومًا وأربَعينَ ليلةً إلى جبَلِ اللهِ حوريبَ، 9ودخلَ المغارةَ هُناكَ وباتَ فيها. فخاطَبَهُ الرّبُّ: «ما بالُكَ هُنا يا إيليَّا؟» 10فأجابَ: «بِحَرارةٍ مِنْ أجلِكَ وقَفْتُ، أيُّها الرّبُّ الإلهُ القديرُ، لأنَّ بَني إِسرائيلَ نبَذوا عَهدَكَ وهدَموا مذابِحَكَ وقتَلوا أنبياءَكَ بِالسَّيفِ، وبَقيتُ أنا وحدي معَكَ، وها هُم يَطلُبونَ حياتي». 11فقالَ: «قِفْ على الجبَلِ أمامي». ثُمَ عبَرَ الرّبُّ، وهَبَّت ريحٌ عظيمةٌ وشديدةٌ شَقَّتِ الجبالَ وكَسَّرَتِ الصُخورَ، ولم يكُنِ الرّبُّ في الرِّيحِ، وبَعدَ الرِّيحِ زَلزَالٌ، ولم يكُنِ الرّبُّ في الزَلزالِ. 12وبَعدَ الزَلزالِ نارٌ، ولم يكُنِ الرّبُّ في النَّارِ. وبَعدَ النَّارِ صَوتٌ هادِئِّ خفيفٌ. 13فلمَّا سَمِعَ إيليَّا الصَّوتَ ستَرَ وجهَهُ بِعَباءَتِهِ وخرَج ووقَفَ بِمَدخلِ المغارةِ. فجاءَهُ صوتٌ يقولُ: «ما بالُكَ هُنا يا إيليَّا؟» 14فقالَ: «بِحَرارةٍ مِنْ أجلِكَ وقَفْتُ أيُّها الرّبُّ الإلهُ القديرُ لأنَّ بَني إِسرائيلَ نبَذوا عَهدَكَ وهدَموا مذابِحَكَ وقتَلوا أنبياءَكَ بِالسَّيفِ، وبقيتُ أنا وحدي معَكَ، وها هُم يَطلُبونَ حياتي». 15فقالَ لَه الرّبُّ: «إرجعْ في طريقِكَ إلى دِمَشقَ، فإذا وصَلْتَ إمسَحْ حَزائيلَ مَلِكًا علَيها، 16واَمسَحْ ياهو بنَ نَمشي مَلِكًا على إِسرائيلَ، واَمسَحْ أليشعَ بنَ شافاطَ مِنْ آبلَ مَحولَةَ نَبِيُا بَدَلاً مِنكَ. 17فمَنْ نَجا مِنْ سَيفِ حَزائيلَ يَقتُلُهُ ياهو، ومَن نَجا مِنْ سَيفِ ياهو يقتُلُهُ أليشعُ. 18وأمَّا في إِسرائيلَ فأُبقي سبعةَ آلافٍ، كُلُّ مَنْ لم يَركَعْ لِلبَعلِ ولم يُقَبِّلْ صنَمَهُ».
19فذهبَ إيليَّا مِنْ هُناكَ، فلَقيَ أليشعَ بنَ شافاطَ يَفلَحُ الأرضَ وأمامَهُ اَثْنا عشَرَ فَدَّانَ بقَرٍ على كُلِّ فَدانٍ يَفلَحُ واحدٌ مِنْ عَبيدِهِ الأحدَ عشَرَ أمَّا هوَ فكانَ يَفلَحُ على الثَّاني عشَرَ. فاَقتَرَبَ إيليَّا نَحوَهُ وألقى علَيهِ عباءَتَهُ. 20فتَرَكَ أليشعُ البقَرَ وجرى وراءَ إيليَّا وقالَ: «دَعني أوَدِّعْ أبي وأُمِّي ثُمَ أتبَعُكَ». فقالَ لَه: «إذهَبْ فماذا يَمنَعُكَ؟» 21فأخذَ أليشعُ زَوجينِ مِنَ البقَرِ وذبَحَهُما وطبَخ لحمَهُما على حطَبِ النِّيرِ، وقدَّمَ لِرِجالِهِ فأكلوا. ثُمَ قامَ وذهَبَ معَ إيليَّا لِيَخدُمَهُ.
التحليل الروائي للنص
يتعامل التحليل الروائي لنصوص الكتاب المقدس مع الأجزاء القصصية، وليس مع النصوص الحكمية –على سبيل المثال- مثل غالبية المزامير والأمثال، أو مع الأقوال النبوية. فهذا النوع من التحليل يهتم بتحليل استراتيجية الكاتب في رواية حدثٍ ما. فالتحليل الروائي لا يدرس مدى تاريخية الحدث من عدمها، لكنه يحاول اكتشاف على أي شيء يريد الراوي التركيز في طريقة روايته للحدث، وماذا يتجاهل الرواي في روايته، فكل راويٍ يتناول الحدث من الزاوية التي تهمه. فالطبيب مثلا عندما يتكلم عن حادث ما وقع على الطريق لايهتم كثيرا بالتلفيات الحادثة في السيارات المتصادمة، لكنه يهتم بالحالة الصحية لراكبي هذه السيارات. أما الميكانيكي فهو على العكس، يهتم أكثر بالسيارات وليس بالراكبين.
أ) الوقت في الرواية
يجب التمييز في أي رواية بين نوعين من الوقت:
1) وقت الرواية: وهو الوقت الذي يستغرقه الراوي في رواية حدث معين؛
2) الوقت المَرْوي: هو الوقت الفعلي الذي استغرقه ذلك الحدث عند حدوثه في التاريخ، فمثلا شعب إسرائيل ظل تائها في البرية لمدة أربعين سنة، وعندما حاول الراوي الحديث عن ذلك الحدث استغرق –على سبيل المثال- ساعتين، فيكون وقت الرواية ساعتين والوقت المروي أربعين سنة. والنسبة بين هذين الوقتين هي التي تحدد سرعة الإيقاع في الرواية، فكلما قل وقت الرواية بالنسبة للوقت المروي زادت سرعة الإيقاع، والعكس. وفي نصنا هذا، نجد أن إيقاع الرواية سريع في البداية، ففي (1 مل 19 : 3ب) ” ووَصَلَ إلى بِئر سَبع الَّتي لِيَهوذا وتَرَكَ خادِمَه هُناك.” نجد الراوي يذكر في جملة واحدة أن إيليا تحرك إلى بئر سبع وترك خادمه، ولكن لايذكر كيف كانت الرحلة وكم استغرقت، أو ماذا حدث بين إيليا وخادمه وهل اعترض خادمه على تركه له؟ هذا من ناحية يزيد سرعة إيقاع الرواية، ومن ناحية أخرى يعطينا إشارة واضحة أن الراوي لايهمه شيء مما حدث في هذه الرحلة إلى بئر سبع. لكن بعد ذلك نجد أن إيقاع الرواية يزداد بطأً حتى يتساوى الوقت المروي مع وقت الرواية حيث الحوارات بين الله وإيليا على الجبل. من ذلك نعرف مدى اهتمام الراوي بهذه الحوارات ففيها كل التعليم الذي يريد الكاتب إبرازه.
ب) تحليل عقدة الرواية
العقدة في فن الرواية هي الحدث الذي من شأنه أن يغير الاستقرار المبدئي الموجود في بداية الرواية، فعلى سبيل المثال أسرة سعيدة مستقرة الحال، ويتغير هذا الاستقرار إلى قلق وتعب بعد موت رب الأسرة في حادث، فهنا تبدأ العقدة التي من شأنها أن تطرح أسئلة كثيرة، فكيف ستعيش الأسرة؟ وهل ستعود حالة الاستقرار الأولى وكيف؟ والعقدة في الرواية نوعان: 1) عقدة الفعل: ويكون فيها تغيُّر الأوضاع في الرواية ناتج عن توالي حدوث مجموعة من الأفعال. 2) عقدة المعرفة: ويكون فيها تغيُّر الأوضاع في الرواية ناتج من المعرفة أو الجهل بشيء معين. ففي (تك 22)، على سبيل المثال، تتغير حالة إبراهيم من الحزن إلى الفرح نتيجة تدخل ملاك الله لإنقاذ إسحق من الذبح، فالعقدة هنا هي عقدة الفعل. أما في (تك 45) تتغير حالة إخوة يوسف بعد أن يكتشفوا أن وزير مصر هو أخوهم يوسف، فالعقدة هنا هي عقدة المعرفة. كذلك تتغير حالة تلميذي عماوس عند معرفتهم ليسوع عند كسر الخبز (لو 20). لذلك فالعقدة في نصنا هذا (1 مل 19) هي من نوع عقدة الفعل، لأن مجد وقوة إيليا النبي الذي استطاع في (1 مل 18) أن يقهر عبادة البعل وأنبياءه، تحول إلى خوف وهروب من وجه إيزابل نتيجة القسم الذي أقسمته لتهلك إيليا. فالمأساة وعقدة الرواية لا تكمن في كلام إيزابل بل في الخوف الذي تملّك إيليا. والسؤال الآن هل سينجح إيليا أن يستعيد سلامه وشجاعته مرة أخرى؟ وهل يريد ذلك؟.
وهنا لتحليل عقدة الرواية يمكننا تقسيمها إلى:
أ- التمهيد (1 مل 19 : 1-2): يبدأ الراوي روايته بتقديم تلخيص سريع لما حدث في الإصحاح 18 من السفر حيث قتل إيليا كل أنبياء البعل. وظل إيليا سعيدا بالانتصار الذي حققه حتى جاءه تهديد إيزابل الملكة والقسم الذي أقسمته بأن تجعل نفسه كنفس واحد من هؤلاء الأنبياء. ففي هذه اللحظة تزول سعادته وشجاعته ويتملكه الخوف.
ب- العقدة (لحظة البداية) (1 مل 19 :3أ): في هذه اللحظة يمتلئ إيليا بالخوف وتتبدل بسرعة كبيرة الشجاعة والمجد بالفزع واليأس، وهذا يتضح من وجود ثلاثة أفعال متتاليين ” فرأى وقامَ ومَضى لإنقاذ نَفسِه Avêp.n:-la, %l,YEåw: ‘~q’Y”’w: ar>Y:©w: ” فهذه الأفعال المتتالية بهذا الشكل من شأنها أن تزيد إيقاع الرواية سرعة دلالة على الفزع الكبير الذي تملّكه. ويتساءل القارئ هنا ماذا سيفعل إيليا وإلى أين يذهب؟
ج- التعقيد
1- المشهد الأول (1 مل 19 : 3ب): يذهب إيليا إلى بئر سبع، أي أنه يهرب ليس فقط خارج مملكة الشمال التي يعيش فبها ويملك عليها أخاب الملك، ولا حتى إلى مملكة الجنوب، لكن على حدود أرض شعب الله تاركا هناك خادمه. ويمتنع النص عن أن يعطي سبب تركه خادمه. قد يكون السبب أنه قرر اعتزال النبوة وبالتالي لا يحتاج لخادم معه. وقد يكون أنه لا يريد أن يرى خادمُه خوفه وضعفه. عموما هذا الحدث، رغم عدم رغبة الكاتب التحدث عنه أكثر من ذلك، يستدعي للعقل نص (تك 22) حيث ترك إبراهيم خادميه مع حماره وذهب ليقدم ابنه اسحق ذبيحة للرب. وكذلك نص (تك 21 : 8-21) حيث تركت هاجر طفلها في بئر سبع وابتعدت عنه حتى لا ترى موته. في كلا النصين يمر البطل بأزمة شديدة ويضطر فيها لترك شخص وراءه، ربما أيضا لأنه لا يريد أن يشاركه هذا الشخص مصيره أو مأساته.
2- المشهد الثاني (1 مل 19 : 4-8): يبدأ هذا المشهد بفعل “مضى $lh ” معلنا رحيلا جديدا لإيليا، هذه المرة مسيرة يوم في البرية. ثم تبدأ أحداث هذا المشهد بفعل “جاء awb ” إلى رتمة وجلس تحتها وطلب لنفسه الموت tWmêl’ ‘Avp.n:-ta, la;Ûv.YIw فهو ليس خيرا من آبائه، تماما مثل يونان النبي في وقت غضبه ويأسه (يونان 4). فمن العجيب أن النبي الهارب لإنقاذ حياته يطلب الموت لنفسه. على أية حال، يسود الصمت بعد صرخة الموت هذه ، فقد نام إيليا كالطفل الذي ينام من كثرة البكاء. بعد ذلك يقطع الصمت ظهور رسول ‘%a’l.m; ، ولا يخبرنا الكاتب مَن يكون ذلك الرسول ومن أرسله. ويوقظ هذا الرسول إيليا قائلا “قم كل”، فيقوم إيليا ويأكل ويشرب ثم يضجع مرة ثانية في صمت بدون أن يتفوه بكلمة واحدة، هل من الطبيعي أن يجد الإنسان مائدة مُعدة هكذا في الصحراء؟ ترى هل عرف إيليا من يكون هذا الرسول؟ ويتكرر هذا الحدث مرة أخرى ويزداد القارئ ترقبا، لكن الكاتب يخبر قارءه هذه بالمرة أن هذا الرسول هو رسول الرب. وفي هذه المرة يكون كلام الرسول لإيليا أكثر طولا من المرة السابقة ” قمْ فكُلْ، فان الطَّريقَ بَعيدةٌ أمامَكَ”. عرف إيليا هذا الرسول لأنه تذكر كيف كان الغراب يعوله بالقرب من نهر الأردن (1 مل 17 : 6). وقد يظن القارئ أن إيليا قد تعزى وتقوى بعد أن اختبر يد الله معه وكيف يعوله في الصحراء أيضا، لكن ظنه ليس صحيحا، فيطل علينا مرة أخرى فعل “مضى $lh ” ليخبرنا برحيل جديد لذلك النبي اليائس داخل الصحراء في الآية 8 مسيرة 40 يوما مثل موسى إلى جبل الله حوريب، فلن يستطيع أحد تعزيته إلاّ الله ذاته. وهنا نرى أن الراوي لا يريد الحديث عن فترة الـ 40 يوما، فهذا غير مهم بالنسبة له، الأهم أن يصل إيليا إلى جبل الله حوريب.
3- المشهد الثالث (1 مل 19 : 9-18) حوار بين الله وإيليا داخل المغارة (1 مل 19 : 9-11أ): تعلن الآية التاسعة افتتاح هذا المشهد بنفس الفعل “جاء awb”، فنجد إيليا وصل إلى المغارة على جبل حوريب، والنص العبري يستعمل كلمة مغارة معرّفة بـ ” الـ “، وهذا يعني أن هذه المغارة معروفة للقارئ، لذا فمن المحتمل أن تكون نفس “الحُفرة أو النُقرة في الصخرة rWC+h; tr:äq.nIB.” التي خبأ الله فيها موسى على الجبل حتى لا يرى مجده ويموت في (خر 33 : 22). وهناك يوجه الله لإيليا سؤالا بلاغياً –أي سؤالا لا يحتاج إلى إجابة لأنه يحوي الإجابة في ذاته- ” ما بالُكَ ههُنا يا إِيليَّا؟”. فالسؤال يعني أن إيليا كان من المفترض أن لا يكون هنا على الجبل في هذا الوقت، فمكانه مع شعب الله في خدمته، وكأن الله يستنكر تركه لخدمته. ويجيب إيليا إجابة يجب الوقوف أمامها كثيرا، فهو بداية لا يجيب مباشرة على سؤال الله، لكنه في البداية يريد إقناع الله بأن كل ما حدث له هو نتيجة “غيرته غيرة الرب إله القوات”. وبعد ذلك لا يتحدث مطلقا عن إيزابل وعن خوفه وهربه من وجهها، لكنه يتهم الشعب الذي عهد به الله إليه، شعب إسرائيل، أنهم ” قد تَركوا عَهدَكَ وحَطَّموا مَذابِحَك وقَتَلوا أنبياءكَ بِالسَّيف”. ثم يختم كلامه أنهم يريدون قتله لأنه الأمين الوحيد الذي بقي أمينا للرب، ناسياً عوبديا والمائة نبي الأمناء لله (1 مل 18)، ناسياً أيضا خادمه الذي ظل أمينا له حتى تركه في بئر سبع. ما أصعب أن يظن النبي أنه الأمين الوحيد لله، وهذا ما يقوله بولس الرسول في (رو 11 : 2-5) “2 ما نَبَذَ اللهُ شَعبَه الَّذي عَرَفَه بِسابِقِ عِلمِه. أَوَلا تَعلَمونَ ما قالَ الكِتابُ في إِيِليَّا؟ كَيفَ كانَ يُخاطِبُ اللهَ شاكيًا إِسْرائيلَ فَيَقول: 3 (( يا رَبّ، إِنَّهم قَتَلوا أَنبِياءَكَ وهَدَموا مَذابِحَكَ وبَقِيتُ أَنا وَحْدي، وهُم يَطلُبونَ نَفْسي )) ؟ 4 فماذا أُوحِيَ إِلَيه؟ (( إِنِّي استَبقَيتُ لي سَبعَةَ آلافِ رَجُلٍ لم يَجْثوا على رُكَبِهِم لِلبَعْل )). 5وكَذلِكَ في الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تَزالُ بَقِيَّةٌ مُختارةٌ بِالنِّعمَة”. في هذه اللحظة يطلب الله من إيليا الخروج والوقوف على الجبل أمام الرب، مما يجعل القارئ يتساءل ماذا سيفعل إيليا أمام الرب، هل سيريه اللهُ مجده وهل سيستطيع تهدئة خوفه وفزعه ويعيده مرة أخرى إلى حيث يجب أن يكون في وسط شعبه؟.
الثيئوفانية (الظهور الإلهي) خارج المغارة على الجبل (1 مل 19 : 11ب-18): تبدأ الثيئوفانية بكلمة ” فإذا الربُ عابرٌ”، فيعرض الله كل مظاهر قوته ومجده التي أظهرها أمام عبده موسى (خر 33 : 18-23)، بعد أن ابتهل إليه ليغفر خطيئة الشعب بعد خروجه مباشرة من أرض مصر وإلاّ “فليمحِه من كتابه الذي كتبه” (خر 32 : 32). تعبر كل الظواهر الطبيعية المخيفة المفزعة التي تعبّر عن القوة والجبروت، وكأن الكون كله يتكاتف ليعلن مجد الله، الريحٌ العَظيمةٌ الشَديدةٌ التي تُصَدِّع الجِبالَ وتُحَطِّمُ الصُّخورَ أمامَ الرَّبّ. وبَعدَ الرِّيحَ زِلْزالٌ وبَعدَ الزِّلْزالِ نار، وفي كل مرة يترقب القارئ ماذا سيحدث لإيليا من قبل الرب، لكنه كان يفاجأ في كل مرة بظهور كلمة “ولم يَكنِ الرَّب في hw”)hy> …Þb’ al{ï “. وفي النهاية صَوِت نَسيمٍ لَطيف ولا يسمع القارئ جملة “ولم يَكنِ الرَّب في hw”)hy> …Þb’ al{ï ” فقد كان الرب في الصوت اللطيف، وبدأ الحوار من جديد مع إيليا بنفس السؤال البلاغي السابق ” ما بالُكَ ههُنا يا إِيليَّا” وكأن الله يقول لإيليا هل مازلت خائف وفزِع بعد أن رأيت كل قوتي وجبروتي وأيضا رقتي ولطفي؟ فالله ليس فقط قوة وجبروت لكنه أيضا صوت نسيم لطيف. وهنا يفاجئ إيليا القارئ بنفس الإجابة السابقة بنفس الكلمات والترتيب، لأن إيليا يأبى أن يتعزّى ويتشجع ويعود من جديد لخدمته. وهنا يقول له الله ” إِمضِ فأًرجَعْ في طَريقِكَ نَحوَ بَرِّيَّةِ دِمَشق. فإذا وَصَلتَ، فاَمسَحْ حَزائيلَ مَلِكًا على أَرام. 16 وآمسَحْ ياهُوَ بنَ نِمْشِيَ مَلِكًا على إسْرائيل، وآمسَحْ أَليشاعَ بنَ شافاطَ مِن آبَلَ مَحولَةَ نَبِيًّا مَكانكَ. 17 فيَكونُ أَنَّ مَن أَفلَتَ مِن سَيفِ حَزائيلَ يَقتُلُه ياهو، ومَن أَفلَتَ مِن سَيفِ ياهو يَقتُلُه أليشاع. 18 ولَكِن قد أَبقَيتُ في إسْرائيلَ سَبعَةَ آلاف، كُلَّ رُكبَةٍ لم تَجثُ لِلبَعْل كلَّ فَم لم يُقَبِّلْه”. وإجابة الله تبدو غريبة هنا، فكيف يكون أن الله الذي يتحدث إلى إيليا بكل حنان ولطف وصبر في صوت النسيم أن يأمره بمسح نبي وملكين ليقتلوا شعبه مع أنه قد أبقى سبعة آلاف ركبة لم تجث للبعل. في الواقع، نميل أن نقرأ إجابة الله على أنها تَهكُّم Irony أو Sarcasm –والتهكم ليس السخرية لكنه الجملة التي تحمل للسامع معنى مختلف عما تقوله حرفيا، فمثلا عندما يقول يسوع في (مت 23 : 32) “وأنتم كملوا مكيال آبائكم” لايقصد أن يطلب من الكتبة والفريسيون أن يفعلوا مثلما فعل آباؤهم، لكنه يقصد العكس تماما. وهنا يكون المعنى أن الله يقول لإيليا: ارجع لطريقك وافعل ما تريد، امسح حزائيل وياهو بن نمشي، وإن كنت تريد الاستقالة فامسح أيضا أليشع نبيا مكانك حتى يبيدوا شعب إسرائيل كما تريد، لكن اعلم أنك لست الأمين الوحيد فقد أبقيت سبعة آلاف إنسانا أمينا لم ينحنوا للبعل. دـ الخاتمة: استقالة إيليا (1 مل 19 : 19-21): في هذه اللحظة يحزن القارئ عندما يُطل عليه من جديد فعل “مضى $lh ” معلنا رحيلا جديدا لإيليا بدون تعزية. ويخبرنا النص أن إيليا لم يتمم الثلاث طلبات التي طلبها منه الله، بل تتمم واحدة فقط، ألا وهو البحث عن أليشع ليرمي إليه بردائه ليكون نبيا بدلا منه، فقد قرر أن يستقيل من خدمته ومن غيرته التي غارها قديما لرب القوات. وبالفعل الذي تمم مسح حزائيل وياهو هو أليشع في (2 مل 8، 9). وكما استنكر بولس الرسول في (رو 11) شكوى إيليا إلى الله من شعب إسرائيل، فلا عجب أن نجد هوشع النبي يستنكر ويدين مذبحة الدم التي قام بها ياهو بن نمشي وبيته في شعب إسرائيل (هو 1). المراجع
1- كتب
AA. VV., The New Interpreter’s Bible, Vol. III (Abingdon: USA 1999).
F. BROWN, S.R. DRIVER, C.A. BRIGGS, A Hebrew and English lexicon of the Old Testament with an appendix containing the Biblical Aramaic. based on the lexicon of William Gesenius as translated by Edward Robinson (Oxford : Clarendon 1906).
C.F. BURNEY, Notes on the Hebrew Text of the Book of Kings, with an Introduction and Appendix (Oxford: Clarendon Press, 1903).
P. COELHO, Monte Cinque (Bompiani: Milano 42002).
M. COGAN, 1 Kings. A New Translation with Introduction and Commentary (AB 10; New York, Doubleday 2001).
S.J. DeVRIES, 1 Kings, (WBC 12; Dallas, Texas, Word Books, Publisher 1998).
J. GRAY, I & II Kings. A Commentary (OTL; London: SCM – Philadelphia, PA: Westminster 21970).
G.H. JONES, 1and 2 Kings, Vol. II. (NCB; Grand Rapids, MI: W.B. Eerdmans, 1985).
P. JOÜON, T. MURAOKA, A Grammar of biblical Hebrew (PIB: Roma 2003).
B.O. LONG, 1 Kings, with an Introduction to Historical Literature (FOTL; Grand Rapids, MI: W.B. Eerdmans, 1991).
J. LUST, “Elijah and the Theophany on Mount Horeb” BETL 41 (1976).
D. MARGUERAT, Y. BOURQUIN, How to Read Bible Stories. An introduction to narrative criticism (SCM: London 1999).
J.A. MONTGOMERY, An Exegetical and Critical Commentary on the Books of Kings. (ed. H.S. GEHMAN) (ICC; Edinburgh: T&T Clark 1951, 1967).
A. NICCACCI, Sintassi del verbo ebraico nella prosa biblica classica (SBF Analecta 23; Jerusalem 1986).
J. ROBINSON, “The First Book of Kings,” (The Cambridge Bible Commentary; Cambridge: Cambridge University Press, 1972).
A. ROLLA, I Libri dei Re (Paoline: Roma 1971).
J.L. SKA, “Our Fathers Have Told Us” An introduction to the Analysis of Hebrew narratives (Subsidia Biblica 13; Roma 2000).
____, Il ciclo di Abramo. Analisi sincronica e diacronica, dispensa del corso (PIB: Roma 1996).
N.H. SNAITH, Notes on the Hebrew text of I Kings XVII-XIX and XXI-XXII (London : Epworth Press, 1965).
J.A. SOGGIN, Introduzione all’Antico Testamento (PAIDEIA: Brescia 41987).
R.S. WALLACE, Readings in 1Kings, an Interpretation arranged for personal and group Bible study, with questions and notes (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1996).
2- مقالات
C. A. CARLSON, Élia à l’Horeb, VT 19 (1969) 416 ff.
R.L. COHN, the literary logic of 1 Kings 17-19, JBL 101 (1982) 333-350.
R.B. COOTE, “Yahweh Recalls Elijah”, Traditions and transformation. Turning points in biblical faith (ed. B. HALPERN, J.D. Levenson) (Winona Lake/Ind.: Eisenbrauns 1981) 115-120.
R. GREGORY, Irony and the unmasking of Elijah, From Carmel to Horeb. Elijah in crisis. Journal for the study of the Old Testament. Supplement series 85 (ed. A. J. Hauser) (Almond Pr.: Sheffield 1990) 91-169.
A.J. HAUSER, Yahweh versus death – The real struggle in 1 Kings 17-19, From Carmel to Horeb. Elijah in crisis. Journal for the study of the Old Testament. Supplement series 85 (ed. A. J. Hauser) (Almond Pr.: Sheffield 1990) 9-89.
L. MAZZINGHI, “Elia e la voce del silenzio”, (1Re 19). Parole di vita 5 (2001) 14-19.
B.P. ROBINSON, “Elijah at Horeb, 1 Kings 19:1-18”, A Coherent Narrative?. RB 98 (1991) 513-536.
K. SEYBOLD, Elia am Gottesberg, Ev T 33 (1973) 3-17.
J.L. SKA, “Sincronia: l’analisi narrativa”, Metodologia dell’Antico Testamento (ed. H. SIMIAN-YOFRE) (EDB: Bologna 1994) 139-170.
____, Le forme verbali della narrazione biblica, dispensa del seminario “Tecniche narrative dell’AT” (PIB) anno accademico 2005-2006.
E. WÜRTHWEIN, “Elijah at Horeb: Reflections on I Kings 19.9-18”: Studien zum Deuteronomistischen Geschichtswerk, Beihefte zur Zeitschrift für die alttestamentliche Wissenschaft 227 (ed. E. Würthwein) (Walter de Gruyter . Berlin . New York: 1994) 140-