اليَقظة – بقلم الأب أنطوني دو ميلّو اليسوعيّ
قدّمته لكم مها سركي
استيقظ! كلمة تُقال للنائم المرتاح في سريره كي يستيقظ، كلمة لها تأثير مزعج. لكن حين تُقال لنا نحن الصاحين من النوم، عبر كلّ صفحة من صفحات الكتاب، سنشعر بتأثيرها الممتع. كلمة تنعش القلب، تنساب إلى الروح، وسنصغي إليها بقلبنا. إنّها الكلمة الوحيدة التي نحتاجها بشدّة وخصوصًا في أيّامنا هذه.
الاستيقاظ هو أوّل فعلٍ نقوم به إن أردنا أن نحبّ، إن أردنا الحرّيّة، إن أردنا الفرح والسلام، في زمنٍ يعمّ فيه الغمّ والخوف والارتياع والصراع الداخلي والخارجي.
يضيء لنا الكتاب الطريق للتخلّص من كلّ هذه المنغّصات ويمنحنا فرصة الاستيقاظ التي تتناسب طردًا مع مقدار استعدادنا لقبول تعلّم طرائق جديدة للعيش ومقدار الحقيقة التي نستبدل أوهامنا بها. عندها سنحصل على الاستنارة وتصبح الحياة حلوة ولها معنى.
يطرح الكاتب في البدء السؤال الأهمّ: من أنا؟ أو بالحريّ «ما هو الأنا»؟ فيعرّفنا على الأنا الذي يراقب النفس، وعندها نبدأ بوعي الأشياء. ثمّ ننتقل إلى وعي أفكارنا إلى أن نصل أخيرًا إلى وعي لشخصنا بكامله (عمليّة مراقبة ذاتيّة). فيتيح لنا رؤية النور وندرك ما نحن عليه ونفهم حقيقة ذواتنا؛ وهذا الفهم يعني الاستيقاظ. فاليقظة هي أن نكون واعين لما نقوله ولما نفعله ولما نفكّر فيه، فنعي طريقة تصرّفنا. فالحياة غير الواعية لا تستحقّ أن تُعاش.
طالما كنتَ واعيًا لكلّ ما يدور حولك ستحصل على نعمة اكتشاف الأنا والسعي إلى اللاتماهي مع نفسك؛ عندها ستشعر بالسلام. إن كنتَ تعاني فهذا يعني أنّك نائم. المعاناة علامة على فقدانك التواصل مع الحقيقة.
هل تريد اكتشاف سرّ الاستيقاظ؟ هل تريد تذليل العوائق أمام سعادتك؟ استيقظ! أوعى! إفهم!
يناقش الكاتب أفكارًا جديدة كمقولة: السعادة ليست شيئًا يمكن الحصول عليه. أتعلمون لماذا؟ لأنّنا نمتلكها مسبقًا. علينا فقط أن نتخلّى عن شيءٍ ما كي نختبرها. ليس علينا إضافة أي شيء إلى حياتنا كي نكون سعداء بل بالعكس، علينا أن نتخلّى عن بعض الأشياء كالأوهام مثلًا. لأنّ الشخص النائم غالبًا ما يظّن بأنّه سيشعر بالسعادة إذا تغيّر شخصٌ ما، في حين أنّه هو مَن عليه التغيّر.
يتضمّن الكتاب أربع خطواتٍ من أجل الحكمة… تقودنا إلى أسمى معرفة، معرفة الله، والوعي. فعندما نكون واعين لكلّ ما يحيط بنا سنتعرّف إلى ماهية الله، ماهية الواقع، ماهية الحب.
أستطيع القول إنّ الكاتب يطرح طرائق مبتكرة لنزع التعلّق، للتخلّي، للخروج من سجننا، من معتقداتنا الزائفة ومن خيالاتنا إلى الواقع، إلى الحياة، إلى السعادة، إلى حالة من اللاوهم، إلى التخلّي عن الوهم.
إنّ خسارة النفس هي أن تدرك فجأةً أنّك شيء مختلف عمّا ظننته. فالموت ليس مأساة على الإطلاق، لأنّ الشخص الحيّ هو الشخص الممتلئ بالموت! أي الذي يموت دومًا عن أشياء معيّنة ليكون حيًّا بشكلٍ كامل؛ ومن ثمّ يعاود القيامة في كلّ لحظة. مفاهيم غريبة يشرح فيها الكاتب عبارة السيد المسيح «من خسر نفسه يربحها».
في ظلّ الظروف الراهنة ونقص موارد الطاقة والكهربا في بعض البلدان، يقترح علينا الكاتب، أن نشعل ضوء الوعي لتختفي الظلمة، لأنّ نور الوعي سيضيء، نور التبصّر النفسي الذي سيطلق خبرة «أَها». هذا هو التبصّر، هذا هو التغيير، هذا هو الشخص المستنير الحرّ.
يعالج الكاتب موضوع الحياة والموت بتعابير مدهشة تفاجئنا وتغيّر رؤيتنا ونظرتنا، كلمات ومواضيع تثير اهتمامنا كالرغبة بالسعادة، المراقبة الذاتيّة، أوهامنا، وعينا، الأنا، الرغبة، التعلّق، التبصّر، التفهّم، الإصغاء، التغيير، الحبّ، اليقظة. ويحاول الكاتب أن يرسم لنا حياة سعيدة من خلال خطواتٍ يقترحها وعلينا أن نتبعها في أضواء الوعي. ففي كلّ فصل من فصول الكتاب القصيرة والمشوقة نسمة تحرّك القلب وتنعش الروح وتدهشنا وتغيّر مفاهيمنا وتدعنا نعزم على التغيير. شمعة تنير خبايا نفوسنا المظلمة المتعطشة للاستنارة. فالمأساة الوحيدة الموجودة في هذا العالم هي الغفلة واللاوعي.
وتتالى الصفحات، ويسير فيها الكاتب ويرقص رقصته وتواكبه الترجمة السلسة. كتاب غني بشهادات حياة وخبرات حيّة تفيد القارئ.
يسوعيون