البابا يمنح بركته مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد المجيد
لمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد أطل البابا فرنسيس من على شرفة البازيليك الفاتيكانية، كما جرت العادة، ليمنح بركته مدينة روما والعالم. قال البابا:
أيها الأخوةُ والأخواتُ الأعزاءُ، ميلادًا مجيدًا!
إن يسوع، ابنَ الله، مخلصَ العالم، وُلد من أجلنا. وُلد في بيتَ لحم من عذراء، متمّمًا النبوءاتِ القديمة. اسمُ العذراءِ مريم، وخطيبّها يوسف.
الأشخاصُ المتواضعون، المفعمون بالرجاءِ في طيبةِ الله، قبلوا يسوعَ وتعرفوا عليه. هكذا أنارَ الروحُ القدس رعاةَ بيتَ لحم الذين هرعوا إلى المغارة وسجدوا للطفل. الروحُ (القدس) قاد الشيخَين سمعان وحنة، في هيكل أورشليم، فعرفا أن يسوعَ هو المسيح. “فقد رأَت عينايَ خلاصَك” ـ قال سمعان ـ “الخلاص الذي أعدَّه (الله) في سبيلِ الشعوب كلِّها” (لوقا 2،30). نعم، أيها الأخوةُ، يسوعُ هو الخلاصُ لكلِّ شخص وكلِّ شعب!
أطلبُ اليوم إلى مخلِّصِ العالم أن يلتفت إلى أخوتِنا وأخواتِنا في العراق وسورية الذين يتألمون منذ زمنٍ طويل جرّاء الصراعِ الدائر هناك، ويعانون من الاضطهادِ الشَّرس إلى جانبِ أشخاصٍ منتمين إلى جماعاتٍ عرقيةٍ ودينية أخرى. فليحمل عيدُ الميلاد الرجاءَ إليهم وإلى الأعدادِ الكبيرة من المهجّرين والنازحين واللاجئين، الأطفالِ والبالغين والمسنين، في المنطقة والعالمِ كلِّه؛ وليبدّل اللامبالاةَ إلى قُربة والنبذَ إلى ضيافة، كي يحصلَ الأشخاصُ الممتحنون على المساعداتِ الإنسانية اللازمة ليتمكّنوا من تخطِّي قسوة الشتاء، والعودةِ إلى بلادِهم والعيشِ بكرامة. وليفتحِ الربُّ القلوبَ على الثّقةِ وليهَب سلامَه للشرق الأوسط بأسرِه، بدءًا من الأرضِ التي تباركت بولادتِه، مؤيِّدًا جهودَ الأشخاص الملتزمين فعليًّا لصالحِ الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لينظر يسوع، مخلِّصُ العالم، إلى المتألمين في أوكرانيا، وليمكِّن تلك الأرض الحبيبة من تخطِّي التوتراتِ والتغلُّب على الحقدِ والعنفِ وإطلاقِ مسيرة جديدةٍ من الأخوَّةِ والمصالحة.
ليمنح المسيحُ المخلِّصُ هبةَ السلامِ لنيجيريا، حيثُ ما تزال تُراقُ الدماءُ وحيث يُسلَخ أشخاصٌ كثيرون عن أحبائهم فيُحتجزون كرهائنَ أو يُقتلون. وابتهلُ السلامَ أيضا لباقي أجزاءِ القارة الأفريقيّة. أفكّرُ بنوع خاص بليبيا، وبجنوب السودان، وبجمهورية أفريقيا الوسطى وبمناطقَ عدةٍ في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ وأطلبُ إلى المسؤولين السياسيين الالتزامَ في تخطي الخلافات، من خلالِ الحوار، وبناءِ تعايشٍ أخويٍّ مستدام.
ليخلِّص يسوعُ العديدَ من الصغار ضحايا العنف، والذين يُعامَلون كسلعٍ ويُتاجَر بهم، أو يُجنَّدون قسرًا؛ أطفال، أطفال كثر مُستغلّون. ليهب العزاءَ لعائلات الأطفالِ الذين قُتلوا في باكستان الأسبوعَ الماضي. وليكُن قريبًا من المتألمين جراءَ الأمراض، لاسيما ضحايا وباء الإيبولا، خصوصًا في ليبيريا وسيراليون وغينيا. وإذ أشكر، من صميم القلب، الأشخاصَ الساعين بشجاعة إلى مساعدة المرضى وعائلاتهم، أجدّدُ نداءً مُلحًا من أجلِ توفير الرعايةِ والعلاج الضروريَّين.
أيها الطفل يسوع، يتّجه فكري إلى جميع الأطفال الذين يقتلون اليوم أو يتعرضون لسوء المعاملة، إلى أولئك الذين، وقبل أن يبصروا النور، يُحرمون من محبة والديهم السخية ويُدفنون في كبرياء ثقافة لا تُحبُّ الحياة؛ وأولئك الأطفال المهجّرين بسبب الحروب والاضطهادات، والذين يُستغلّون تحت أنظارنا وصمتنا المتواطئ؛ إلى الأطفال الذين يُقتلون تحت القصف حتى هناك حيث ولد ابن الله. واليوم أيضًا يصرخ صمتهم الواهن تحت سيف العديد من أمثال هيرودس. وفوق دمائهم يخيّم اليوم ظلّ العديد من هيرودس عصرنا. هناك حقاً كثيرٌ من الدموع التي تُذرف في عيد الميلاد هذا مع دموعِ الطفلِ يسوع. هناك حقاً كثيرٌ من الدموع التي تُذرف في عيد الميلاد هذا مع دموعِ الطفلِ يسوع.
أيها الأخوةُ والأخواتُ الأعزاء، ليُنر الروحُ القدس قلوبَنا اليوم، كي نستطيعَ أن نرى في الطفل يسوع، المولودِ في بيتَ لحم من العذراء مريم، الخلاصَ الذي منحه اللهُ لكلِّ واحدٍ منا، لكلِّ إنسان ولشعوبِ الأرضِ برمتها. ولتشعر القلوبُ، التي تعاني جرّاءَ الحربِ والاضطهادِ والعبودية، بقوةِ المسيح التي هي تحرُّرٌ وخدمة. ولتُبدِّد هذه القوةُ الإلهية، من خلال وداعتِها، القسوةَ من قلوب العديد من الرجالِ والنساء المنغمسين في اللامبالاةِ والأمور الدنيويّة، في عولمة اللامبالاة تلك. ولتحوِّل قوتُه المخلِّصةُ السلاحَ إلى محراثٍ، والدمارَ إلى إبداعٍ، والحقدَ إلى محبةٍ وحنان. هكذا يمكننا أن نقول بفرحٍ: “لقد رأت عيوننا خلاصَك”.
ومع هذه الأفكار، أتمنى ميلادًا مجيدًا للجميع!
الفاتيكان