من أراد أن يتبعني فليزهد في نفسه – الأب وليم سيدهم
كل يوم وكل ساعة يدعونا الرب كي نتبعه ونسير في خطاه، وكيف نترجم عملية “الاتباع” هذه في حياتنا اليومية؟ إنها عملية شاقة للغاية حينما نقسم أجندتنا اليومية ونملأها بالمهام وباللقاءات، في غياب ربنا، غياب ربنا يعني أني اتخيل أني وحدي مسئول عن تنفيذ هذه المهام، وأن الله لا يتدخل في مثل هذه الأشياء الشخصية وهذا وهم.
فحياتنا كلها معلقة في يد الرب، كيف؟ إلا نذكر أن نتنفس من الهواء الذي يعطيه لنا الرب كل لحظة وكل يوم، أننا نرى بفضل نور الشمس التي سخرها الله لنا، أننا نتحرك لأن صحتنا وهبها الله لنا، أننا حينما نلتقي إنسان ما، فإننا نكون متخوفين من فشل اللقاء، ولكن حضور الله معنا في صميم كياننا يضمن لنا لقاءًا مثمرًا ومفرحًا، لأن الله هو الذي يهيئ الظروف النفسية والعقلية والجوية التي تؤثر في الشخص الذي نلتقيه وفينا نحن.
لذلك يقوم المؤمن ببداية نهاره يردد الكلمات الموحية والمطمئنة مع نفسه أو مع آخرين قائلًا: “هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ.” (مز 118: 24- 26) هذه الكلمات تدخل على النفس السكينة وتملأ القلب بالطاقات الايجابية التي تعمل على نجاح مسعانا وتحقيق مهامنا اليومية.
ولكن أحيانا علينا أن نتوقف ونتسائل، أين حريتنا نحن؟ وأين هويتنا؟ وأين وجودنا وكياننا؟ اسئلة مشروعة وهامة، أما الجواب عليها والاقتراب منها فهو موجود على لسان القديس بولس الرسول: “فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.” (غل 2: 20). ان الله في شخص المسيح يرسل لنا من خلال كلماته المحيية في الكتاب المقدس وسائل متواصلة تحمل في طياتها “خبز الحياة” الذي به نقوم ونجلس ونعمل ونصغي ونلبي الدعوات الآتية من مَن نتعامل معهم، ولكن في حالة إنفصال المؤمن عن كل هذه الأشياء الإلهية، وفي حالة غياب وعي المؤمنبكل ذلك فكيف يعيش ويسير وحده، إننا خلقنا على صورة الله، ولدى كل منا شرارة من حضور الله، ولدينا شعور وقلب وعقل مؤهل من الله أن يتفاعل مع الطبيعة المحيطة به، هكذا مثل الاطفال، المجروحون في ذكائهم الصم والبكم، المرضى من كل نوع، هؤلاء يلتقطون الرسائل الربانية سواء في باطنهم أو من خارجهم من خلال الطبيعة والآخرين من البشر.
كل ذلك لا يمنع الإنسان من أن يزهد في نفسه، لأنه مهما زهد في نفسه سيجد الله يغمره أضعاف أضعاف ما تجرد عنه بإرادته ورغبته الذاتية، إذا ما سلم حياته لملك الحياة الذي قالها على الملأ: “أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ.” (يو 11: 25). ، “اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.” (مت 11: 29).