ما الغاية من أن يكون المرء مسيحيًّا؟
للأب تيموثي رادكليف الدومينيكيّ
تقدّمه لنا مها سركي
يضعنا هذا الكتاب أمام تساؤلين، الأوّل: ما الغاية من كوني مسيحيّ؟ والثاني: هل الدين هو شيء مفيد لي؟ فإذا كنت من الذين يرغبون بالبحث عن الحقيقة، لتفهم إيمانك المُعاش بشكلٍ يوميّ، فإنّ هذا الكتاب نسمة هواء نقيّ تحتاج إليها بقوّة، لتتجدّد أفكارك وتنتعش فتحدث فرقًا في ما تعيشه، وتفهم إيمانك بعمق.
يعرض الكاتب أفكاره بشكلٍ رائع وبنفحةٍ نبويّة. واللافت للنظر في عرضه أنّ حجّته في تفسير الإنجيل تصوغ بعمق مفهوم طبيعة الإنسان، ومشكلات الرجل والمرأة العصريّين وقلقهما. ويؤكّد على أنّه كلّما فهمنا مغزى الإنجيل، انفتحنا على العالم الخارجي. وأنّ المسيحيّين ليسوا أفضل من الآخرين، ولكن يجب أن تتّسم حياتهم بأشكالٍ معيّنة من الرجاء والحرّيّة والسعادة والشجاعة.
يشرح في الفصلين الأوّل والثاني ما معنى أن تكون مسيحيّ، وكيف تفهم المسيحيّة الرجاء، وما معنى أن نرجو، وكيف يكون ذلك الرجاء جليًّا في حياتنا.
أن يكون لنا رجاء لا يعني أن نراهن على أن يكون الخير أقوى من الشرّ وحسب. بل أن نسمح للأبديّة بأن تبدأ اليوم والآن، وأن نشارك حياة الله. ينبغي أن تبدأ الغاية النهائيّة من حياتنا منذ هذه اللحظة، وأن نعيشها بحرّيّة وفرح غير اعتياديين. فغاية المسيحيّة هي التوجّه إلى الله لكي يكون لحياتنا معنى. لقد أعطى شرحًا للرجاء بشكلٍ محيّر وغير معتاد.
يشير في الفصلين الثاني والثالث إلى أنّ المسيحيّة تدعونا إلى عيش مفهوميّ الحرّيّة والسعادة. تُظهِر الحرّيّة الغاية المسيحيّة لأنّها تكشف الهدف النهائيّ من حياتنا، وهو المشاركة في حرّيّة الله التي لا توصف. ففي نظر الأكوينيّ السعادة ليست عاطفة ينبغي أن نسعى إلى إنمائها بل هي نشاط «إدراك كياننا». السعادة هي عطيّة نتسلّمها، تلك العطيّة هي حياة الله. خُلِقنا من أجل السعادة والفرح! فكيف يمكن أن تكون الكنيسة مهدًا لهذا الفرح؟ يؤكّد الكاتب على أنّ الفرح المسيحيّ ليس حالة مرح ملحّة أو حلًّا، بل إنّه الفرح الفصحيّ الذي نقدر أن ندخل فيه عبر المرور من خلال المعاناة والموت والقيامة.
يبحث في الفصل الرابع إمكانيّة العيش بفرح وسعادة في ظلّ الظروف الحاليّة؟ الفرح تلك الفضيلة التي نحن بأمسّ الحاجة إليها اليوم في الكنيسة.
فإذا سمحنا لله الذي معنا أن يحرّرنا ويغمرنا، فهل تحدث المسيحيّة فرقًا؟ قد رأينا للتوّ أنّها تدعونا إلى أسلوب حياة محيّر ومثير للتساؤل؟ ينبغي أن نكون علامة رجاء في عالم فقدَ (اليوتوبيا) المثاليّة، فإن لم تتوافر هذه الميزات فينا فربّما السبب هو أنّنا خائفون. فلا نقدر أن نكون شهودًا مقنعين للإنجيل ما لم تسكن في داخلنا شجاعة لا تفسير لها. الشجاعة بحسب الأكويني «هي القدرة على تحمّل الشدائد والإصرار على المواصلة إيمانيًّا. فالمسيحيّ صبور، والصبر يعني عدم السماح للمحنة بأن تهدم فرحه».
يعالج الكاتب في الفصل الخامس ما الغاية من أن يكون المرء مسيحيًّا ما لم يتأمّل ماذا يعني له أن يكون المرء جسديًّا؟ فيه يعالج إشكاليّة النفس والجسد ويولي أهمّيّة للنشاط الجنسيّ بصفته أمرًا جوهريًّا لإنسانيّتنا.
فكما عبّر يسوع عن حرّيّته المطلقة في وهب جسده لنا، حينما سلّم ذاته في العشاء الأخير واستطاعوا أن يفعلوا به ما يحلو لهم. كذلك كلّ علاقة حميمة ربّما ستمرّ بفترة أزمة. لا يدعونا العشاء الأخير إلى الهرب منها بل إلى معالجتها واثقين من أنّها ستأتي بنتيجة طيبة. الأخلاق المسيحيّة تدعونا إلى معالجة الضعف والمخاطرة الناجمتين من تسليم الذات للآخر. فإنّ فهمنا السيّء لعلاقتنا بأجسادنا يفقدنا إحساسنا، ويجعلنا عاجزين عن عيش الحياة الجسديّة.
أمّا في الفصل السادس فيشرح ما هو موقف المسيحيّة من الحقيقة. ما يميّز المسيحي هو فهمه للصدق بطريقة مميّزة. فالمسيحي مطالب بأخلاق متسامية. والمجتمع الذي نعيش فيه لا يكنّ احترامًا شديدًا للحقيقة. فهل تستطيع المسيحيّة، رغم توقها وشوقها إلى الحقيقة، أن تنجح في هذا المجال؟ ما يميّز المسيحيّين في هذا العالم المتشكّك هو أنّهم سيبلغون الحقيقة عبر التفكير. وعليهم أن يكونوا صادقين بطريقة خاصّة ومثيرة للاهتمام. فعلى الكنيسة أن تحاول بناء أماكن يستطيع الناس المجيء إليها لكي تتجدّد رؤيتهم وتتطهّر أعينهم. المسيحيّة بحاجة إلى واحات من الاستجمام والصمت والامتنان حيث نقدر أن نشعر بأحاسيسنا وأن نطهّر بصرنا وأن نرجع إلى ذواتنا لنتذكّر حقيقة مَن نحن.
ما يميّز المسيحيّة في الفصلين السابع والثامن هو وحدتهم البشريّة، وإلى أي مدى يؤثّر ذلك في طريقة عيشهم. فإذا كان إلهنا هو محور كلّ شيء، لن يشعر أحد منّا بالتهميش. هذا يعني أن الطريقة الوحيدة لإثبات عضويتنا في المجتمع الكبير هو رفض الانتماء إلى الجماعات الصغيرة. والكنيسة مدعوّة إلى أن تكون علامة وحدة الإنسانيّة بطرق عدّة. والتحدي الأكبر يكمن في تطهير كلامنا على الغرباء لكي تنفتح لغتنا وتقترب من اتساع رحابة كلمة الله وحفاوتها. حينها يستطيع الناس التقاط بعض ملامح سر الله محور كلّ شيء فلن يبقى أحد على الهامش.
يعالج الفصلان التاسع والعاشر الانشقاق والاستقطاب في الكنيسة. وفي النهاية يختم الكاتب بما يعنيه لنا تعبير أن نرتاح. ففي ذلك إشارة إلى الراحة الأبديّة حيث البشريّة مدعوّة إلى مشاركة الله. ضرورة العودة إلى الجذور سيجذب الشباب الذين لا يعرفون كيف كانت الكنيسة الأولى، ويلقي نظرة على الانقسامات ضمن الكنيسة. فقد شدّد البابا يوحنّا بولس الثاني على أنّ الكنيسة يجب أن تتعلّم التنفّس برئتيها الشرق والغرب، لكي نؤكسج دمّ الكنيسة، ولكي يبقى جسد المسيح حيويًّا. وإنّ التوتّرات ضمن الكنيسة لم توقفنا عن التنفّس. وبفضل حلول الروح القدس نتعلّم كيف يمكن أن نتنفّس بارتياح دون خوف من الاختلاف ونتعرّف على بيت يشعر فيه الجميع بالانتماء بذلك تصبح الكنيسة أفضل علامة للوحدة البشريّة.
في الختام يؤكّد الكاتب على أنّ الله هو غاية كلّ شيء، ونحن نتوجّه إليه باعتباره مصيرنا وسعادتنا. لم يسعَ الكاتب من خلال كتابه هذا لاكتشاف صفة فريدة في المسيحيّة أو مكونها السرّيّ لكي يُقال عنّا مختلفين. بل أكثر ما يميّزنا هو أن نعيش حاليًّا في موطننا الذي هو الملكوت.
كتاب سيحدث فرقًا في ما نعيشه، لأنّه يوضح معنى انتمائنا للمسيحيّة. فرقًا يضفي على حياة المسيحي مزيدًا من الرجاء والحرّيّة والسعادة والشجاعة. فكلّ صفحات الكتاب هي رحلة استكشاف لمعنى مسيحيّتنا.
يسوعيون