البابا وسط أعضاء جماعات طريق الموعوظين الجديد في قاعة بولس السادس بالڤـاتيكان
«أقول دائمًا إنّ طريق الموعوظين الجديد يَقوم بِخيرٍ عظيمٍ في الكنيسة»
البابا يَلتـقي بِجماعات طريق الموعوظين الجديد في قاعة البابا بولس السادس، ويُرسل 220 عائلة إلى الرسالة في جميع أركان الأرض. – سَلڤَــتوري تشِرنوتسيو – ترجمة من الإيطالية(رضا حجار)
البابا وسط أعضاء جماعات طريق الموعوظين الجديد في قاعة بولس السادس بالڤـاتيكان
مدينة الڤاتيكان، 6 مارس 2015 (وكالة زينت- Zenit.org)
– سحابات من الكهنة والإكليريكيّين، بِـلِحيتهم والسِّبحة في أيديهم، وفِرق المبشِّرين والمتجوِّلين، وعائلات من كلِّ العالم، ومِن بينهم أيضًا مجموعة من الكوريين بالكيمونو التي هي ملابسُهم المُمَيِّزة. أعلام البلدان المختلِفة، ولافتات تُعلن عن مَشاعر الحبّ للبابا، وكذلك كانجورو من الكاوتشوك. ثمّ أطفال، أطفال في كلّ مكان، من جميع الأَعمار: من حديثي الولادة يَـنوحون في عرباتهم، إلى الأكبر سنًّا الذين كانوا يَتحَدّون أفراد النِّظام بِالتقاطهم الصُّور على درجات قاعة البابا بولس السادس.
إنّ البَشريّة متعدِّدة المَلامح التي يَظهر بها طريق الموعوظين الجديد في اللقاءات الكبيرة، لَـهي دائمًا مَشهدٌ مُلفِت ! دليلٌ على ذلك مقابلة هذا الصباح مع البابا فرنسيس، التي أرسل قداستُه خلالها 220 عائلة إرساليّة إلى كلّ ركنٍ من الكرة الأرضية. وظهر الحبر الأعظم نفسُه مستمتعًا بِـرؤيته ذلك الجَمع المحتفِـل الذي استقبل دخولَه عَبرَ رُدهة صالة نِرڤي.
وسطَ التَّصفيق وهُـتافات «يَعيش البابا!»، بينما بادئُ الطريق كيكو أَرغُـوِيُّو كان مِن المسرح يُنشد بِتأثُّـر ترنيمةً للعذراء مريم، قبَّل البابا أطفالاً واحتضن شبابًا ومَرضى، وبارك المؤمنين الأكثر سُرعةً في إشغال الأماكن التي خلف الحَواجز مباشرةً. على المسرح، كان في انتظار البابا، إلى جانب كيكو وكارمِن هِرنَـنديس والأب ماريو پــِـتْسي – وهم المسؤولون العالميّون عن الطريق- ، مجموعةٌ من الأساقفة والكَرادلة القريبين من مسيرة الموعوظيّة الجديدة، ومِـن بينهم الكردينال نائب البابا أَغُستينو ڤَـلِّـيني، والكردينال روكو ڤاريلا، والكردينال ريلكو رئيس المجمع الحَبريّ لِشُؤون العِلمانيّين، وغيرُهم الكثيرون.
على المسرح كذلك ، إلى اليَسار، استقرَّت اللّافتة المُلصَقة الضَّخمة التي بيَّـنَت للبابا مختلَف التَّوجّهات التي سوف تُرسَل إليها الواحدة والثلاثون رسالة إلى الأُمم: بَدءًا بِالبلاد المُتعلمِنة في أورُبّا وأوقيانيا، إلى القُرى الفقيرة في أفريقيا، وحتّى إلى مناطق في آسيا حيثُ – كما قال كيكو- «لا يَعلمون ولا حتّى مَن هو يسوع المسيح!». 220 عائلة، معها عددٌ يُناهز 600 مِن الأطفال، تُرسَل في مجموعاتٍ صغيرة يُرافقها كاهنٌ، سَينطلقون لِيَنضمّوا إلى أكثر من 1100 نَواةٍ عائليّة قد أتمَّت منذ سنواتٍ هذا الاختيار بِأن يَتركوا كلَّ شيءٍ والكلَّ لأجل المسيح.
إنها عائلاتٌ قد «تَـكوّنَت» طَوال 14 أو 15 سنةً – على سبيل المثال- في المسيرة، كما شرح أَرغُـوِيّو، وهي على استعداد لِحَملِ البشارة حتى إلى النَّواحي الأكثر صُعوبةً في العالم. عائلاتٌ حيث «كلُّ واحد يُحبّ الآخَر»، إلى درجة إثارة الغيرة؛ وهذا وحدَه يَكفي لِجَعلها تُمثِّـل شَهادةً قويّة في تلك الأماكن التي تَـتـزايد فيها كلَّ عامٍ نسبة الانتحار والطَّلاق والإجهاض.
هذه الشَّهادة – التي تُقدَّم منذ ما يَقرُب من 30 عامًا من العائلات (بِأطفالٍ كثيرين أو غير كثيرين)– مِن طريق الموعوظين الجديد، لها إذًا حاجةٌ ماسّة إليها في اللَّحظة التّاريخيّة الحاليّة. ولِهذا السَّبب بِالذات، فالبابا فرنسيس – على نهج سابِقيه منذ عهد الطّوباويّ بولس السادس- أراد أن يَضع خَتمه الخاصّ على هذا العمل المزدهِر لِلتَّبشير الجديد.
«إنّ واجب بطرس هو تثبيت إخوته في الإيمان»، كما قال البابا فعلاً مستهِلاًّ خِطابه؛ «كما أنكم أنتم أيضًا رغبتم بِهذه الخطوة في أن تَطلبوا من خليفة بطرس تثبيتَ دعوتِكم، وتدعيم رسالتكم، ومبارَكة موهبتِكم. وأنا اليومَ أُثـبِّت دعوتَـكم وأدعَم رسالتكم وأُبارك موهبتَـكم». وأضاف مباشرةً «إنّي أقوم بِهذا لا لأنّه هو (يُشير إلى كيكو) قد دفع لي شيئًا، لا ! بل أقوم به لأنّي أريد ذلك فعلاً ! سوف تَذهبون بِـاسم المسيح في كلّ العالم حاملين إنجيلَه: فَـلْـيَسبِقْـكم المسيح، وَـلْـيُرافـقْـكم المسيح، ولْـيُتمِّم المسيح ذلك الخلاص الذي أنتم حاملون له !».
واصل الأب الأقدس حديثه بِقوله: «أقول دائمًا إنّ طريق الموعوظين الجديد يَقوم بِخيرٍ عظيمٍ في الكنيسة»، مِن حيث إنّه يُحقِّـق أمرَ المسيح لِتلاميذه: «اِذهبوا في الأرض كلِّها وأعلِنوا البشارةَ إلى الخَلق أجمعين. مَن يُؤمن ويَعتمد سوف يَخلُص». بِصفةٍ خاصّة، قال البابا فرنسيس عن نفسه إنّه «مَسرورٌ» مِن أنّ هذه الرسالة تُقام بِفضل «عائلاتٍ مسيحيّة تجتمع في جماعة ولَديها رسالة تقديم علامات الإيمان التي يُمكنها اجتذاب الناس إلى جمال الإنجيل»، أي الحبّ والوَحدة اللّـذَيْن أشار الرّبّ إليهما في الإنجيل.
الرسالات إلى الأُمم، أكثر من غيرِها، هي أكبر وأحدث شَهادة لِعالم اليوم: هذه الجماعات، التي تَتكوَّن من كاهنٍ مع أربع عائلاتٍ أو خَمسةٍ، ومع أبناءٍ بَعضُهم تَعدَّى سنّ الطّفولة، قد استدعاها أساقفةٌ لأجل غَرسٍ لِلكنيسة (implantatio Ecclesia)، أيْ «حضورٍ مستجَدٍّ لِلكنيسة» حيث لا تُوجَد الكنيسة أو لم تَـعُد قادرة على التَّوصّل إلى غير المسيحيّين. المقصود بِهؤلاء – كما أَوضح البابا- «كلُّ مَن لم يَسمعوا أبدًا عن يسوع المسيح»، و«مَن قد نَسَوا كيف كان يسوع المسيح، مَن هو يسوع المسيح»، و«غيرُ المسيحيّين الذين نالوا العماد، ولكنّ العَلمَنة وروحَ العالم وأُمورًا كثيرة أُخرى قد جعلَتهم يَنسون الإيمان».
ثمّ صاح البابا: «أَوقِظوا ذلك الإيمان! وقبل أن يصير هذا بِكلامِكم، لِيَكن بِشَهادة حياتِكم، بِإظهار قلب إعلان المسيح: أنّ اللّه يُحبّ الإنسان إلى حدِّ تَسليم ذاتِه لِلموت لأجله، وأنّ الآب قد أقامه لكي يَمنحنا نعمةَ أن نُعطي حياتَنا لِلآخَرين».
فهذا الخبر «يَحتاج إليه عالمُ اليوم إلى أقصى درجة». فَفي الواقع، قد فاقت «العُزلة» كلَّ حدٍّ، وكذلك «العذاب» و«البُعد عن اللّه»، وهذه الأَحوال هي ما يُعاني منه الناس «في العديد من ضواحي أورُبّا وأمريكا وفي مدنٍ كثيرة في آسيا!». وصاح الأب الأقدس: «كم هي حاجةُ إنسانِ اليوم في كلّ أنحاء المسكونة إلى الشّعور بِحبِّ اللّه وبِأنّ الحبَّ مُمكنٌ!». ومَن الذي يَستطيع أن يُبيِّن حبَّ اللّه لِلإنسان مثـلَكم «أنتم جميعِكم الذين قد تَـلقَّيتم القوّة لكي تتركوا كلَّ شيءٍ وتَذهبوا إلى بلادٍ بعيدة، بِفضل طريقٍ لِلتَّـنشئة المسيحية مُعاشٍ في جماعاتٍ صغيرة، حيث أَعَدتم اكتشاف الغِنى العظيم الكامن في عِمادِكم».
خُلاصةُ القول، إنّ هذا هو طريق الموعوظين الجديد: «عطيّةٌ حقيقيّةٌ من العناية الإلهيّة لِلكنيسة في أيامنا»، كما شدَّد البابا برجوليو، مُذكِّـرًا بالكلمات التاريخية التي لخَّص بها القديس يوحنّا بولس الثاني ماهيّة الطريق: «مسيرةٌ للتّكوين الكاثوليكيّ صالحةٌ للمجتمع ولِلأزمنة الحاضرة». لكنّ البابا فرنسيس ذَكَر أيضًا البابا الطوباويّ بولس السادس الذي، حين التقى لأوّل مرةٍ بِجماعات طريق الموعوظين الجديد في مقابلة يوم 8 مايو/أيّار 1974، قال: «كم مِن الفرح وكم من الرّجاء تُعطوننا بِحضوركم وبِنشاطكم!».
وأضاف البابا: «إنّ رؤية كلّ هذا لَـهو تَعزيةٌ، لأنّه يُؤكّد أنّ روح اللّه حيٌّ وعاملٌ في كنيسته اليومَ أيضًا، وأنّه يَستجيب لِحاجات الإنسان المُعاصر». وبعد ذلك أعاد إلى الأَذهان المُرتكَز الثُّلاثي الذي تَستند إليه قاعدة الطّريق: الكلمة واللّيتُرجيّا والجماعة، مُعلِّـقًا: «إنّ سماع كلمة اللّه المستمِرّ بِطاعةٍ، والاحتفال بالأفخارستيّا في جماعاتٍ صغيرة عشيّةَ الأحد بعد غُروب السّبت، والاحتفال بِصلاة التّسبيح الصّباحية في العائلة يومَ الأحد مع جميع الأبناء، ومشارَكة الإيمان الشّخصيّ مع إخوة آخَرين، لَهي مَنشَأٌ لِعطايا عديدة قد أنعم الرّبّ عليكم بها بِوَفرة، ومعها كذلك كلُّ الدّعوات الكثيرة إلى الكهنوت وإلى الحياة المكرَّسة».
كلّ هذا هو عصب الحياة لذلك «العمل الرّعويّ الذي طابَعُه الأكيد هو البُعدُ الإرساليّ» الذي على الكنيسة أن تَنظر إليه – وهو ما تُؤكّده الرسالة فرحُ الإنجيل- وأن تَـترك جانبًا ذاك «العمل الرّعويّ السّاعي فقط إلى الحِفاظ على ما لَدَيها» الذي بِالفِعل يَعمل على «وجود المسيح لَدينا في الكنيسة، ولكنّنا لا نَدَعُه يَخرج …». واستطرد البابا فورًا: «كم مرّةٍ جَرَى هذا!». وختم حديثه قائلاً: هذا إذًا «هو الشّيء الأَهمّ الذي يجب القيام به، إذا كنّا لا نريد أن تَصير المياه راكدةً في الكنيسة».
ولكي يَجعل هذا الكلام واقعًا ملموسًا، عانق البابا فرنسيس، وسلّم صليب الإرسال، لِممثِّـلين عن العائلات الإرساليّة – التي يَفوق عددها المِئـتَـيـن -، ووضع يَديه على رأس كلّ واحدٍ من الكهنة – الذين يَفوق عددُهم الثّلاثين- الذين سَيُرافقون الرسالات إلى الأمم، وهم راكعون في صفٍّ على المسرح وراغبون في نَوال بركة خليفة بطرس.
يَجدُر التَّـنويه(من مصادر المُترجم إلى العربية، وهو من العائلات المُرسَلة من سنين سابقة) بِأنّ هذه العائلات، إلى حين إيجاد عملٍ مناسبِ، تستند في البداية إلى الدّعم المادّي الذي من جماعاتهم التي في بلادهم الأصليّة.
وقد شرح كيكو أَرغُوِيّو لِلبابا: «لكي نُقرِّر مَن الذين سيذهبون إلى كلٍّ من الأماكن، أجرَينا قُرعةً. فقُـلنا مَثلاً “لِلرسالة نحو الأُمم في أَيسلَندا”، وسحبتُ أنا بطاقةً بها اسما زَوجَين. “عائلة فلان وفلانة: هل أنتم مستعدّون لِلذَّهاب إلى أَيسلَندا؟” … وكان الجميع يُجيبون “نَعم” !».
والطريق هو الواقع الكنسيّ الذي به أكبر عددٍ من الإكليريكيّات، وعددُها حاليًّا 103 إكليريكيّة منتشرة في كلّ أطراف العالم؛ وقد ارتسم منها 2000 من الكهنة حتّى الآن، ويَستعدّ لِلكهنوت في كَنفِها حوالي 2200 آخَرون.
طريق الموعوظين الجديد هو مسيرةٌ كِرازيّة قد بدأها كيكو أَرغُوِيّو وكارمِن هِرنانديس في السّتينيّات من القرن الماضي، بين الأحياء الهامشيّة بِمدريد. وهو يَتكوَّن حاليًّا من حوالي مليون شخصٍ متوزِّعين في 21000 جماعة في 124 بلدٍ.