رسالة راعوية للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا بمناسبة عيد القيامة 2015
المطران كريكور أوغسطينوس كوسا
بنعمة الله
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك
فــرح القيــامة
إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،
وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أبرشية الإسكندرية،
وإلى المؤمنين بالمسيح أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية،
رنين أجراس الكنائس تقرع اليوم معلنةً قيامة المسيح من بين الأموات وأصدأها تتردد في وطننا وقلوبنا وكنائسنا ورعايانا. إنه العيد الكبير: “عيد الأعياد وزمن الأزمنة وموضوع فرحنا الدائم في انتصارنا وغلبتنا على الموت والخطيئة” كما يقول القديس غريغوريوس النزينزي في إحدى عظاته الفصحيّة.
زمن القيامة الذي نعيشه سنأخذه شعاراً لنا مدى حياتنا المسيحية ليستمر فينا ويملأنا إيماناً ورجاءً بالفرح الحقيقي العظيم، وبالسعادة التي لا تذبل مستفيدين من ثمارها… فلو “لم يقم المسيح من بين الأموات فتبشيرنا باطلٌ، وإيمانكم باطل. بل نكون عندئذٍ شهود زورٍ… وإذا لم يكن المسيح قد قام، فإيمانكم باطل ولا تزالون بخطاياكم” (قورنتس الأولى 14:15-17)، كما يعلّمنا القديس بولس الرسول.
أما وقد قام، فإننا نأخذ من قيامته زخماً جديداً وانبعاثاً روحياً ينقلنا من موسم الخوف والقنوط واليأس إلى حالة الإنتصار والافتخار بمن غلب الموت ودحرج الحجر.
في هذه الأجواء التي تلف أرواحنا تحمل لنا في أعماقنا دعوةٌ واحدة إلى الفرح الذي لا ينتزعه أحد. وهذا الفرح جاءنا به المسيح القائم من الموت معطياً لنا وللبشارة به قوة دفع جديدة لا تتوقف.
من القبر الفارغ بدأ تاريخ جديد:
من ظلمة الموت ونور القيامة، بين حقارة الصليب ومجد القبر الفارغ تكمن حقيقة الخلاص.
مشروع الفداء تحقق بالمسيح يسوع حيث تصالح الإنسان مع الإله الخالق وبدأ تاريخ جديد. تاريخ كُتِبَتْ فصوله بدم المخلّص، الذي أخذ عاهاتنا وآلامنا بدم يسوع الإله – الإنسان، الذي أدخلنا في مشروع الإله الفدائي وأصبحنا جزءاً من تاريخه ليصير هو في عمق تاريخنا.
موت الإله المتجسّد، حدث رهيب وعميق ولكن قيامته من بين الأموات تهزّ الكيان، وتبعث في النفس شلالاً هادراً من الرجاء على الرغم من الظلم الذي يستبد بالضعيف، والجوع الذي ينهش جسد الفقير، والحزن الذي يؤلم مضجع البائس…
قام المسيح على الرغم من الحقّ المهدور والخيانة المؤلمة والحقد الهادر.
كم من مرة نظرنا إلى الصليب الذي فقد مصلوبه بعد القيامة، أو إلى القبر الفارغ وبقينا خارجاً من غير أن ندخل فيه، أو هل نظرنا إلى الكفن المقدّس، وإلى المنديل الذي مسحت به القديسة ڤيرونيكا وجه يسوع المعذّب وتأملناهم لنتذوّق طعم القيامة؟
كم من مرة احتفلنا بذكرى الفصح المجيد وبقي احتفالنا روتينياً؟ قد يكون صعباً أن نقوم بخطوة إلى الأمام لندخل إلى العمق الفارغ لنعرف معنى الفصح الحقيقي. لماذا لا نحاول أن نتقدّم ولو قليلاً بثباتٍ وإيمان كي ندخل ونعاين قوة المحبّة التي سحقت الموت، وبدّدت الظلام، ووهبت الحياة الحقّة لكل إنسان؟
في أيامنا هذه بات الحزن منتشراً يعمّ مساحات واسعة من الوجوه والقلوب. وغدا الفرح جوهرة ثمينة نادرة، يصعب الحصول عليها أو حتى رؤيتها.
غريب هذا العالم الذي نعيشه على الرغم من التقدّم والتطوّر والتقنيات الحديثة، وانتشار الأنظمة المعلوماتية التي تعمل في سبيل سعادة الإنسان، كل إنسان… فإننا نجد في المقابل وطأة الحزن والشقاء والحرمان والقهر والألم…
لماذا إزدادت المعاناة والصعوبات والحروب في عالمنا؟
لماذا حرمنا من ملاقاه الفرح والطمأنينة؟
لماذا معظم الناس غارقون في هموم الحاضر ومشاكله، قلقون بشأن المستقبل ويتحسّرون دائماً على ماضي لن يعود.
تعال يا صديقي العزيز وأخي القارئ لنرفع معاً كل حاجز وسور يمنعنا من الدخول في فرح القيامة وبهجتها وسعادتها.
تعال لنسير معا تحت راية إنتصار الحقّ على الباطل التي يرفعها المخلّص ويعلّمنا من خلالها على نشر العدالة والمساواة والسلام، لنمسح دموع الحزانى والبائسين، المضطهدين والمهجرين، المنبوذين والمهمّشين لنبني معاً حضارة المحبّة.
قام المسيح ووهب لنا الحياة:
زمن القيامة ينادينا لننفض غبار الموت عن بصائرنا فنرى مجد الحياة التي وهبها الله لنا بجودٍ ودفقٍ لا ينضب.
يا يسوع القائم من الموت والمنتصر على الخطيئة والشرّ، إجذبنا إليكَ وحوّل أيامنا نشيد فرحٍ ومزامير سعادة على مذبحك المقدّس.
ولد المسيح الرّب في منتصف الليل ولم يكن أحد شاهد على الميلاد المعجزة إلاّ الأم البتول العذراء مريم. قام المسيح الرّب من بين الأموات قبل الفجر ولم يكن أحد شاهد على الإنتصار الباهر. فهتف صاحب المزامير قائلاً: “عجيب الله في قدّيسيه”، ونحن نقول: “عجيب الله في سرّه غير المدرك”.
على الصليب رأته جموع غفيرة بينها المؤمن والمُخْلِص، اللامُبالي والعدو، الخائن والناكر الجميل.
يوم القيامة المجيدة فرحت السماوات وبدأ الملائكة يمهدون لكشف السرّ أمام البشر قائلين للنسوة: “”لماذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات؟ إنه ليس ههنا، بل قام. أُذكُرن كيف كلّمكن إذ كان لا يزال في الجليل، فقال: يجب على ابن الإنسان أن يُسلم على أيدي الخاطئين، ويُصلبَ ويقومَ في اليوم الثالث”. فذَكَرن كلامه. ورجعن من القبر، فأخبرن الأحدَ عشر والآخرين جميعاً بهذه الأمور كلها… ” (لوقا 5:24-9).
عجيب الله في أعماله وعظيم في أسراره، نؤمن أنه صُلب وقُبر، ونؤمن أنه قام ليهب العالم الفرح والطمأنينة والحياة الأبدية.
على مدار السنة ننشد كل يوم أحد، وهو “فصح الأسبوع”، “فصح القيامة”، ونرنم أناشيد الظفر والرجاء والحبّ والوفاء، ونقول: “إن النسوة حاملات الطِيب أتين إلى قبركَ بالطيوب يا مخلّص، فسمعن ملاكاً يخاطبهن: “لمَاذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات؟””(لوقا 5:24). زمان البكاء قد مضى فلا تبكين، بل بشّرن الرُّسل بالقيامة: “المسيح قام من بين الأموات ووطيء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور له المجد أبد الدهور”.
المســيح قــام… حقــاً قــام