ما جئت لأدعو الأبرار بل الخاطئين إلى التوبة – الأب وليم سيدهم
هذه العبارة التي قالها يسوع ردًا على النقد اللاذع الذي وجهه الفريسيين له ولتلاميذه، هي الجواب الناجع على هؤلاء الفريسيين الذين يتباهون ببرارتهم ويعتبرون أنفسهم مالكي الملكوت ومعهم مفاتيحها. نفس العبارة يوجهها المسيح لكل واحد منا يعتبر نفسه بريء وطاهر وعفيف في الوقت الذي يتهم فيه الآخرين بكل النقائص والخطايا.
قيلت هذه العبارة بمناسبة دعوة يسوع إلى متى العشار أو اللاوي لكي يتبع يسوع، فقبل الدعوة على الفور، لا بل بدون عُقد ولا مركبات نقص، عزم يسوع على إحتفال مهيب مع أصدقاءه من العشارين مثله، الذين كان يعتبرهم الفريسيون خونة ولصوص، خونة لأنهم يتعاونون مع السلطة الرومانية لجمع الضرائب المفروضة على الشباب من سن 14 عامًا والصبايا من سن 12 عامًا، كما كانوا يجمعون الضرائب على الأطيان وعلى التجارة خاصة الصادر والوارد ويقننوا الضرائب بأنفسهم مما كان سببًا لإتهامهم بإستغلال المواطنين الخاضعين للإستعمار الروماني في ذلك الحين، لذلك كانوا يعتبروا خونة.
ولعل يسوع أراد باختياره ألا يستعبد أحدًا من حبه ورحمته، خاصًة وإن كان هذا الشخص هو متى العشار بشخصه وتاريخه، يقول الانجيل إن متى لم يسأل ولم يتردد حينما دعاه المسيح ليتبعه، بل قام من على مكتب الضرائب فورًا وترك كل شيء وتبعه.
نسال أنفسنا عن سر هذا القبول الفوري لدعوة يسوع، لقد كان متى يجمع الضرائب من الصيادين في بحيرة طبرية، ولا شك انه سمع عن يسوع أو رآه مع بطرس وإندراوس ويعقوب ابن زبديويوحنا أخوه، لذلك لم يتردد متى العشار. ولا شك أنه استحسن أن يخاطر يسوع ويدعوه حتى وإن كان عشارًا مكروهًا من اليهود وخاصة الفريسيين.
والغريب أن متى لم يقطع الصلة بزملاءه العشارين كما يحدث عندما نكرس حياتنا لخدمة الرب علامة على الحياة الجديدة بل عزم كل الزملاء ومعهم يسوع وتعشوا معًا، ولأن يسوع يدعو الناس لتصطاد الناس للخدمة والرسالة، فقد استحسن لفتة متى نحو زملاء المهنة وجلس معهم جميعًا، مما آثار غضب الفريسيين، وجُن جنونهم. فلم يكتف بدعوة العشار ليكون تلميذًا له، بل جلس مع بقية العشارين ليتقاسم معهم العشاء.
ولأن الفريسيين كانوا يرعوا أنفسهم، وليس الشعب ويستعبدوا العشارين والوثنيين والبُرص والمرضى من رعايتهم جاء المسيح ليصالح الجميع معًا ويرعاهم، نعم هؤلاء الناس العشارين يتعاملون مع الرومان فهل يحكم عليهم المسيح إذا أقبلوا إليه وسمعوا كلمته ويتركهم على انهم خطاة إلى البد لأن لذلك دعا واحدًا منهم وقد شبهه الفريسيين بما كانوا يحبون أن يناديهم الناس الأبرار والأصماء حتى يشعرهم أن العشارين وإن كانوا خاطئين أو مرضى، فهم الأولى به لأنهم لم يرفضوا محبة الله لهم مثلما يفعل الفريسيون أنفسهم.
يارب علمنا أن نكون رحماء مع الضعفاء والمظلومين وأن لا نخشى بأس المتعجرفين من كل نوع.