الحروب الروحية3- ترس الإيمان-اللواء/ سمير قلادة
الحروب الروحية3- ترس الإيمان-اللواء/ سمير قلادة
دور الإيمان
إن كان الشك من أخطر أساليب عدو الخير ضد الإنسان فإن الإيمان يعتبر بدوره من أقوى الأسلحة التي تصد هجمات عدو الخير على قلب الإنسان ومنها “الشك” ولهذا شبهه الكتاب “بالترس” الذي يصد، وله دوره في الدفاع عن الإنسان. الإيمان قوة غير منظورة تتغلغل في أعماق قوى النفس فتجعلها تحس بتيار الحقيقة فتستريح إليها. وبالإيمان يتقابل الإنسان مع ربه فيتفرغ القلب ليتمتع بالراحة والطمأنينة. هو فضيلة يخلقها الآب وعطية ينيرها الابن وموهبة يحييها الروح القدس .
والإيمان بحسب ما جاء في الكتاب المقدس، هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى (عب1:11). الإيقان يعني التأكّد الشديد والثقة، والعقيدة التي لا تعرف شكاً. والمؤمن هو إنسان قوي يؤمن بقوة الله العاملة فيه. لا يهتز في أي ضيقة تحلّ به بل يؤمن تماماً أن الله عنده حلول كثيرة. وأنه لابد أنه سيتدخل ويصنع مشيئته. إن الإنسان قد يشك إذا نظر فقط إلى المتاعب. وليس إلى الله. وهكذا نرى بطرس قد شك حينما نظر إلى الماء الذي تحت قدميه ولم ينظر إلى المسيح الذي يمسك بيديه وإذ هبط إيمان بطرس هبط هو أيضاً إلى الماء. ولكن إلى لحظة وأنقذه الرب . فإذا أدرك الإنسان أن عدوه يحاربه بالشك. فهو بالإيمان يستطيع أن يدخل المعركة ضده. هذه المعركة تكون فريدة في نوعها عن سائر المعارك بين طرفين متصارعين. في أي معركة لا يعرف أي طرف من ينتصر ومن ينهزم. لكن معركة المؤمن، يكون المؤمن هو الفائز فيها دائماً بدون استثناء لأن الذي ينصره وينتصر له هو الرب القوي القدير.
تعلّم الإيمان
إن الإيمان، ليس هو مجرد عقيدة، إنما هو حياة، أو هو حياة مؤسسة على عقيدة أو هو عقيدة اختبارية عاشها الناس، وليست مجرد أفكار في الكتب . وحتى يدرك الفرد عن يقين أن الرب معه في كل حين ليعيش حياته آمناً في ظله. يكون عليه أن يتعرّف على علاقة الرب به من خلال معاملاته معه. وحتى يتعرّف الإنسان على معاملات الرب معه، يرجع إلى الكتاب المقدس، يراجع وعوده المقدسة، ويرى تحققها في حياته. سوف يجد أن كل معاملات الرب معه كانت بالعدل حسب وصاياه. من ذلك قول المزمور 118: 18 “ضيق وشدة أدركاني، هي درسي، عادلة هي شهاداتك”. وإن شككه عدو الخير في معرفة الرب له، فسوف يجد في حياته ما يتطابق تماماً مع قول الكتاب المقدس في أن الرب يعرفه، ويتعامل معه بشتى الوسائل التي تناسبه، ومنها ما يراه حق وعدل. حتى يرى الإنسان ويتحقق أنه يعرفه.. (أوصيت كثيراً بالعدل والحق اللذين هما شهاداتك.. مزمور 118).
وإن شككه عدو الخير في وجود الله فيه فيجد أنه شعر بالإذلال عندما تكاسل شعر بالقلق عندما صرف الله وجهه عنه.. شعر بالسلام عندما رجع للرب بكل قلبه.. من الهزائم التي لحقت به.. يستطيع معرفة سببها ومن الانتصارات فاز بها يستطيع أن يعرف سبب الانتصار.. وهكذا يمكنه أن يقول.. تذكرت أحكامك يا رب منذ الدهر فتعزيت.. وهكذا عندما يتذكر الإنسان معاملات الرب معه بحسب أقوال الكتاب يكون هو شاهد بنفسه لنفسه وليس هناك ما هو أكثر صدقاً مما يراه ويدركه الإنسان بنفسه من أحداث عديدة لا تنتهي… ومن أجل تدعيم الإيمان يكون من الصواب أن يدرس الإنسان قصص الإيمان ومعاشرة رجال الإيمان.. كلما قرأ الإنسان قصصاً عن الإيمان والثقة بالله والأعاجيب التي تحدث مع قديسيه يمتلئ قلبه إيماناً ويحب هذه الحياة المملوءة إيماناً. كذلك كلما يعاشر رجال الإيمان يتعلم منهم.. لكي يتمثل ما بإيمانهم (عب 7:11) . هكذا في المعركة مع عدو الخير يتذكّر الإنسان أن الرب ناصره، يثق أنه معه، يراه، راقبه بكل حب، وبكل حرص على سلامة أولاده كالنسر الذي يعلّم فراخه الطيران. كالأب الذي يعلّم ابنه العوم، يتركه قليلاً ليتدرّب ويكتسب خبزه ويرقبه بكل حرص فإن رأى خطراً يحيط به يسرع إلى حمله وإنقاذه . وحتى لو سقط الإنسان في اليأس والحزن. وأوهمه عدو الخير أن لا فائدة فإن الإنسان عليه أن ينهض سريعاً، يواصل الجهاد داعياً الرب لنصرته… ثابتاً راسخاً في يقينه. حتى يشرق من جديد نور الإيمان. هناك وعد قاطع من الرب بالنصرة عمّن يثبت في الجهاد وانتظار الرب. كقوله “جميع الذين ينتظرونك لا يخزون” (مزمور 24).
مثال عن الإيمان
نعرض فيما يلي مثالاً لإنسان اتخذ الإيمان شعاراً له. وعمل به في أحلك الظروف، وشهد به، وهو من المشهورين في كل العالم بحكم وظيفته. إنه “رالف باتش” سكرتير مساعد هيئة الأمم المتحدة (سابقاً) وشهادته ظهرت في مختلف وسائل الإعلام. ومن البديهي أن تكون وسائل الإعلام قد راجعت كل ما قاله وثبت صدقه مائة في المائة.. يقول “رالف بانش” عندما كان يعمل في وظيفة سكرتير مساعد هيئة الأمم المتحدة أن أفضل نصيحة تلقاها كانت من والدته عندما كان صبياً إذ قالت “يختبرنا الله بالشدائد والمحن ولكنه يسلحنا بالأمل والإيمان والأحلام، ولن نفقد شيئاً إلا إذا تخلينا عنها، فإذا فعلنا فقدنا كل شيء.. يا بني لا تدع شيئاً ما يفقدك الأمل والإيمان والأحلام”. وبفضل تمسّكه بالإيمان تغلّب على مشاكل عديدة بعد أن توفيت أمه ثم والده ووجد نفسه وحيداً مهدداً بالضياع. وتذكّر نصيحة أمه في ذلك يقول… بعد دفن أبي شعرت بنفسي وحيداً تائهاً، ثم تذكرت كلمات أمي، وكأنها أعدتها لتلك اللحظة، وسرعان ما اخترقت كلماتها حجاب اليأس وحفظت لي اتزاني، وساعدتني على الاعتقاد بأن المستقبل يحمل الأمل حتى لصبي يتيم صغير.. زنجي .. أسود.. وصمّم على استكمال دراسته والحصول على درجة جامعية وقال.. التحقت أول الأمر بخدمة أحد البيوت، ثم اشتغلت حامل حروف معدنية في غرفة مطبعة بإحدى الجرائد، ثم منظم للأبسطة في متجر.. كانت كلمات أمي دائماً هي توجهني، وكانت الشعلة التي أنارت لي السبيل.. تغلّبت على كل العقبات “ثم تخرّج.. عُيّن في هيئة الأمم المتحدة.. رافق مندوب هيئة الأمم المتحدة إلى فلسطين في سنة 1948 عند وقف القتال بين العرب وإسرائيل، بعض الإسرائيليين قتلوا مندوب هيئة الأمم.. أصبح مهدداً بالقتل.. لم يفقد الإيمان.. استمر يحاول بين المتحاربين حوالي ثلاثة أشهر إلى أن تمّ توقيع الهدنة…
هكذا عمل بالإيمان بفضل وصية والدته.. وتحوّل من فتى على حافة الضياع إلى سكرتير مساعد هيئة الأمم. تغلّب على جميع العقبات الهائلة التي اعترضت طريقه حيث تمسّك بالأمل والإيمان. وتشاء الظروف أن ينقل هذه النصيحة إلى ابنه عندما أصيب وهو في السابعة من عمره بشلل الأطفال.. ويقول.. كان من المحتم أن يحافظ ابني على قواه المعنوية إذا ما تملّكه الخوف من أثر المرض الذي هدده بأن يبقى مدى الحياة معوقاً.. لقد جعله المرض يرقد على ظهره لا يستطيع تحريك ذراعيه أو ساقيه.. اتفقت مع زوجتي أن نتحدث إليه كل يوم حديث كله أمل دون أن تصدر من أي منّا أي كلمة رثاء. جعلناه يعتقد أنه سوف يعود مرة أخرى يجري ويسبح ويركب دراجته. مع مضي الوقت ارتفعت روحه المعنوية وملأه الأمل وتوقف عن القلق على نفسه ومستقبله وتمتع بالشفاء التام”.. في النهاية يقول عن أثر تذكّر إنعامات الله.. وتأثير النصيحة بضرورة الأمل والإيمان.. إن الأثر الذي تحدثه حياة إنسان في إنسان آخر لا حدود له. كلمات أمي وهبتني القوة في بلادي وفي مشارق الأرض ومغاربها أعتقد أنها تستطيع بدورها أن تساعد كل شخص يذكرها ويتبعها .