stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

“سلاح الحقّ” بين كاتبي سفر الأخبار الثاني والإنجيل الرابع

1kviews

نقلا عن موقع أبونا 

نشر الخميس، ٧ مارس / آذار ٢٠٢٤

كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .

بقلم : د. سميرة يوسف سيداروس – إيطاليا

مُقدّمة

القُراء الأفاضل، زمن أربعيني مقدس. بعد أن تسلّحنا بثلاث من الأسلحة الإلهيّة بالمقالات السابقة وهي: سلاح القوس الإلهي، ثمّ سلاح الحياة، وأخيرا بالمقال الأخير توقفنا على مقال المجانيّة. سنتدرب في هذا المقال، على التسلّح بسلاح جديد وهو سلاح الـــحقّ، وهو يسوع ذاته (را يو 14: 6). سنستعين للتعرف على هذا السلاح، بنصوص كلّا العهديّن، نص العهد الأوّل من سفر الأخبار الثاني (36: 14- 23)، والّذي يكشف لنا عن تاريخ العهد بين الله وشعبه، ويشير كاتبه أيضًا إلى وضع بني إسرائيل في زمن السبي. أما بالعهد الثاني سنستعين بنصًا إنجيليًا مأخوذًا من الحوار الّذي دار بين يسوع ونيقوديموس في بداية الإنجيل الرابع (يو3: 14-21)، والّذي يقدم لنا بطريقة مكثفة جدًا فهم السرّ الفصحي بشكل إستباقي بين معلم يهودي وهو نيقوديموس ويسوع معلمنا. نهدف في زمن الإستعداد للصوم الأربعيني، بالجهاد للتعرف على حقيقتنا وحقيقة الله كسلاح جديد يجعلنا نخطو خطوة للأمام في مسيرتنا التغيريّة الّتي تحملنا على توبة القلب والفكر والسلوك اليوميّ.

1. الدعوة للنهوض (2أخ 36: 14- 23)

النص الأوّل الّذي سنتوقف أمامه وهو مأخوذ من سفر أخبار الأيام الثاني (36: 14- 23)، وهو بمثابة آخر أسفار الكتب المقدسة العبريّة. يتتبع كتابيّ أخبار الأيام تاريخ النظام الملكي، وتتمّ قراءة هذا السفر بجزئيه، من خلال معيار أساسي وهو مصير الشعب الّذي يعتمد فقط على ولائه للعهد مع الله وإحترام الشريعة والرسائل النبويّة. هذا ما تم ذكره صراحةً في نهاية هذا النص بالعهد الأوّل والّذي يشكل ختام عمل الكاتب بشكل كامل. لقد أشار الكاتب بأنّ خطيئة شعب الله، تكمن، قبل كل شيء، في عدم الإصغاء أي التحلّي بروّح العناد تجاه الكلمة الإلهيّة.

هذا هو الأمر الّذي لمّ يفشل الرّبّ أبدًا في فعله: «وأَكثَرَ جَميعُ رؤساءَ الكَهَنَةِ والشَّعبُ مِنَ المخالَفَة، بِحَسبِ جَميعِ قَبائِحِ الأمَم، ونَجَّسوا بَيتَ الرَّبِّ الذَّي قَدَّسَه في أُورشَليم. فأَرسَلَ إِليهمِ الرَّبُّ، إِلهُ آبائِهم، رُسُلاً بِلا مَلَل، لأَنَّه أَشفَقَ على شَعبِه وعلى مَسكِنِه. فَسخِروا مِن رُسُلِ الله، وإزدَرَوا كَلامَه وهَزِئوا مِنِ أَنبِيائه، حتَّى ثارَ غَضَبُ الرَّبِّ على شَعبِه» (2أخ 36: 14- 16). من خلال رسله الّذين أرسلهم بشكل مستمر ومدروس، بل وصل الأمر إلى حد الاستهزاء برسل الله، محتقرين كلامهم، مستهزئين بالأنبياء. أصبح وضع الشعب غير قابل للإصلاح. لمواجهة هذا الوضع، يأتي عمل الله الأخير وهو السماح بتجربة النفى إلى بابل، الشعب يحيا خبرة يستعيد فيها كنز العلاقة بالله ويتعرف على حقيقته كشعب فريد. يصبح المنفى أدة للتطهير الضروريّة حتى يتمكن الشعب من العودة للاستماع إلى صوت الله ويعترف به كإله حقيقي. إن تحديد زمن سبعين سنة يخبرنا أن غضب الله: «فتَمَّ ما تَكلَّمَ بِه الربُّ بفَم إِرميا، حتَّى إستَوفَتِ الأَرضُ سُبوتها، لأَنَّها تعَطلت كل أيَّامِ خرابِها إلى إنقِضاءِ سَبعين سنةً» (2أخ 36: 21). بعد أن بلغ ذروته، لا يؤدي إلى خراب الأرض ولكن في عمل بالغ لاستعادتها. على الشعب، نحن اليّوم، أنّ نتوقف عن عنادنا ونقبل رسائله الّتي تدعونا للتغيير والتوبة.

يُختتم هذا النص برسالة تدعو إلى الإنفتاح على المستقبل بفضل العمل التحرري الّذي قام به الحاكم الوثني، كورش، بحسب المخطط الإلهي. فالكلمة الأخيرة هي للرّبّ: «جَميعُ مَمالِكِ الأَرضِ قد أَعْطانيها الرَّبُّ، إِلهُ السَّمَوات، وأَكلَ إِلَيَّ أَن أَبنيَ لَه بَيتًا في أورَشَليم الَّتي في يَهوذا. فمَن كانَ مِنكم مِن شَعبِه أَجمَع، فالرَّبُّ إِلهُه معَه، فليَصْعَدْ» (2أخ 36: 20). الشعب مدعو لاستئناف العودة إلى أورشليم، الحريّة والإعتراف بحقيقته كشعب الله ليبدأ من جديد في الحفاظ على العهد مع إلههم. نحن اليّوم مدعوين من خلال الومن الأربعيني للعودة للإله الحق بقلب يعترف به ويتوب عن عناده.

2. اللقاء الليليّ (يو 3: 1-14)

لقاء خاص بين العجوز نيقوديموس وهو المعلم اليهودي الّذي ينتمي إلى فئة الفريسييّن، قام هذ الشيخ الممتلئ بالغيرة الدينية الواضحة، بالذهاب ليلاً إلى يسوع باحثًا عن إجابات ما. يختار هذا التوقيت الليليّ بسبب أنه من عادة الربانيين إنهم كانوا يتأملوا ويدرسوا كلمة الله فقط ليلاً، وبالنسبة لهم الليل ضروري كعامل مساعد للدراسة ليتمكنوا ترك ذواتهم لتتغلل فيهم الكلمة المقدسة. كم من الأسئلة الّتي تَرد على أذهاننا ونتهرب منها خلال اليوم تاركة صدى عميق ليلاً. نيقوديموس يشابهنا حينما نسعى للبحث عن النور الحقيقي بدون محاباة ودون أسئلة خبيثة. صعوباته ان يفهم أسس الديانة اليهوديّة الحقيقة التي اراد يسوع ان يكشفهنا بالنص السابق اثناء طرده للتجار والباعة من الهيكل. يشابهنا نيقوديموس حينما نجد صعوبة لتغيير الوضع الحالي ونقبل ما يكشفه الرب من إلهاماث جديدة. أثناء البحث عن الحقيقة يكتشف هذا المعلم أن يسوع يدعوه لحياة بل لولادة جديدة. ويشدد على اهمية الولادة من الرّوح، ويعاني نيقوديموس من عدم فهمه وصعوبة كلام يسوع.

3. الرفع: الـموت والمجد (يو 3: 14-17)

الرحمة التي ظهرت في سلوك الرّبّ الإله بالعهد الأوّل، هي الصفة الّتي تكشف وجه يسوع بالأدب اليوحنّاويّ. يصف معنى رسالة يسوع وقيامته تحمل الإستباقات قبل إتمام هذا السرّ في جسده. لا يوجد ذكر صريح للموت على الصليب، لكن العديد من عناصر النص تشير بشكل غير مباشر إلى نعمة الحياة من خلال الموت الّتي قدمها يسوع. يذكر يسوع صراحة لاحقًا إنّه عندما يرتفع عن الأرض سيجذب إليه الجميع (راج يو 12: 32). إن الجذب الّذي وعد به يسوع عند قيامته هو صورة تشير إلى خلاصه لكل مَن يؤمن به. في الواقع، إن جذب الأبناء المتفرقين سيصير عمل الله في الأيام الأخيرة.

4. رمزيّة صورة الحية (يو 3: 18-21)

يستخدم الكاتب فعل يرفع في الإنجيل والّذي يتكرر ثلاث مرات، مما يشير إلى الرفع أو الصعود بهدف الوصول لذروة الخلاص. يعتمد الكاتب على ما كشفته نبؤة اشعيا 53 عن عبد يهوه الّذي سيرتفع ولكن من خلال الصمت والتواضع مُقدمًا ذاته أثناء إحتقاره. يُنوه يسوع إلى حدث تمّ بسفر العدد فمع السير على رمال الصحراء الحيّات أي التعابين يتخفون فيها ويلدغون السائرين عليها فجأة وهذه هي حالة بني اسرائيل وقد يكونوا حُفاة بسبب حرّ الصحراء أو مرتدين الصنادل المفتوحة. هذا تمّ علاجه بالحية النحاسية الّتي رفعها موسى وهي تحمل رمز صليب يسوع الّذي سيرُفع عليه مصلوبًا. وبهذه النظرة الموجهة للمصلوب علينا أنّ نرفع قلوبنا وعيوننا لنعلن إيماننا به طالبين الخلاص من لا حقيقتنا بل ريائنا. يقدم يسوع تفسيرًا إضافيًا للمقارنة مع الحية النحاسيّة الّتي رُفعت في البرِّيَّة في زمن موسى، حيث أنّ جوهر رسالة يسوع مرتبطة بحب الله الآب. إنّه الحب الّذي لا يستحوذ على المحبوب، بل هو الّذي يعطي، بل يفرغ ذاته لأجل محبوبه. مدعوين اليّوم للتعرف على أنّ محبة الله اللامتناهية للعالم هي المصدر الّذي منه تُولد رسالة يسوع وهبة حياته على الصليب، والّتي تُذكرنا بها صورة الحية المرفوعة: «إِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة» (يو 3: 20). الإشارة الّتي نكتشفها في النص المختار هي رمزيّة صورة الحية الّتي رفعها موسى في البرِّيَّة لشفاء بعض من أبناء إسرائيل الّذين لدغتهم الثعابين السّامة (راج عد 21: 4 – 9). يشير فعل يرفع بحسب يوحنّا إلى موت يسوع على الصليب وإلى تمجيده من الآب الّذي سيقيمه لاحقًا. رمزيّة الحيّة لها الكثير من المعنى الخلاصيّ، ففي مسيرة الخروج من العالم هناك سموم الشر والشرير الّتي تحيط بنا والّتي تحرمنا من التمتع بانسانيتا. فهناك السموم الّتي نحملها بداخلنا كالإكتناز، والتسلط، والشهوات الّتي بالعالم، هذا النص يدعونا لننظر بعمق إلى الانسان الحقيقي، أنا وأنت، الّذي يعطيه يسوع حياته. «أَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّورلِتُظهَرَ أَعمالُه وقَد صُنِعَت في الله» (يو 3: 20- 21)، فالحياة تأتي من تجسدها وأُعطيت لنا بألم يسوع على الصليب. ومَن يؤمن له الحياة الابدية zoih Ionios باليوناني، والّتي تظهر للمرة الأولى هنا بحسب يوحنّا. مدعوين اليّوم ونحن الّذين نرغب في ملء الحياة الأبدية أنّ لا ننظر لبشريتنا وسمومها بل ننظر الى الشخص الوحيد الـمُعطي الحياة الحقيقة، متسلحين بسلاح الحقّ، ومتسألين عن السموم الّتي تملأ حياتنا الّيوم طالبين الخلاص منها بالنظر إلى المصلوب!

الخلّاصة

إنّ الدعوة إلى النهوض، الّتي تختتم نص سفر الأخبار الثاني 36، يمكن توجيهها إلينا ككنيسة اليّوم وإلى كل مؤمن في زمن الصوم هذا، حيث ننهض من زيفنا وحياتنا الّتي لا تشير لحقيقة إلهنا. في رسالة يسوع التحريريّة لنيقوديموس (يو 3: 14- 21) والّذي يشير هذا المعلم لكلّا منا مدعوين لقبول يسوع المصلوب والقائم من خلال النظر إليه فهو لمّ يأت ليدينا بل ليخلصنا، هذا هو قلب هذا الزمن الّذي سنعبر متذكرين حقيقة الله الخلّاصية بالماضي مع شعبه وبالحاضر معنا. نعلم أنّ الإدانة لا تنبع من عمل يريده الله، بل من انغلاقنا كنساء ورجال وعدم قبولنا رسائل الله الخلاصيّة الّتي وصلت لذروتها في تقديمه إبنه الوحيد. يتمّ تمييزنا في قبول أو عدم قبول الابن الّذي هو النور الذي جاء إلى العالم. دُمتم حاملين سلاح الحقّ لمواجهة كلّ ما هو مزيف وكاذب. دُمتم في مسيرة مرافقة المصلوب مُعطي الحقّ الحبّ والحياة الأبدية.