وُلدَ لنا طفل في مذودٍ
للأب هاني باخوم
وُلدَ لنا طفل، ولد المسيح ابن الله، خلاص البشر، من تشتاق إليه كل نفس دون حتى أن تعرفه، أو تسمع عنه، ولد لنا في مذود.
كم هو غريب هذا الكلام. بالإيمان أدركنا أن الله تجسد واخذ كيان وطبيعة البشر كي يخلص كل بشر. ولكن لماذا في المذود؟ قيل لي: رمز التواضع، فالملك، ملك الملوك، لم يرغب أن يولد في القصور أو البيوت الفخمة ولكن فضل أن يولد في مكان فقير وبسيط، ولذا ولد في مذود. أعجبني هذا الرد ولكن ألهذا فقط ولد في مذود؟
المذود هو مكان طعام الحيوانات في الحظيرة. ملئه القذارة لان هناك تأتي الحيوانات وهي جائعة فتأكل بكل شغف وكثير ما يصبح أيضا مكان لقاذوراتهم ومخلفاتهم، فينظف مرارا ومرارا أثناء النهار ويظل دائما متسخا. المذود هو المكان الذي تأكل فيه الحيوانات كي تحيا، وبعد ذلك تذهب وتبتعد ولكن عندما تجوع تعود إليه، فغريزتها تقودها له كل مرة تجوع. تعود إليه كي لا تموت. وهناك يولد المسيح. لماذا؟
الخطيئة الأولى (الأصلية) حسب سفر التكوين (تك: 2 و 3) تمت بالأكل، فأكلت حواء، لأنها رغبت أن تكون مثل الله، تحيا للأبد، تعرف الخير والشر من ذاتها، فتصبح مستقلة. لم تثق في وعد وكلمة الله لها ولأدم، بل صدقت كلمات المجرب، إبليس، الذي قال ويقول لكل إنسان حتى الآن: “الله لا يحبك. لا يرغب أن تكون مثله، لا يرغب أن تكون سعيد، وإلا لماذا يمنعك من الأكل من هذه الشجرة؟ لماذا يسمح بهذا المرض؟ لماذا سمح بعدم الزواج؟ لماذا سمح بهذا الواقع المؤلم؟ لماذا هذا الاضطهاد او عدم التفهم، لماذا، لماذا….الله لا يحبك. إذا أكلت من الشجرة، أصبحت مثله، مستقل”.
تصدق حواء ويقتنع ادم، ويأكلا من الشجرة. وهنا أصبح الإنسان الذي يرغب في الاستقلالية، محاصر بالخوف من الموت، لأنه انفصل عن صانع الحياة، عن الله. فيذهب ويبحث له عن مكان كي يأكل منه عندما يجوع، كي لا يموت. نعم عندما يشعر بالجوع أي بالوحدة، بالقلق، بعدم الضمان، بالضيق، يهرب إليه، إلى مزود يأكل منه كي يشبع للحظات ومن بعده يعود فيجوع، فيرجع إليه من جديد. هو المكان الذي بناه الإنسان كي يستقل، فأصبح معتمدا عليه. هو المكان الذي شيده الإنسان كي يتحرر من الله ومن مشيئته، فأصبح عبدا له، لمذود.
هذا هو المذود. هو المكان الذي صنعه الإنسان لنفسه كي يحيا بعد أن استقل عن الله. هو هذا الواقع. واقع الإنسان بسبب الخطيئة ملئه القاذورات (جشع، بغض، حسد، كبرياء، قتل، تفكك اسري، انتقام، عدم شركة، ما نراه من حولنا، ما يؤلمنا أو ما يسبب لنا الألم….) هذا هو المذود.
في هذا الواقع، في هذا المكان القبيح، ولد المسيح. في هذا المكان الذي يمثل واقع الإنسان البعيد عن الله، ولد هناك كي يقرب الإنسان من جديد إلى الله. لم يولد في مكان نقي وطاهر وقال للإنسان تعالى. لا. ولد في عمق واقع ضعف الإنسان ونتيجة خطيئته، كي يصبح له طعاما يأكله فيحيا إلى الأبد. ولد المسيح في هذا الواقع المؤلم، في هذا الضعف الذي سببه الإنسان بخطيئته، ولد هناك كي يطعم الإنسان فيعود ويتحرر من المزود. يعود ويرجع إلى تلك الجنة التي كان يسير فيها مع الله. ولد المسيح كي تصبح لنا سنة رحمة، ولد المسيح كي يُفتح باب الكنيسة المقفول أمام من لا يستحق أن يدخلها، ولد المسيح كي يعود الابن الضال، ولد المسيح كي تتحرر الزانية من حكم الكتبة والفريسيين، ولد المسيح كي يبشر المساكين، الضعفاء، عبيد المذود؟
أحبائي هذه عثرة، تلك الكلمات مشككة لدرجة أن شعب الله لم يفهمها، لم يعرف في هذا الطفل المولود في مذود حضور الله، فيقول اشعياء 1: 3 عَرَفَ الثور مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه، لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ.
نعم كان يفهم أن الله قادر أن يرسل المسيا، المسيح، المخلص، ولكن أن يرسله في مذود. لا. هذا صعب أن يفهمه. ولكن ليست هذه هي قضيتي. قضيتي هي أنا وأنت اليوم. هل سأتفهم أن الله سيتجسد في هذا الواقع المؤلم الذي نحياه مرات كثيرة؟ واقع دولة، واقع كنسي، واقع عائلي، واقع شخصي، هناك يولد الله؟ هناك في ذلك المذود يوجد الطفل؟ هل سأصدق مثل الرعاة وأقوم واذهب إلى المذود في هذا الميلاد كي أرى المخلص؟ هل سأؤمن ان في المذود يوجد حضور الله؟
الرعاة صدقوا والمجوس اقتنعوا، فرأوا وفرحوا.
هذا ما أتمناه لي ولكم.
عيد ميلاد مبارك