هي لحظة ينتظرها ويخشاها كل أب وأم. أسئلةكثيرة، دينيّة، وجدانيّة وجنسيّة، سهلة وصعبة في آن واحد، يطرحها الولد منذ سنّ الثالثة بعفويّة وبراءة. فكيف يجيب الأهل؟ وما الطريقة الأمثل للتعامل معها؟
ماري، أم لفتاة بعمر الخمس سنوات، تحضرّت لهذه المرحلة بدقّة وتأن. “كنت أعي تماماً مدى حساسيّة هذه المسألة. استعديتُ لها من خلال القراءات والاستشارات التي قمت بها، بمبادرة فردية”. ماري نجحت بحسب زعمها في هذا الاختبار، واستخلصت منه أن أسئلة الأولاد تختلف من مرحلة عمرية الى أخرى ومن جنس الى آخر، “فأسئلة البنات تختلف كلياً عن أسئلة الصبيان”. من جهة أخرى، فإن تساؤلات الولد تعتمد على جرأته ومدى استيعابه وانفتاحه على ما يدور حوله وقدرة ملاحظته للوقائع”.
على عكس ماري، تعارض رباب فكرة إجابة الولد عن تساؤلاته الدينيّة والجنسيّة: “على الولد اكتشافها ومعرفة أجاباتها مع الوقت والخبرة، لذا، أرفض الإجابة عنها”.
أما بالنسبة إلى إيلي، والد جيو (6 سنوات)، فهو فقد زوجته في سنّ مبكرة، فكانت هذه المرحلة صعبة جداً بالنسبة إليه، وخصوصاً بما يتعلّق بأسئلة الموت والله. “لم يتردد جيو يوماً في السؤال عن مصير والدته والى أين ذهبت. لذا، لطالما تهرَّبت من الإجابة عنها وتحجّجت بضيق الوقت”.
إيلي، لا يقدّر ككثيرين من الآباء والأمهات أهمية أسئلة أولادهم، فيتضايقون ويتهرّبون من الإجابة عنها، غير مدركين بأن أسئلة الولد تكثر في السنوات الأولى من عمره ( من عامين الى خمسة اعوام) بسبب مخاوفه. وهو يطرحها، طالباً الشعور بالأمان والطمأنينة من المجهول. كذلك، قد يدفعه حب الاستطلاع والاكتشاف إلى ذلك، أو ربما محاولته استحواذ انتباه والديه. وأيضاً، قد يكون مردّ هذه الأسئلة رغبة الولد في ممارسة اللغة والتباهي بها، لإدراكه بأنه أصبح يتقن مهارة الكلام والمخاطبة والتفاهم.
أحياناً كثيرة تكون الأسئلة في محلّها، وأحياناً أخرى يكثر الولد من طرح تلك التي لا جدوى منها. وهنا، يبقى على الأهل وضع حدّ لها واختصار اجاباتهم بالمفيدة منها.
ماذا يقول علم النفس التربوي؟
المعالجة النفسيّة الدكتورة دانيال بيشون تنصح الأهل بعدم الاستهتار بأسئلة أولادهم، وتجنّب توبيخهم وإهانتهم في حال طرحوها أمامهم. كذلك تشدد على أن التصرف الصحيح يكمن في تقديم الإجابة المناسبة والصحيحة. ويجب أن تكون هذه الإجابات محددة ومبسّطة وقصيرة وذكيّة، لا تتطلب التدقيق وشرح التفاصيل، ولا تثير لدى الولد أسئلة مبهمة أخرى، وأن تكون مناسبة لعمره ووعيه.
من أين أتيت؟
قد يكون الجواب المثالي لهذا السؤال: “أتيتَ من مكانٍ دافىءٍ وآمنٍ، خلقه الله في داخلي خصيصاً لك”.
وإذا سأل حينها: “كيف خرجتُ من هذا المكان؟”، يمكن الإجابة بالآتي: “الله صنع مخرجاً طبيعيّاً كي تخرج مِنْهُ”.
ما هو الموت؟
سؤال آخر يلجأ الأولاد إلى طرحه في عمر مبكر: أين ذهب “فلان”؟ وماذا يعني “الموت”؟ هنا، تنصح بيشون بهذه الإجابة: “فلان ذهب الى الله”، وليس “الله أخذه”، فالجواب الثاني قد يولّد لدى الولد صورة خاطئة عن الله.
كذلك، تقترح طريقة بسيطة لتقريب الولد من فكرة الموت عبر تطبيقه على الأزهار مثلاً. فبهذه الطريقة قد يدرك أن لكل شيء بداية ونهاية. أما بالنسبةِ الى كيفيّة تحديد مفهومي الوقت والزمان، فتوضح أنه من الصعب عليه إدراك معنى الوقت وقيمته. لذا، يمكن أن يتم ذلك عبر مفهوم “الليل”: معيار التوقيت يكون بعددِ ساعات النوم (الـDodo) التي سيعيشها الولد.
مولود جديد
يبقى سؤال شائع قد يطرحه الولد في حال حملت والدته، وبدأت تنتظر طفلاً جديداً: هل يحبّني والدي؟ تنصح بيشون الأهل بإفهام الولد أن الطفل الجديد هو طفلهما أيضاً وأنهما أرادا ذلك. كذلك تلفت إلى ضرورة الابتعاد من إقناع الولد بحب المولود الجديد، بل عليهما ترك حرية حبّه لأخيه أو أخته: “فهو غير مجبر على تقبّل المولود الجديد وحبّه. كذلك، فإنَّه لم يختر الإتيان به، بل والداه من أرادا ذلك”. وعبر إدارة الأمور بعفوية، وتوزيع الإهتمام جيداً بين الطفلين، وعبر الاجابة البسيطة، نسهل على الولد عملية استيعاب الأمور المستجدّة شيئاً فشيئاً، ومن دون أن نزيد عليه الضغط أو نترك لديه مفاهيم خاطئة.
الجنس… والممنوعات
على الأبوين أن يعلما أنه من الأفضل ان يتعلم طفلهما من خلال أسئلته ما يتعلق بالتربية الجنسية السليمة، بدل تلقيه بعض المعلومات الخاطئة من الأصدقاء أو من مصادر أخرى كالإنترنت. أما في حال لم يستطع الوالدان معرفة تقديم الجواب الصحيح أو عدم إدراكهم الطريقة الصحيحة التي يجب اعتمادها، فيمكن لهما حينها أن يقولا له: “هذا سؤال جيد، ولكن لا نستطيع الاجابة عنه الآن. لذا، فلنبحث معاً عن الاجابة في أحد الكتب، أو نسأل الدكتور أو الاختصاصي فلان…”.
لا تنسي
تصرفات الأم الخاطئة تجاه اسئلة أطفالها:
- التهرّب من الاجابة بالصمت.
- تجاهل الأمر وتغيّير موضوع الحديث.
- الإجابة بردود غير مقنعة وغير صحيحة وبطريقة عشوائية.
- تأنيب الولد لطرحه سؤال جريء “لا يناسب عمره”.
أهمية اجابة الأم عن أسئلة طفلها:
- تزيد ثقة الولد بنفسه وبها، فبهذه الطريقة تجعله سعيداً وسويّاً. ويشعر أنه ذو قيمة لدى أبويه، وأن لديهما ما يحتاج إليه وما يفيده.
- تساعده في النمو نفسياً بشكل سويّ وعلى التكيّف الاجتماعي.
- تنمّي قدراته اللغويّة لترجمة أفكاره وتساؤلاته.
- تكسبه مهارة “الأخذ والعطاء”.
- تعلّمه فن الاصغاء والاستماع.