stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

كلمة قداسة البابا لاوُن الرَّابع عشر إلى مجمع الكرادلة

17views

١٠ مايو ٢٠٢٥

الفاتيكان نيوز

أيّها الإخوة الكرادلة،

أحيّيكم وأشكركم جميعًا على هذا اللقاء، وعلى الأيام التي سبقته، والتي كانت مؤلمة بسبب فقدان الأب الأقدس البابا فرنسيس، وكانت مليئة بالتّحديات نظرًا للمسؤوليّات التي واجهناها معًا، وفي الوقت نفسه، ووفقًا للوعد الذي قطعه لنا يسوع بنفسه، كانت غنيّة بالنّعمة والعزاء في الرّوح (راجع يوحنّا 14، 25-27).

أنتم، أيّها الكرادلة الأعزّاء، أقرب المعاونين للبابا، وهذا يبعث في نفسي عزاءً كبيرًا في قبولي لنير يتجاوز بوضوح قدراتي، كما هو الحال مع أيّ إنسان. حضوركم يذكّرني بأنّ الرّبّ يسوع، الذي أوكل إليّ هذه الرّسالة، لا يتركني وحيدًا في حمل هذه المسؤوليّة. أعلَم قبل كلّ شيء أنّني أستطيع أن أعتمد دائمًا على مساعدة الرّبّ يسوع، وبنعمته وعنايته الإلهيّة، على قربكم وقرب الإخوة والأخوات الكثيرين الذين يؤمنون بالله في جميع أنحاء العالم، ويحبّون الكنيسة، ويسندون نائب المسيح بالصّلاة والأعمال الصّالحة.
أشكر عميد مجمع الكرادلة، الكاردينال جيوفانّي باتّيستا ري – إنّه يستحقّ التّصفيق، على الأقلّ مرّة واحدة إن لم يكن أكثر -، الذي ساعدتنا حكمته كثيرًا في هذا الزّمن، وهي ثمرة حياة طويلة وسنوات كثيرة من الخدمة الأمينة للكرسيّ الرّسوليّ. وأشكر الكاردينال كيفين جوزيف فارّيلّ، المدبّر للكنيسة الرّومانيّة المقدّسة – أعتقد أنّه حاضر هنا -، على دوره الثّمين والصّعب الذي قدّمه خلال فترة الكرسي الشّاغر وعقد مجمع انتخاب البابا (الكونكلاف). وأفكّر في الإخوة الكرادلة الذين لم يتمكّنوا من الحضور لأسباب صحّيّة، ومعكم أتّحد معهم بالمودة والصّلاة.

في هذه اللحظة، الحزينة والمليئة بالفرح في آنٍ واحد، والتي تغمرها عناية الله بنور الفصح، أودّ أن ننظر معًا إلى رحيل الأب الأقدس البابا فرنسيس وإلى مجمع انتخاب البابا (الكونكلاف) كحدث فصحيّ، ومرحلة من مراحل الخروج الطّويل الذي يواصل فيه الرّبّ يسوع قيادتنا نحو ملء الحياة. وفي هذا المنظور لنوكل روح البابا الرّاحل ومستقبل الكنيسة أيضًا إلى “أَبي الرَّأفَةِ وإِلهِ كُلِّ عَزاء” (2 قورنتس 1، 3).

البابا، من بطرس الرّسول ووصولًا إليَّ، أنا خليفته غير المستحق، هو خادم متواضع لله وللإخوة، لا أكثر من ذلك. وقد أظهَرَت ذلك جيِّدًا أمثلة كثير من أسلافي، وآخرهم البابا فرنسيس نفسه، بأسلوبه القائم على التّفاني الكامل في الخدمة والبساطة الجوهريّة في الحياة، والتوكل على الله في زمن الرّسالة، والثّقة الهادئة المطمئنّة في لحظة عودته إلى بيت الآب. لنستقبل هذا الإرث الثّمين ولنستأنف المسيرة، يدفعنا الرّجاء نفسه الذي ينبع من الإيمان.

إنّه الرّبّ القائم من بين الأموات، الحاضر في وسطنا، هو الذي يحمي الكنيسة ويقودها ويواصل إحياءها بالرّجاء، بالمحبّة التي “أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا” (روما 5، 5). ونحن مدعوّون إلى أن نصغي بوداعة إلى صوته، وأن نكون خدامًا أمناء لمخططاته الخلاصيّة، ونتذكّر أنّ الله يحبّ أن يتحدّث معنا لا في الرّعد والزلزال، بل في “صَوت نَسيم لَطيف” (1 ملوك 19، 12)، أو كما يترجمها البعض، في ”صوت صامت خفيف“. هذا هو اللقاء الهام، الذي لا يجوز أن نفوّته، والذي علينا أن نثقّف ونرافق فيه شعب الله المقدّس الذي نحن مؤتمنّون عليه.

في الأيّام الماضيّة، استطعنا أن نرى جمال جماعات المؤمنين الكثيرة هذه، وأن نشعر بقوّتها، التي ودّعت راعيها وبَكَتْهُ بمحبّة وإخلاص كبيرَين، ورافقتْهُ بالإيمان والصّلاة في لحظة لقائه النّهائيّ مع الرّبّ يسوع. رأينا ما هو سموّ الكنيسة الحقيقيّ، التي تعيش في تنوّع أعضائها المتّحدين بالرّأس الواحد، المسيح، “راعي نُفوسِكم وحارِسِها” (1بطرس 2، 25). إنّها الرّحم الذي وُلِدنا منه نحن أيضًا، وفي الوقت نفسه هي القطيع (راجع يوحنّا 21، 15-17)، والحقل (راجع مرقس 4، 1-20) الذي أُعطيّ لنا لنهتمّ به ونزرعه، ونغذّيه بأسرار الخلاص ونخصّبه ببذرة الكلمة، لكي تسير، راسخة في الوفاق ومندفعة في الرّسالة، كما سار بنو إسرائيل في الماضي في البرّيّة، في ظلّ الغمام وفي نور نار الله (راجع خروج 13، 21).

وفي هذا السّياق، أودّ أن نجدّد اليوم معًا التزامنا الكامل، في هذه المسيرة، بالطّريق الذي تسير فيه الكنيسة الجامعة منذ عقود، على خُطى المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. ذكّر البابا فرنسيس بمضامين هذه المسيرة وفَعّلَهَا بطريقة بليغة في الإرشاد الرّسولي ”فرح الإنجيل“، الذي أريد أن أبيِّن منه بعض النّقاط الأساسيّة: العودة إلى أولويّة المسيح في إعلان البشارة (راجع 11)، والتّوبة في الرّسالة لكلّ الجماعة المسيحيّة (راجع 9)، والنّمو في الجماعة والسّينوديّة (راجع 33)، والانتباه إلى حسّ الإيمان (راجع 119-120)، وخاصّة في أشكاله الخاصّة والشّاملة، مثل التّقوى الشّعبيّة (راجع 123)، والعناية المُحِبَّة بالأخيرين والمهمّشين (راجع 53)، والحوار الشّجاع والمليء بالثّقة مع العالم المعاصر في مختلف جوانبه وواقعه (راجع 84، المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، دستور رعائي في الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، 1-2).

إنّها مبادئ الإنجيل التي طالما حرّكت وألهمت حياة وعمل عائلة الله، وهي قِيَمٌ من خلالها انكشف وجه الآب الرّحيم، ولا يزال ينكشف في الابن المتجسّد، الرّجاء الأخير لكلّ من يسعى بصدق إلى الحقّ والعدل والسّلام والأخوّة (راجع بنديكتس السّادس عشر، الرّسالة البابويّة العامّة، بالرّجاء مخلَّصون، 2؛ فرنسيس، مرسوم الدّعوة إلى اليوبيل العادي، الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ، 3).

وعندما شعرت بأنّي مدعوٌّ إلى أن استمرّ على هذا المسار، فكّرت في أن أتّخذ اسم لاوُن الرّابع عشر. كانت الأسباب مختلفة، ولكن السّبب الرّئيسيّ كان لأنّ البابا لاوُن الثّالث عشر، بالرّسالة البابويّة العامّة التّاريخيّة ”في الشّؤون الجديدة – Rerum novarum“، تناول المسألة الاجتماعيّة في سياق أوّل ثورة صناعيّة كبرى، واليوم، تُقَدِّم الكنيسة للجميع تراثها من التّعليم الاجتماعيّ لتُجيب على ثورة صناعيّة جديدة وعلى تطوّرات الذّكاء الاصطناعيّ، التي تفرض تحدّيات جديدة للدّفاع عن كرامة الإنسان، والعدل، والعمل.

أيّها الإخوة الأعزّاء، أودّ أن أختم الجزء الأوّل من لقائنا هذا وأجعل الأمنيّة التي عبّر عنها القدّيس بولس السّادس سنة 1963 في بداية خدمته البطرسيّة، أمنيتي الخاصّة، وأقترحها عليكم أيضًا: “لتَجُب العالم بأسره شعلة كبيرة من الإيمان والمحبّة، وتضرم كلّ الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة، وتنير طرق التّعاون المتبادل، وتشدّ إلى الإنسانيّة، وتفيض دائمًا وأبدًا وفرة الرّضا الإلهيّ، وقوّة الله نفسها، الذي بدون مساعدته، لا شيء يُجدي، ولا شيء مقدّس” (رسالة إلى كلّ العائلة البشريّة، Qui fausto die – هذا هو اليوم السّعيد، 22 حزيران/يونيو 1963).

فلتكن هذه أيضًا مشاعرنا، ونترجمها إلى صلاة والتزام، بمعونة الله. شكرًا