البابا فرنسيس يبدأ الرياضة الروحيّة لزمن الصوم
بدأت عصر أمس الأحد الرياضة الروحية لزمن الصوم للأب الأقدس وأعضاء الـ “كوريا” الرومانية في بيت المعلّم الإلهي في أريتشا والتي يقدِّم تأملاتها هذا العام الأب إرميس رونكي من رهبنة خدام مريم. وتُختتم هذه الرياضة الروحيّة يوم الجمعة المقبل الموافق الحادي عشر من آذار مارس الجاري.
تحمل الرياضة الروحيّة عنوان “أسئلة الإنجيل الجوهريّة والواضحة”، وقد تمحور السؤال الأول في التأمل الأول عصر أمس الأحد حول آية من إنجيل القديس يوحنا “فَالتَفَتَ يسوعُ فرآهُما يَتبَعانِه فقالَ لَهما: “ماذا تُريدان؟” قال الأب إرميس رونكي تدعونا هذه الأيام معًا لنتوقّف للإصغاء إلى إله يسأل ولنسمح له بأن يسألنا، وبدلاً من أن نُسرع للبحث عن الجواب لنتوقّف لنعيش جيّدًا هذه الأسئلة، أسئلة الإنجيل الجوهريّة والواضحة، ونحبّها لأنها تشكل نوعًا من الإلهام وهي الاسم الآخر للإرتداد.
تابع الأب إرميس رونكي يقول يربّي يسوع على الإيمان من خلال الأسئلة ومن خلال الكلمات القاطعة والحاسمة. يقدّم لنا الإنجيليّون الأربعة أكثر من مائتين وعشرين سؤالاً للرب، والسؤال هو تواصل غير عنيف، لأنّه لا يُسكِت الآخر بل يجعله يسترسل في الحوار، فيطال كيانه ولكنّه يتركه حرًّا في الوقت عينه؛ ويسوع نفسه هو سؤال لأن حياته وموته يُسائلاننا حول المعنى الجوهري للأمور وحول ما يجعل الحياة سعيدة. وفي النهاية يبقى الجواب أيضًا يسوع.
أضاف الأب إرميس رونكي يقول إن يسوع يسألني ما هي رغبتي الأعمق والأقوى: فهو لا يطلب مني تضحيات أو تنازلات، كما لا يطلب مني أيضًا أن أبذل ذاتي في سبيل الواجب أو الجهود وإنما يطلب مني أولاً وقبل كل شيء أن أدخل إلى قلبي لأفهم وأعرف ما هي رغبتي الأعمق وما هو الأمر الذي يجعلني سعيدًا. فالبحث عن السعادة هو بحث عن الله وشغف لله يولد من اكتشافنا لجمال المسيح، فالله لا يجذبني لأنّه كلي القدرة ولا يغويني لأنه أزليّ وكامل وإنما يجذبني ويغويني بوجه وقصّة المسيح ذاك الإنسان الذي عاش حياة صالحة وطوباويّة، وكان حرًّا وأحب كما لم يحب أحدٌ من قبل. إنه البشرى السارة التي تعلن لنا: يمكننا جميعًا أن نعيش بشكل أفضل والأسلوب نجده في الإنجيل.
تابع الأب إرميس رونكي يقول إن الإيمان هو بحث عن إله حساس على القلب ويجعل القلب سعيدًا، إله اسمه فرح وحريّة وكمال. إن الله جميل جدًا ورسالتنا هي أن نعلن إلهًا جميلاً ومشوِّقًا. ولكن ربما وللأسف قد أفقرنا وجه الله من معناه وجعلناه بائسًا وحوّلناه إلى إله يُعبد ويكرّم ولكنه لا يشارك في حياة أبنائه ولا يضحك ويلعب معهم. وختم الأب إرميس رونكي تأملّه الأول عصر أمس الأحد بالقول كل إنسان يبحث عن إله يشاركه حياته. إن الله يضجر في كنائسنا، لنُعِد إليه إذًا وجهه البهي والمشرق فيجذبنا مجددًّا ونتذوّق حضوره في حياتنا. فيصبح جوابي على السؤال: “ماذا تُريد ولماذا تسير؟” أبحث عن إله جذاب وأسير من أجل إله يسعد قلبي!
أما في تأمّله الثاني صباح الاثنين السابع من آذار مارس الجاري توقّف الأب إرميس رونكي عند مقطع من إنجيل القديس مرقس والذي يخبرنا عن العاصفة التي ضربت السفينة فيما كان يسوع نائمًا، فخاف التلاميذ وأيقظوه؛ فاَستَيقَظَ وزَجَرَ الرِّيحَ والبَحر وقال لهم: “ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟”.
تابع الأب إرميس رونكي يقول إيمان وخوف؛ خصمان يتنافسان على قلب الإنسان، لكن كلمة الله تعزّينا وتذكِّرنا باستمرار: لا تجزع ولا تخف! فالخوف ليس أبدًا غياب الشجاعة وإنما هو غياب الثقة، إنه خوف من الله لأننا نملك صورة خاطئة عنه، تمامًا كآدم وحواء اللذان كانا يعتقدان أن الله يسلب الحرية بدلاً من أن يقدّم إمكانيات وفرص، وأنّه يهتم فقط بالشريعة وليس بسعادة أبنائه، أنه إله يدين ينبغي الهروب منه بدلاً من الذهاب إلى لقائه؛ بمعنى آخر إله لا يمكن أن نثق به. وبالتالي فالخطيئة الأولى في التاريخ هي خطيئة ضد الإيمان. فالخوف يولد من الصورة الخاطئة التي نكونها عن الله.
أضاف الأب إرميس رونكي يقول نحن أمام الخوف من العاصفة، إنه الخوف الذي يولد من الشعور بأن الله قد تركنا، فالله يبدو نائمًا ونحن نريده أن يتدخل فورًا، وهذا ما يفعله: هو يتدخّل وهو بقربنا، لكن الله لا يتصرف مكاننا، لا ينتشلنا من العاصفة بل يعضدنا داخل العاصفة، وفي هذا السياق تساعدنا جملة من اللاهوتي بونهوفر: الله لا ينقذنا من الألم وإنما ينقذنا داخل الألم، لا يحمينا من العذاب وإنما يحمينا في العذاب، ولا يخلّصنا من الصليب وإنما يخلّصنا بالصليب. فالله لا يمنحنا حلولاً لمشاكلنا بل يعطينا ذاته. قد نفكّر أحيانًا أنه يمكن للإنجيل أن يحل مشاكل العالم أو أن يخفف العنف والأزمات في التاريخ ولكن الأمر ليس كذلك لأن الإنجيل يحمل معه الرفض والاضطهاد والصلبان.
وختم الأب إرميس رونكي تأملّه الثاني صباح الاثنين بالقول يعلمنا يسوع أن هناك طريقة واحدة للتغلب على الخوف وهي الإيمان! ورسالة الكنيسة حتى في داخلها هي أن تحرر أبناءها من الخوف، لأن من واجب الذي ينقل الإيمان أن يربي أيضًا على عدم الخوف والتحرر منه. لزمن طويل نقلت الكنيسة إيمانًا مجبولاً بالخوف يتمحور حول نموذج الخطيئة والقصاص. فالخوف قد ولد في آدم لأنه لم يتمكن حتى من تصوّر الرحمة وثمرتها التي هي الفرح… الخوف يولّد مسيحيين بؤساء وإلهًا بدون فرح؛ أما التحرر من الخوف فهو يعني رفع حجاب الخوف الموضوع على قلب العديد من الأشخاص: كالخوف من الآخر والغريب فينتقلون من العداوة إلى الاستقبال، وتحرير المؤمنين من الخوف من الله كما فعل ملائكته عبر تاريخ الخلاص الطويل بمعنى آخر أن نكون ملائكة يحررون الآخرين من الخوف!
الفاتيكان