احد الشعانين… مباركٌ الآتي باسم الرب
دخول يسوع الى اورشليم ( متى ٢١ : ١ – ١١ )
إفرحوا بالرب دائماَ … إن الرب قريب ( فيليبي ٤ : ٤ و ٥ )
” هوشعنا لأبن داؤد ! تبارك الآتي باسم الرب ! هوشعنا في العُلى ” ( متى ٢١ : ٩ ) ،
هذا هو نداء الهتاف والابتهاج والفرح الذي أطلقه الأطفال والمساكين والضعفاء الذين شاهدوا يسوع وديعاً متواضعاً راكباً على أتان ، وجحش ابن دابة يدخل أورشليم … متذكرين كلام الكتاب المقدس : ” وإنما حدث هذا ليتم ما قيل على لسان النبي : “قولوا لبنت صهيون ، هوذا ملكك آتٍ إليك وديعاً راكباً على اتان ، وجحش ابن دابة ” . ( متى ٢١ : ٥ – ٦ ) . هؤلاء الناس الذين رحبوا بيسوع واستقبلوه لا يريدون أن يكونوا متفرجين على يسوع، بل أرادوا أن ينضموا إليه ويسيرون معه مؤيدين مبدأ رسالته وتعاليمه ووصاياه …
موكب يسوع اليوم في أحد الشعانين هو موكب بداية طريق الخلاص والفداء والتضحية والرجاء … اليوم الله يدخل إلى قلب الإنسان ببساطة ، يأتينا برحمة ورأفة وطيبة … ياتينا بدعوة لحمل الصليب ، يحمل بين ثناياه الخلاص ، دعوته ليست صرخة خلاص كاذب مزيف ، كما نرى اليوم في أيامنا ، حيث الكثير من العظماء والعلماء والفلاسفة يعدوننا بالخلاص والتفاؤل ، ولكن أي خلاص وأي أمل ؟ فالذين يدعوننا للخلاص والتجدد هم أنفسهم محتاجين إلى الخلاص والتغير الجزري … ولكن ، الحاجة دائما إلى واحد ، إلى يسوع . فيسوع هو فقط يدعونا إلى خلاص ورجاء حقيقي ، لا بل هو نفسه الخلاص والحق .
يسوع هو ملك ، ومملكته ليست من هذا العالم . يسوع هو ملك السلام ، ولهذا أنشدت الملائكة يوم ميلاده :
” المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرة ” . الملك الإلهي يدخل إلى اورشليم، المدينة التي لم تعرف السلام إلى اليوم . ويدخل إلى قلوبنا التي لا ترتاح إلا بالعودة إليه لتجد سلامها و سعادتها وفرحها ، كما يقول القديس أوغسطينوس .
موكب يسوع لا يخيف أبدا، لانه موكب متواضع ومسالم . وهذا الموكب مؤلف من ملك بسيط جالساً على حمار ويحمل السلام والخلاص والطمأنينة لشعوب العالم ، وأناس يحملون أغصان الزيتون وسعف النخيل رمزا للسلام والفرح . لهذا لا نجد جنود ولا حراس ولا أسلحة تقيلة و لامدافع ولا دبابات ولا قنابل مسيلة للدموع ، بل محبة ودعوة للتضحية وبذل الذات من أجل الأخرين … هذه هي علامات ملك متواضع ومسالم …
يسوع لم يترك أن يسير في موكبه الملوك والامراء وأصحاب السلطة والأغنياء ، ولا أي رمز من رموز النفوذ و القوة والعنف ، هو يريد ويدعو البسطاء والمساكين والفقراء والعميان والخرس والكسحان والمجروحون والعشارون والبرص والمشردون والمهجرون ، يريد كل الخطأة ، كل إنسان شفاه وحرره من قيود الشر وغفر له خطاياه ليسير معه في الموكب …
يسوع يريد رسلاً مبشرين بالسلام والمحبة ، وعملة صالحين يزرعون السلام و الحب والإيمان في بيوتهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم .
كثيرون كانوا على الطريق إلى اروشليم ، وكثيرون رفعوا الاغصان وهتفوا للملك السماوي : ” مبارك الآتي باسم الرب “… ولكن هؤلاء كلهم تراجعوا ليتركوا يسوع في ساعة الألم وحيداً ومزدرى .
واخرون رفعوا اصواتهم عاليا قائلين : ” ليصلب “، وغيرهم نكروه وخانوه ، ولم يبق معه الا العدد القليل الضعيف الذي لا يقوى إلاّ على البكاء وبصمت …. جميعنا يخاف من أصحاب السلطة ، لأنهم يتسلطون بقوة وعنف على البشر، وكثيرا ما يعذبونهم ويضطهدونهم ويقتلونهم ظلماً … ولا يهتمون ولا يبالون اذا نام الكثيرين من ابنائهم جائعين او عطشانين وليس لديهم لقمة للعيش … لكن ملكنا وفادينا يسوع يختلف عنهم كلياً ، ولذلك قال : ” من اراد أن يكون كبيراً فليكن خادماً ” هو محب ، لا يزعجنا بطلباته ، بل يأتينا متواضعاً ويحمل اثامنا ومعاصينا ، ألآمنا ومخاوفنا ، يفهمنا ويغفر لنا خطايانا، يهتم بنا لتكون الحياة عندنا أفضل …
إذا أردنا أن نسير مع يسوع ” الطريق والحق والحياة ” ( يوحنا ١٤ : ٦ ) ، في موكب أحد الشعانين، يجب أن نجعله يدخل قلوبنا وضمائرنا ليشفي خطايانا ، كبريائنا وعنادنا وانانيتنا ، وعدم صدقنا وامانتنا و ليضمد جروح عاهاتنا وتشوهاتنا…
لكل واحد منا أورشليم خاصة به ، هي : قلبه…
و يسوع، لا يزال إلى اليوم راكباً الحمار ينتظر الدخول إلى أورشليم قلب كل واحد منا .
في أحد الشعانين وخلال هذا الاسبوع المقدس ، إلى جانب من سنقف ؟
إلى جانب الأطفال والاتقياء والأبرياء المنشدين والمبتهجين والمرنمين : “مبارك الآتي باسم الرب ” ، أم إلى جانب الكتبة والكهنة و الفريسيين الغاضبين ونصرخ معهم قائلين : ” اصلبه ، اصلبه ، دمه علينا وعلى أولادنا ” ؟ … ولنتذكّرك كلمات الإنجيل المقدس : ” إن لم نرتل نحن، فسترتل الأحجار وتعلن ملكوت الله .
في هذا العيد الأغر ، عيد الشعانين فلنلجأ إلى براءة الأطفال الذين لهم مكانهم المميز في قلب يسوع ، ولنستفيد منها و نتوجه بها إلى الله بقلوبٍ نقيّة طاهرة .
أحد الشعانين يجعلنا نفكر بيسوع ذلك القوي ، الكلي القدرة ، الذي تواضع ، وكان هدفه الوحيد الخلاص .
ونود استقباله في قلوبنا واثقين أنه سيكون معنا لأنه أمين لتصميمه وتدبيره الخلاصي .
+ المطران كريكور أوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية واورشليم والقدس للأرمن الكاثوليك