القديس أغاثون المصري الناسك Sant’ Agatone d’Egitto Eremita

٢١ أكتوبر ٢٠٢٥
إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني
عاش القديس أغاثون المصري في القرن الرابع الميلادي كأحد آباء البرية العظام، مكرّسًا حياته للزهد والوحدة مع الله. اتّسم بتجرده الكامل عن العالم، فلم يكن يستقر في مكان ولا يملك شيئًا، مكتفيًا بعمل يديه في البساطة والتواضع. تتلمذ منذ صغره على يد القديس بيمين الذي شهد له بالحكمة والنعمة، فصار مثالًا للرهبان في نقاوة القلب والطاعة والاتضاع.
كانت المحبة محور حياته وسرّ قداسته؛ فقد عاش وصية المحبة حتى لأقصى حدودها، فلم يعرف الحقد ولا الغضب، وكان يرى في كل إنسان صورة الله. وقد اشتهر بمواقفه المملوءة رأفة، منها حمله لمقعد ظنه متسولًا حتى نهاية الطريق، ليكتشف أنه ملاك أرسله الله ليمتحن قلبه. كانت محبته صادقة وعملية، مترجمة في الخدمة والعطاء والتضحية.
اهتم القديس أغاثون قبل كل شيء بـ الحياة الداخلية، معتبرًا أن الجهاد الخارجي لا قيمة له دون نقاوة القلب وسهر الروح. شبَّه الإنسان بالشجرة التي أوراقها النسك الجسدي وثمرها هو السهر الداخلي، موضحًا أن الثمر هو الأهم لأنه يعبر عن عمق العلاقة بالله. كان يؤكد أن الصلاة الصادقة والهدوء الداخلي هما طريق التقديس الحقيقي.
تميّز أيضًا بروح التجرّد الكامل والحكمة العميقة، فرفض كل مقتنيات العالم حتى لا يتعلّق قلبه بشيء سوى الله، وكان يرى أن الغنى الحقيقي هو القناعة والعمل بيديه. وقد عُرف برجاحة عقله ونصائحه التي تحمل تمييزًا روحيًا نادرًا، فكان يُرشد تلاميذه إلى الصمت، وضبط اللسان، والاتضاع، محذرًا من المجد الباطل ومن كثرة الكلام التي تُفسد النفس.
وفي نهاية حياته، ظلّ القديس أغاثون ثابتًا في رجائه وسلامه حتى لحظات انتقاله، منشغلًا بخلاص نفسه إلى النفس الأخير. ترك لأبنائه الروحيين إرثًا من التعاليم العميقة عن التواضع، والتجرد، ومحبة الله والقريب، قائلًا: “اصنعوا محبة ولا تتكلموا الآن لأني مشغول.” لقد كان مثالًا حيًا للقديس الذي عاش بروح الإنجيل حتى النهاية، فصار صمته وتعليمه نورًا للأجيال.