الصلاة وتحوّل الحياة – حدّثني عن الصلاة – 9
هناك كلمات قديمة وحديثة كثيرة تُستعمل لوصف الصلاة. فالآباء اليونان كانوا يتحدثون عن الـ ” katastasis ” بينما يتحدث المعاصرون، مثل توماس مرتون عن ” centering “. أما الرسالة الكامنة فتبقى هي هي: لكي نصلي حقًا يجب أن نعيش في الحق (راجع يو 3، 21؛ 1 يو 1، 6)، أن نتخلى عن الرياء، أن نُصلح حياتنا. هناك، بكلمات أخرى، ترابط وثيق بين العيش في حضرة الله القدوس وبين عيش حياة قداسة.
هناك ترابط وثيق بين الحياة الروحية والحياة الأخلاقية. هذا الترابط هو العلاقة الوثيقة بين الحب والأمانة. فالحب يرفعنا ويُقربنا من الله.
هذا ولا يُمكن أن نقول أن الصلاة الحقة تُبعدنا عن الحياة والواجبات اليومية. فالصلاة الحقة تجعلنا متواصلين أكثر مع واجباتنا اليومية ومع علاقاتنا ومهماتنا. من يُصلي حقًا يُظهر ذلك في حياة متجددة وفي سعي دؤوب إلى الكمال الإنجيلي.
الصلاة تُبدّل وتجدد حياتنا، ليس فقط الحياة الداخلية، بل أيضًا الحياة الخارجية. فقيمة علاقتنا بالله ونوعيتها تتجلى في التحول النوعي في حياتنا مع البشر.
حياة الصلاة تدفعنا لكي ننظر إلى الوقائع من وجهة نظر مميزة، من العلو. ويسرني في هذا الإطار أن أنقل صورة مؤثرة من حياة متصوفة تميزت حياتها بأنها عاشت 50 سنة فقط على المناولة الافخارستية. نحن في شاتونوف، في فرنسا، وهذه تفاصيل حوار جرى بين المتصوفة مارت روبان (Marthe Robin) والأب جورج فينه، الذي جاء من باب الفضول لكي يتعرف على المتصوفة فتم اللقاء الذي بدّل حياته. إليكم الحوار كما نقله الأب فينه بعد سنوات عديدة إلى الفيلسوف جان غيتون.
مارت: أبت، قال لي الرب أن أقول لك شيئًا: يجب أن تأتي إلى شاتونوف لكي تُطلق “بيت المحبة” الأول.
الأب فينه، وقد انتابه عجب كبير: ولكني لست من هذه الأبرشية!
– وما يهمّ إذا كان الرب يريد ذلك؟
– طبعًا، أعتذر. لم أفكر بذلك. وماذا يجب أن أفعل؟
– الكثير من الأمور. بشكل خاص الرياضات الروحية.
– ولكني لا أعرف كيف أقوم بذلك.
– ستتعلم.
– رياضات من 3 أيام.
– كلا. بما أننا لا نستطيع أن النفس لا تتبدل في 3 أيام. الرب يطلب 5.
– وماذا أفعل في هذه الأيام الخمسة؟ نقاشات؟ مشاركات؟
– كلا… صمت كامل!
– صمت كامل؟! لا يمكنني أن أطلب صمتًا من هذا النوع من الفتيان والنساء.
– الرب يطلبه لا أنت!
– وكيف سنُعلن عن هذه الرياضات؟
– لا يجب أن تفعل شيئًا. الرب سيقود المريّضين!
ما يؤثر في هذا الحوار هو البعدان اللذات يبدوان متفارقان: البعد الإلهي والبعد البشري. البعد البشري ينطلق من منطق البشر، البعد الإلهي يرتكز على إرادة الرب الذي ما من مستحيل لديه (راجع لو 1، 37).
وهذا هو دور الصلاة. أن تفتح عيوننا على مستحيل الله الذي يضحي ممكنًا! سننظر في القسم التالي من المقالة إلى بعض “الإصلاحات” الوجودية الملموسة التي تساعدنا لكي نُعد قلوبنا، مثلما أعد يوحنا المعمدان الشعب، للقاء الرب الآتي.
وكالة زينيت