علم المشورة المسيحية
الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً. يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف”. (أي 1:14،2) العالم والمعاناة المعاناة دخلت إلى العالم كنتيجة للسقوط والخطية. المعاناة تجعل الناس يبحثون عن معنى الألم – الحلول – الهدف من الحياة – قيمة الحياة – كل هذا في الواقع هو بحثٌ عن الله.
بسبب الألم والمعاناة نصير عمياناً ولا نبصر حب الله. الحل الوحيد للبشرية المتألمة: هو الرب يسوع المسيح الذي وعد بأن يرعى النفوس المضطربة ويهتم بها. أساس علم المشورة المسيحية · إن علم المشورة، ليس علماً جديداً لأن جذوره هي الكتاب المقدس. وتاريخه هو 2000 عام من الرعاية الكهنوتية المُحبة – (المقصود بالكهنوتية من خلال خدام الله).
· هذا العلم هو هدية الله للكنيسة بل وللعالم أجمع؛ لأن به تتحقق الرعاية الإلهية التي وعد بها السيد المسيح العالم ·
هذا العلم يعلن المسيح للقلوب الحائرة، وبالرعاية الكنسية يرفع هذه القلوب لتعيش بالكمال في صورة المسيح. وما الذي يدفع الناس لطلب المشورة؟ يقول سفر الأمثال “الرجاء المُماطَل يُمرض القلب” (أم 12:13). هذا القلب المريض يبدأ في البحث عن الرجاء الحي؛ إما بسبب المعاناة أو بسبب عدم الرضا.
1. المعاناة بالرغم من أنه لا يوجد أحد يحب الألم، إلاّ أن الألم هو الطريق الملوكي لاختبار أعماق الله.
– في الحياة لابد أن نتألّم، ولكن الفرق هو كيف نتعامل مع الألم.
– حقيقة الألم لا يجب أن تدفعنا إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الله هو مصدر الألم.
– طالما الألم هو ضرورة يجتازها كل إنسان، فمن الأفضل أن نعرف كيف نتعامل معه ونستفيد منه.
– الخادم الذي اختبر الألم وجعل الله يستخدمه لنموه الروحي ونضجه، هو الذي يستطيع أن يعين المتألمين “لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المُجربين”. (عب 18:2).
– المشورة المسيحية تبدأ من “الله … أبو الرأفة وإله كل تعزية … التي نتعزى نحن بها من الله. لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضاً”. (2 كو 3:1-5).
2. عدم الرضا يوجد كثيرون غير سعداء في حياتهم، ولذا فهم يبحثون عن معنى لحياتهم ويأتون لطلب المشورة.
– الشعور بالرضا هو شعور مقدس لا يتحقق إلاّ بالاتحاد بالله “لقد خلقتنا يا الله لك وستظل نفوسنا قلقة وحائرة إلى أن ترتاح فيك” (القديس أغسطينوس).
– كثيرون يحاولون أن يملئوا هذا الفراغ بطرق شتى. وفي الواقع أنه هو قرارنا، إما أن نفارق هذا العلم ونحن لازلنا في فراغ، وإما أن نتحد بالله الخالق فنجد معنى لحياتنا.
– في محاولة ملء هذا الفراغ يوجد طريقان: طريق واسع مملوء بالناس يبحث عن الملذات العالمية بعيداً عن الله وطريق ضيق يرتاده قليلون، مملوء بالتضحية والبذل والتوبة ..
الطريق الأول غير مشبع وفيه شرَّين “ابهتي أيتها السموات من هذا واقشعري وتحيري جداً يقول الرب. لأن شعبي عمل شرَّين. تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم أباراً أباراً مشققة لا تضبط ماء”. (إرميا 12:2،13).
أما الطريق الثاني فهو مشبع ومروي للنفس “ولكن من يشرب من الماء الذي أُعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حيوة أبدية” (يو 14:4).
– في هذا الطريق الضيق يتلامس الإنسان مع السيد المسيح ويمتلئ بتعزيات الروح القدس فيصير ابناً لله الآب. المشورة العالمية كثيرون من الناس يلجأ لطلب المشورة من متخصصين علمانيين غير مسيحيين. وهنا تكمن الخطورة: حيث أن:
– المشورة العالمية تقدّم نصائح بعيدة عن وصايا الكتاب المقدس (مثل الطلاق مثلاً)، أو تحقّر من الوصايا الكتابية وتشكّك في مقدرتها على إسعاد النفس البشرية.
– هناك خطر آخر في المشورة العالمية، وهو الحق النسبي والقيم النسبية. هذه النظرية تقول إنه لا يوجد حق مطلق أو قيمة مطلقة بل كل قيم هي نسبية إلى المجتمع تكونت عن طريق عاداته وتقاليده. لذا ما يعتبر خطأ في مجتمع ربما يكون مقبول في مجتمع آخر (مثل الجنسية المثلية).
– ونريد أن نؤكد هنا أنه بدون وجود قيم مطلقة، نصير بلا هدف. ولذا ما يميز المشورة المسيحية هي ارتباطها بالقيم الكتابية كالهدف الأعلى. المشورة في الكنيسة· علم المشورة لا يصير مسيحياً إذا انفصل عن الكنيسة؛ التي هي جماعة المؤمنين المجتمعة معاً لأجل العبادة والبناء والتغيير والخدمة.
رعاية النفوس لابد أن تتمّ من خلال الكنيسة؛ حيث أنها هي مكان الشفاء والنمو والعلاقات الغنية. علم المسيحية يهتم بربط النفس بجماعة المؤمنين؛ حيث تُشفى النفس وتنمو أكثر من اهتماماته بطرق ونظريات – المشورة.
– علم المشورة المسيحية يؤمن أن شفاء النفس ورعايتها هي عمل الله وعملية تغيير روحي وتلمذة للسيد المسيح أكثر منها تحليل نفسي وطب نفسي “اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تُشفوا”. (يع 16:5).
الكتاب المقدس يحوي أكثر من 50 وصية تشمل كلمة “بعضكم بعض” وكل هذه الوصايا هي أساس علم المشورة الذي يتحقق من داخل الكنيسة “بعضكم بعض”.
– في الكنيسة نتعلّم كلمة الله من خلال الوعظ ونعرف كيف نطبّقها من خلال المشورة والإرشاد الكنسي.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الكنيسة إنها مستشفى. وهذا حق لأننا في الكنيسة نشعر بقبول الله لنا وقيمتنا لديه؛ حيث أن الكثير يعاني الرفض في العالم والإحساس بصغر النفس.
– الكنيسة تعكس حياة المسيح لنا ومن خلالها يقدّسنا الروح القدس فتُشفى النفس من أمراضها. في الكنيسة يتحقق قول إشعياء النبي “روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني لأبشّر المساكين أرسلني لأعصب مُنكسري القلب لأنادي للمسبيّين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق. لأنادي بسنةٍ مقبولةٍ للرب وبيومِ انتقامٍ لإلهنا لأعزي كل النائحين” (إش 1:61،2). ·من هذا المنطلق فعلم المشورة المسيحية هو جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة.
الدعوة للخدمة
– إن كان هذا العلم هو جزء من الكنيسة فلابد من دعوة من الله لهذه الخدمة.
– الدعوة هي شيء يُكتشف، لا شيء يختاره الإنسان “ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمرٍ ويدوم ثمركم” (يو 16:15). · هذا الاكتشاف يحدث عندما ينصت الإنسان بمداومة واهتمام إلى صوت الله، ويجد أن قمة سروره هي في خدمة حمل أثقال الآخرين (غل 2:6)، وخدمة المصالحة (2 كو 18:5).
– الخادم المدعو لهذه الخدمة يكتشف في أعماقه حنيناً غير عاد وسروراً لا يعبّر عنه، في إراحة الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم. يكتشف في نفسه التزاماً ومسئولية نحو السير معهم في وادي الظلمة حتى يشرق نور المسيح في داخلهم.
– خادم المشورة المسيحية لا يسير في هذه الخدمة، إن لم يكن السيد المسيح قائداً ومرشداً ومشيراً له. “لأنه يولد لنا ولدٌ ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمُه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام”. (إش 6:9). المشورة المسيحية والتلمذة لا ينتهي عمل المشورة المسيحية عند حل المشكلات للآخرين، ولكن يساعدهم أن ينموا في الحب والإيمان والرجاء في علاقتهم مع الله. فهذا العلم هو استجابة لنداء السيد المسيح لنا: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين” (مت 19:28-20).
أهداف المشورة المسيحية
إن هدف المشورة المسيحية؛ هو اكتشاف الإنسان لنفسه من خلال اكتشاف حياته الجديدة في المسيح. والمشورة المسيحية هي عمل الروح القدس “يرشدكم إلى جميع الحق” (يو 13:16)، على أساس الحق الإلهي المُعلَن في الأسفار المقدسة “أيضاً شهاداتك هي لذتي أهل مشورتي” (مز 24:119) مسترشدة بكتابات وسير آباء الكنيسة “أذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثّلوا بإيمانهم” (عب 7:13).
المشورة المسيحية هي دعوة السيد المسيح ليشبع احتياجات النفوس والعائلات.
المشورة المسيحية لا تهدف إلى إحداث مجرد تغيير في الحياة؛ بل إلى إحداث تغيير محدّد ومهدّف.
إن كان الله يشتاق للدخول في علاقة معنا ونحن أيضاً نشتاق للدخول في علاقة معه، فإنه حتى غير المؤمنين والملحدين يشتاقون إلى السلام – الرجاء – المحبة والعدل.. وهذه الاشتياقات هي في الواقع اشتياقات الله. إن كان الأمر هكذا، فإن هدف المشورة المسيحية هو أعمق بكثير من إحداث تغيير في السلوك الخارجي بل هو في الحقيقة تقديس النفس.
الهدف من المشورة المسيحية هو تجديد الذهن (رو 2:12) من خلال المصالحة مع الله والاتحاد معه. الأمر الّذي ينتج عنه تغيير الشكل. هذا التغيير هو ممكن من خلال الاتحاد بالإله المتأنس يسوع المسيح، الذي غلب العالم لحسابنا “قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم” (يو 33:16). من هنا خادم المشورة المسيحية هو إنسان يعرف السيد المسيح معرفة اختبارية حقة وقادر أن يعلنه للآخرين. وبهذا يستطيع أن يساعد ويعزّي كل من هو في ضيقة.
خادم المشورة المسيحية من خلال خضوعه لعمل الله القدوس فيه، يتلاقى مع كل نفس حسب احتياجها- كما يقول معلمنا بولس الرسول “فإني إذ كنت حراً من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين… صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلّص على كل حال قوماً” (1 كو 9 :19، 22).
خدمة المشورة المسيحية تشمل تعزية صغيري القلوب – تقوية الضعفاء – تشجيع اليائسين – وعظ المؤمنين – إرشاد الضالين – تحذير المتهاونين. هذه الخدمة تشمل أيضاً “تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح” (أفسس 12:4) وهذا يعني إعداد وتدريب خدام في هذا المجال.
مبادئ في المشورة المسيحية
السيد المسيح هو مثالنا الأعلى في المشورة المسيحية؛ فهو المشير الذي يعلن الصدق في المحبة (أفسس 15:4).
+ الكتاب المقدس هو المصدر الأساسي للمشورة والإرشاد “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح” (2 تي 16:3،17).
+ الكنيسة هي مركز ومكان المشورة والرعاية الروحية.
+ علم النفس يستخدم من خلال رؤية إلهية وكتابية.
+ النضج في المسيح هو الهدف الأعلى الذي يتحقق من خلال البناء الروحي.
+ الروح القدس هو روح المشورة (إش 2:11) فهو الذي يتحكم في خدمة المشورة المسيحية تماماً.