stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

تأمل الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٧ ( الأحد الأول من الصوم )

1.7kviews

44_994666426-660x330

” وإذا صُمتُم فلا تُعبِسوا كالمُرائين ” ( متى ٦ : ١٦ )

عادة الصوم :

الصوم عادة قديمة احتلت مقام الصدارة بين أعمال التقوى التي تمرّسَ بها الانسان إستغفاراً للخطايا واستمطاراً للنعم ، وتعبيراً عن توبةٍ صادقة وإقراراً بسلطان الله . وكانت الشريعة تأمر بالصوم في يومٍ واحدٍ من أيام السنة هو يوم التكفير، وجرت العادة ان يصوم الشعب في ذكرى الكوارث الوطنية الكبرى ، مثل سقوط أورشليم بين ايدي الكلدانيين ، ولكن الفريسين كانوا يصومون في ايامٍ إضافية خاصة بهم ، فقط لإعلان مظاهر التقوى . وقد أورد الكتاب المقدس العديد من الأمثلة على الصوم الذي لجأ إليه من توخوا مرضاته في العهد القديم .

جاء في سفرِ يونان أن الله هدّدَ نينوى بالدمار وأرسل يونان إلى أهلها ليذكّرهُم بوجوب التوبة إليه بالصلوات والأصوام . وامتثل يونان ،  لأمر الله ونادى في المدبنة وقال : ” بعد اربعين يوماً تنقلب نينوى ، فأمن أهلها ونادوا بصومٍ ولبسوا مسوحاً من كبيرهِم إلى صغيرهِم وبَلغَ الكلام ملك نينوى فقام عن عرشه والقى عنه حلّتَهُ الملوكية والتفّ بِمسحٍ وجلسَ على الرمادِ وأمر أن ينادى ويُقال في نينوى بقضاء الملك وعظمائهِ  لا يذق بشر ولا بهيمة ولا بقر ولا غنم  شيئاً ولا ترعى ولا تشرب ماء . وليلتف البشر والبهائم بمسوح وليصرخوا إلى الله بشدةٍ ويتوبوا كل واحدٍ عن طريقهِ الشرير ” ( يونان ٣ : ٥ – ٩ ) . وعفا الله عن نينوى وأهلها .

صوم المسيح يسوع :

وأستهلَ السيد المسيح حياته العامة بالصوم ، ” فصام اربعين يوماً واربعين ليلةً حتى جاع ” (متى ٤: ٢ ) ، وأوضح  أن هناك نوعاً من الشياطين لا يُطرد إلا بالصلاةِ والصومِ ( مرقس ٩ :  ٢٩ ) . وتمرّس بولس  رسول الأُمم بالصومِ هو برنابا كما جاء في كتاب أعمالِ الرُسُل : ” ثم أستودعاهم ، أي من بشرّهم بالمسيح ، الرب الذي آمنوا به ، بعدما أقاما كهنة في كلِّ كنيسةٍ وصليا وصاما “

( أعمال الرسل ١٤ : ٢٣ ) ، وحذا الرسل حذوهما : ” فبينما هم يقضون فريضة العبادة ويصومون ، قال الروح القدس أفردوا شاول وبرنابا لأمر ندبتهما إليه ” (أعمال الرُسُل ١٣ : ٢ ) .

صفات الصوم : 

الصوم لا يكون مرضياً ومقبولاً  أمام الله  إلاّ إذا اقترن بصفات تحببه إليه تعالى . وهذا ما أشار إليه السيد المسيح عندما قال : ” وإذا صمتم  ، فلا تعبسوا كالمرائين يُكلّحون وجوههم ، ليظهروا للناس أنهم صائمون . الحقّ الحقّ أقولُ لكُم : ” أنهم أخذوا أجرهم . أما أنتَ  ، فإذا صمت  فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكيلا يظهر للناس أنك صائم ، بل لأبيك الذي في الخفية ، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك ” .! أحسن الصوم  أبعده عن كبرياء ورياء ، وقد رذل السيد المسيح صوم الفريسي  لبعد هذا الأخير عن البساطِة وإغراقهِ في المباهاة . ونحن نعرف أن الصوم ، إذا فقد معناه ، رذلهُ الله . وقد أريد بالصوم إذلال النفس في حضرةِ خالِقِها ، وتعبيراً عن توبةٍ صادقة . لذلك يُعتبر الصوم رمزاً إلى الإقرار  الباطني بسيادةِ الله المُطلقة علينا ودليلاً على اسف لإمتهان كرامتِهِ   . فهو قد أراد  أن يتصف بالتواضعِ وإنسحاقِ القلبِ والايمانِ العميقِ والابتعادِ عن الرياء . ولا يظنّن أحد أن الله يجني فائدة من رؤيتنا نصوم ، أو هو يسر لرؤيتنا نتعذّب بالإنقطاعِ عمّا لذّ وطاب من المآكل والمشرب ، وما كان الله بظالم لمخلوقاتهِ وعبادهِ . فهو قد أرادَ الصوم وسيلةً لا غاية ، فإذا كانت هناك وسيلة سواها ، فهو يرضاها ، ولذلك قال على لسان أشعيا النبي : ” أليس هذا هو الصوم الذي آثرته ، حلّ قيود النفاق وفكّ رباط النير وإطلاق المضغوطين أحراراً وكسر كلّ نير . أليس هو ان تكسر للجائع خبزك وأن تدخل البائسين المطروحين بيتكَ واذا رايتَ العريان ان تكسوه وأن لا تتوارى عن لحمكَ ” ( أشعيا ٥٨ : ٦ – ٧ ). وقد برّرَ السيد المسيح تجاه تلاميذ يوحنا مسلك تلاميذه  الذين لا يصومون بقوله :   “أيستطيع أهل العرس أن يصوموا والعروس بينهم  ؟ ” ( متى ٩ : ١٥ )

قدرة الصوم :

لقد رأينا أن الله أنقذ نينوى من الدمار لإنقطاع أهلها إلى الصومِ  والصلاة ، ووهبَ يوحنا المعمدان الجرأة على الجهرِ بكلامِ الله والاستشهادِ في سبيلهِ لأنه قضى حياتَهُ في تقشّفٍ وأصوام ، ودشّنَ السيد المسيح حياته العامة بالصوم أربعين يوماً واربعين ليلةً ليعطينا مثلاً في التمرس بهذا العمل التقوي ، وأوضح لنا ان هناك نوعا من الشياطين لا تخرُج إلاّ بالصومِ والصلاة ، وهذا ما تمرّس به الرُسُل ولا سيما بولس الرسول الذي كان يفاخر بما تحّملَ من ” شدائد ومشقات وجلد وسجن وفتن وسهر وصوم ”  ( ٢ قورنتس ٦ : ٥ ) . وقد اتبع أولياء الله وقديسوه هذه الخطة في كل عصر منذ انطلاقةِ المسيحية حتى يومنا هذا ، لانها تسعف على كبج الاميال وترويض الاهواء وتطهير النفوس وتسهيل الاتصال بالله والارتباط به ارتباطاً وثيقاً .

أفما يليق بنا أن نصوم إقتداءً   بالسيد المسيح ورسُلهِ وقديسهِ فنستخدمه وسيلةً من وسائل العبادة الحقّة والتقوى الراسخة ؟

اللهُمّْ اّعطِنا إذا صُمنا ألاّ نعبُس وُنكلّح الوجوه لكيلا يظهر صيامنا إلاّ لك وحدك ، انت الذي يُجازي المؤمنين في العلن عمّا يأتون بهِ من أعمالٍ مبرورةٍ في الخُفية .

+ المطران كريكور أوغسطينوس كوسا

أسقف الإسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك