stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسةموضوعات

ليس كل من يقول لي يارب يارب للانبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا للأقباط الكاثوليك

1.2kviews

ليس كل من يقول لي يارب يارب

الأنبا بطرس فهيم

مطران ايبارشية المنيا للأقباط الكاثوليك

“ليس كل من يقول لي يارب يارب ، يدخل ملكوت السموات ، بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات” (مت 7 : 21)

هذا النص موجود في سياق واسع يتكلم عن عدة ثنائيات : الباب الضيق والباب الواسع (الآيات 13 – 14 ) ، الشجرة الجيدة والشجرة الرديئة (الآيات 15 – 20) ، ثم نصنا عن ثنائية القول والعمل (الآيات 21 – 23) ، ويليه ثنائية الرجل العاقل والرجل الجاهل (الآيات 24 – 29) … بل أن سياق العظة على الجبل كله سياق ثنائيات بين ما كان قبل المسيح والجديد مع المسيح .

الثنائية الأولى تدعونا للإختيار بناء على معرفتنا وإيماننا بالسيد المسيح … إختيار أسلوب الحياة والسلوك الذي يتوافق مع إختيارنا الجذري للإيمان بالمسيح . الباب الضيق هو اختيار المؤمنين الذين يريدون أن تتطابق حياتهم واختيارتهم مع حياة واختيارات يسوع … من يريدوا أن يكونوا حقيقيين ومتسقين مع ذواتهم . هم من يريدون أن يبنوا حياتهم على إيمانهم الأقدس (يهو 20)

الثنائية الثانية تكلمنا عن ثمر هذا الإيمان العامل بالمحبة ، فمن الثمر يعرف الشجر ومن السلوك يعرف الشخص . قال القديس يعقوب “ارني إيمانك بدون أعمال وأنا بأعمالي أريك إيماني ” (يع 2 : 18). في هذه الفقرة أيضا يتكلم عن خداع المعلمين والأنبياء الكذبة ، من يخدعون الناس حين يأتون بثياب الحملان وهم في الداخل ذئاب خاطفة .

الفقرة الثالثة وهي فقرة تأملنا تتكلم عن من يوهمون أنفسهم أنهم للمسيح ويخدعون ويغشون أنفسهم أو يتوقعون بسبب ما قد يمكنهم عمله من معجزات أو ما يمكن أن يكون لديهم من مواهب أنهم وصلوا إلى الإيمان و الثبات و الكمال في المسيح في حين أنهم مخدوعون إذ يقيسون أنفسهم على أنفسهم … ويفاجأوا حين يسمعوا صوت المسيح يقول لهم أذهبوا عني لا أعرفكم وحين يتحججوا بالقوات والتعليم والمعجزات يقول المسيح له المجد لم أعرفكم قط إذهبوا عني يا أشرار .

فكم من الناس توهّموا ، بسبب أنهم يجيدون الإطالة في الصلاة أو قول كلام منمق أو اللعب بالمشاعر والأحاسيس والإنفعالات أنهم وصلوا لقمة الروحانية والقبول عند الله . فقد قال السيد المسيح يوما “لا ترددوا الكلام تردادا في صلواتكم مثل الوثنيين الذين يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم” (مت 6 : 7) .

فيارب يارب قد يكون هدفها إظهار الذات واكتساب المجد الباطل . وقد يكون هدفها الظهور بمظهر الحملان ورجال الله لكسب ثقة الناس واستمالتهم ثم ابتزازهم فيما بعد واستغلالهم والتأثير عليهم . وقد يكون بسبب فهم قاصر أو خاطئ للإيمان باعتبار أن مجرد المعرفة النظرية لحقائق الإيمان وحفظها عن ظهر قلب وإعلانها على الملأ هذا يكفي ويرضي الله ، وهذا خطأ فقد قال الكتاب “إن الشياطين أيضا يؤمنون ويقشعرون” (يع 2 : 19) ولكنها لا تعمل بما تؤمن به . وقد يكون هذا الإيمان الذي

ترافقه المعجزات والقوات إيمانا مؤقتا مثل الحب ، في مثل الزارع متى 13 ، الذي سقط على الأرض الحجرية الذي ينبت إلى حين وحين تشتد الشمس يجف ويموت ، فهم لا يثبتون حتى المنتهي ، “ومن يثبت إلى المنتهى فهذا يخلص” (مت 24 : 13) . فممكن الإعتراف بالإيمان بالفم ولكن ليس بالقلب ولا بالسلوك كما يقول أشعياء النبي : “هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه مبتعد عني بعيدا وهو باطلا يعبدني بتعاليم وضعها البشر” (مت 15 : 8 – 9 ، راجع أش 29 : 13).

صعب أن يكون لدينا إيمان نظري وفي الحقيقة العملية وفي الحياة نحن نحيا أشبه بالملحدين فيكون هناك انفصام في الشخصية فين ما نقول و ما نعمل ، فالإيمان الحقيقي هو الإيمان العامل بالمحبة ، الإيمان المثمر يقول سيدنا يسوع المسيح : “اخترتكم و أقمتكم لتذهبوا وتثمروا ويدوم ثمركم” (يو 15 : 16) . فالإيمان يفترض الطاعة ، والمحبة تفترض عمل ما يسر المحبوب . فالله لا يتأثر ولا يخدع بالكلام ، الله لا ينظر إلى المظهر بل إلى القلب “قال الرب لصموئيل لا تنظر إلى مظهره وطول قامته ، فأنا رفضته لأن الرب لا ينظر كما ينظر الإنسان ، فالإنسان ينظر إلى المظهر ، أما الرب فينظر إلى القلب” (1 ملو 16 : 6 -7). الله ينتظر العمل وأسلوب الحياة فهو يقول “أريد رحمة لا ذبيحة” (مت 9 : 13) . فحين ينظر الرب إلى القلب ماذا يرى في قلوبنا ؟

إن كلمة يارب يارب تحدد علاقتنا بالسيد المسيح هل هو في الحقيقة سيد ورب حياتي ؟ أم أن هناك أرباب وأسياد أخرون في حياتي دونه ؟ قد تكون أشياء أخرى كثيرة ؟ أمور صغيرة ؟ أشياء ؟ أو أشخاص ؟ أوضاع ؟ أو اختيارات ؟ علاقات ؟ مواقف ؟ أفكار ؟ إنتماءات ؟ هل يسوع هو فعلا ملك حياتي الأوحد ؟ في إنجيل لوقا 6 : 46 يقول يسوع: “كيف تدعونني : يارب ،

يارب ، ولا تعملون بما أقول ؟”. إن مثل هذا الموقف يعتبر كذب على يسوع وتجديف فالله لا يستهان به ولا يخدع . هذا يمكن أن نعمله مع البشر الذين لا يعرفون خفايا القلوب ، أما يسوع فهو فاحص القلوب ومختبر الكلى . أن نؤمن بالمسيح هذا يعني ببساطة أن نعمل بمشيئته وبمشيئة أبيه الذي أرسله .

يقول يسوع “من يعمل بمشيئة أبي هو أخي وأختي وأمي” (مت 12 : 50). العمل الخارجي يجب أن يعبر عما في باطن الإنسان فمن فضلة القلب ينطق الفم والإنسان الصالح من كنزه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنزه الشرير يخرج الشر (مت 12 : 33 – 36). ويسوع يقول للكنائس في سفر الرؤيا “أنا أعرف أعمالك” . إن الأعمال التي تليق بأبناء الله هي الأعمال التي تشير وتدل على أننا صرنا حقا في المسيح خليقة جديدة (2 كور 5 : 17) .

ليس من يقول يارب يارب بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات يدخل ملكوت السموات . من يعمل بمشيئة الآب السماوي يصير أخا ليسوع شبيها به الذي صلى دائما وعلمنا أن نصلي قائلين “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” (مت 6 : 10) ويسوع نفسه عاش ذلك في كل حياته حتى في أحلك اللحظات قال “إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ، ولكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي” (مت 26 : 39). فعمل مشيئة الآب كان دائما حياة يسوع وطعامه اليومي “طعامي أن أعمل مشيئة أبي الذي أرسلني وأتمم عمله” (يو 4 : 34) ، وهو هدف حياته قال يسوع : “جئت لأعمل لا مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني” (يو 5 : 30 و 6 : 38). هكذا يجب أن يكون المسيحي على مثال المسيح ، من يعمل بمشيئة الآب . يمكنه أن يدخل ملكوت السماء ، بل يصيّر الأرض سماء من خلال عمل مشيئة الله عليها كما يعمل ذلك الملائكة في السماء ، هكذا يصير المؤمن خليقة جديدة وذلك بمعونة

الروح القدس الذي يعمل في المؤمن من خلال المواهب ومن خلال كلمة الله والأسرار المقدسة التي تهيء المسيحي وتقدسه ليعمل أعمال الله .

مشيئة الله مقدسة وتقود للقداسة وهذا يتطلب حياة في القداسة وسلوك في القداسة ، وهذا لا يتفق مع حياة وسلوك العالم ، يقول يسوع : “أنتم في العالم ولكنكم لستم من العالم” (يو 15 : 19) وفي موضع آخر “لا أطلب أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير” (يو 17 : 15) . فيجب أن نحترس من تبني أساليب العالم وقيم ومبادئ العالم في التعاملات وفي السلوك وفي الحياة . فالقديس يعقوب يقول : “إن صداقة العالم هي عداوة لله” (يع 4 : 4). مطلوب أن نكون في العالم لإصلاح العالم وحفظه كالملح ، ولإضاءته كالنور ، ولمحبته وخدمة خلاصه كالمسيح ومعه وبه. ونحن مدعوون أن نعمل ذلك لا كرها ولا إجبارا ولا نتخلى عن مباهج العالم ونعاني من الحرمان ، بل بكل فرح نعمله بشكل تلقائي وطبيعي كالأرض التي تعطي بسخاء دون حسابات ، ومثل أبينا الذي في السماوات نكون رحماء و كاملين (مت 5 : 48).

من يقول يارب أي يؤمن ؟ أو من يعمل مشيئة الله يخلص ؟ قضية الإيمان والأعمال هي قضية قديمة في المسيحية وكان هناك جدل كبير بسببها … لا نريد أن ندخل في تفاصيلها ولكن القضية كلها تتلخص في أنه لا إيمان بلا أعمال ولا أعمال بلا إيمان فالخلاص هو هبة مجانية من الله ينالها المؤمن الملتزم بروح وحياة وأعمال وثمار الإيمان … الأعمال المرفوضة كانت أعمال الشريعة وإعتبارها كافية وحدها دون الإيمان بيسوع للخلاص . هذا ما رفضه القديس بولس والقديس يعقوب في كتاباتهم وهذا ما التزمت به الكنيسة كلها في كل العصور .