كلام صعب للغاية، كلام يتناقض على ما جاء حرفياً على لسان يسوع نفسه فى أحلك الظروف، فحين تم القبض على يسوع فى بستان الزيتون أشهر بطرس سيفه و قطع أذن عبد رئيس الكهنة “ملخس” إلا أن يسوع انتهره قائلاً : ” رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ” ، وقال مرة أخرى : ” مملكتى ليست من هذا العالم”.
لا يوجد فى العهد الجديد نظيراً لهاتين الآيتين اللتين تتحدثان عن السيف مرة بالرفض و مرة بالقبول على لسان يسوع فكيف نحل هذا التناقض الظاهرى؟
لابد أن نرجع للإطار النصى الذى وردت فيه هاتين الكلمتين ففي متى 10 : 34. يطلب يسوع من الحالمين الهائمين به أن ينتبهوا إلى أن الحصول على السلام و إختياره معلماً و مخلصاً و قائداً هو إختيار صعب و مُلزم لأن المتربصين به كثيرون، أولهم رؤساء الكهنة و الفريسيون لأنه يصرح بأنه “الحق و الحياة” ” أنا هو الطريق و الحق و الحياة” و رجال الدين كانوا يعتبرونه خارجاً عن ملة اليهود و أنه ” يجدف على الله” و بالتالى نحن أمام صراع بين الحق و الباطل و للأسف كل الأسلحة تستخدم للدفاع عن المصالح و المراتب و المواقع فى هذا العالم الشرير.
و بالتالى يصرح يسوع لمن تبعوه أو يريدون اتباعه أنهم لكى يصلوا إلى السلام الحقيقي عليهم أن يتوقعوا هجوماً لا هوادة فيه من نفس المعارضين و الرافضين ليسوع كمخلص.
و يشرح يسوع أسباب هذا العنف الذى سيختاره أهل العالم ضده و في الواقع من سيستخدم السيف هم أعداء يسوع و ليسوا مناصريه، فكما ذكرنا رفض أن يستخدم بطرس السيف ضد الذين قبضوا عليه فى بستان الزيتون و اكثر من ذلك أعلن أنه مملكته ليست من هذا العالم و بالتالى لن يستخدم أسلحة هذا العالم الشرير.
و كلمة “سيف” هنا تستخدم بطريقة حجازية معناها أن الأعداء سيفرضون على اتباع يسوع معارك بالسيف، و بالتالى سيتعرض السلام الذى أتى به يسوع إلى المرور من خلال لحظات من العنف قد يفقد المرأ حياته فيها بسبب إختياره ليسوع، هذه هى الحقيقة المرة إن موقف المؤمن ليمتحن كما الذهب بالنار و يضيف النص أن “أعداء الإنسان أهل بيته” و أن العائلات ستنقسم على ذاتها نظراً لطبيعة إختياراتها.
و هكذا نرى أنفسنا كمؤمنين أبعد ما نكون عن أصوات الملائكة التى أعلنت لحظة ميلاد يسوع نفسه حين رنمت “المجد لله فى الأعالى و على الأرض السلام و في الناس المسرة”. لقد كبر الطفل يسوع و صارت دعوته للسلام مثاراً للفُرقة و العنف، الشعب السالك فى الظلمة أبصر نوراً عظيماً “هكذا يردد العهد الجديد كلمات أشعيا النبى الذى تنبأ بقدوم المسيح، و لكن هيهات أن يقبل منطق العالم المبنى على القوة و الجبروت و سحق الضعفاء و استغلالهم مالياً و توظيفهم سياسياً لمصالحة منطق الله الذى تجسد و صار إنساناً ليبلغ الإنسانية بداية نهاية الطغاة و الجبارين الذين يتاجرون باسم إله لا يوجد سوى فى مخيلتهم و في مصالحهم .
إن السيف الذى سيعلن عن نفسه لحظة تجسد المخلص نظراً لأنه يهدد كل من تربح و مازال يتربح من المتاجرة بأسم إله “وهمى” و غير “موجود” يفرض الضرائب باسم الله (ضريبة الهيكل) و كثير من الضرائب المفروضة على المؤمنين و إله غليظ الرقبة ، شديد القسوة، يمثل تهديداً مستمراً على حياة المؤمنين و يخلو قلبه من الرحمة و باسمه تطلق الويلات و التحذيرات نحو المؤمنين.
إن هذا هو السيف الذى يتحدث عنه المسيح، فهل يعرف اتباع يسوع أن هناك ثمناً باهظاً يجب دفعه على من يتبعه وهو مقاومة سلطان الظلمة بكل أسلحته القتالة و يتطهر المؤمنون كما يتنقى الذهب فى النار. و من يثبت الى المنتهى يخلص.
الم يرتكب أقرب الناس إليه حماقة اعتبار يسوع “فاقد الرشد” الم يصف الفريسيون يسوع بالشيطان “بعلزبول” هذا هو السيف الذى القاه يسوع فى العالم سيف الغربلة بين اتباع السلام الحقيقي و بين اتباع السلام المزيف الذى لا يحمل النور و الشفافية بل يترعرع فى الظلمة و لا يطيق حضور الملكوت بل يجهر بملكوت الأنانية و المصالح المادية الزائلة.
و لكن مهلاً، مازال صدى صوت المسيح القائم من الأموات منتصراً على الموت و كل رموزه، ” ثقوا انا قد غلبت العالم” “ها أنذا معكم إلى منتهى الدهور” و لن تسقط شعرة واحدة من شعور رؤوسكم و عند المحن، لا تخافوا لأن الروح القدس يلهمكم ماذا تقولون سلامى أعطيكم سلامى اتركه لكم.