stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عن الكنيسة

رسالة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بمناسبة اليوم العالمي للكرازة الأحد 21 أكتوبر ‏2001

877views

download (89)

“بمراحم الرب أترنم إلى الأبد‏” (مز89 :2)

الإخوة والأخوات الأحباء 

1.    بفرح عميق احتفلنا بيوبيل الخلاص، زمن النعمة والرحمة الإلهية للكنيسة كلها. 

والتي اختبرها كل مؤمن، مما يدفعنا للانطلاق نحو “الأوسع”، متخذين من ذكرى الماضي دافعاً للشكر، عائشين زمننا الحاضر بمحبة عميقة، منفتحين نحو المستقبل بثقة وإيمان بأن “يسوع المسيح هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد” (عب 8:13) (والرسالة البابوية الدخول إلى الألفية الجديدة، 1).إن هذا الاندفاع نحو المستقبل، المشرق بنور الرجاء، ينبغي أن يكون القاعدة التي تنطلق منها الحركة الكنسية بمجملها في الألفية الجديدة، وهذه هي الرسالة التي أرغب أن أوجهها إلى كل مؤمن بمناسبة اليوم العالمي للكرازة والبشارة بالإنجيل الذي نحتفل به في الحادي والعشرين من أكتوبر هذا العام. 

2.    إنه لوقت التطلّع إلى الأمام، مثبتين النظر على وجه يسوع المسيح “ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله” (عب2:12). 

“إن الروح يدعونا أن ننطلق نحو المستقبل الذي ينتظرنا” (الرسالة البابوية الدخول إلى الألفية الجديدة، 3) ونشهد للسيد المسيح ونعترف به شاكرين “العظائم” التي أتمها لنا “بمراحم الرب أترنم إلى الأبد” (مز2:89). وبمناسبة “اليوم العالمي للكرازة” في العام الماضي، أردت أن أذكّر كيف ينبثق الالتزام الإرسالي من التأمل المتأجج في شخص الرب يسوع. فليس هناك من مسيحي ذاق لذة التأمل في شخص الرب، يستطيع أن يقاوم إحساسه بالانخطاف بذلك النور الباهر (الرسالة البابوية الحياة المكرّسة 14) مما يلزمه بتقديم شهادة الإيمان: أن المسيح هو المخلص الوحيد للبشرية. كما أن التأمل في وجه الرب يسوع يثير في قلوب التلاميذ الرغبة في التأمل أيضاً في وجوه البشر اليوم، رجالاً ونساءً: فالرب يتجسّد في اخوته الصغار (مت40:25-45).إن التأمل في الرب يسوع، أول وأعظم مبشر بالإنجيل، (البشارة بالإنجيل، 7)، يحولنا نحن أيضاً إلى مبشرين. وهذا يُشعرنا برغبته في أن يهب الحياة الأبدية للذين أعطاهم الآب له (يو 2:17). “فالله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تيمو 4:2)، وكان يسوع يعلّم أنه يجب، بحسب مشيئة الآب، أن يبشر بملكوت الله في المدن الأخرى أيضاً: “إنما لأجل هذا أتيت” (لو 43:4).وثمرة التأمل في “اخوتنا الصغار”، تجعلنا نكتشف أن كل إنسان يبحث عن الله، وإن كان ذلك غامض بالنسبة إلينا، ذلك أن الله خلقه وأحبه. وهذا ما اكتشفه التلاميذ الأولون: “يا سيد إن الجميع يفتشون عنك” (مت37:1) هكذا يصرّح اليونانيون ناطقين باسم أجيال المستقبل كلها “نريد أن نرى يسوع” (يو 21:12)… نعم “إن المسيح هو النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آت إلى العالم” (يو9:1) وكل إنسان يبحث عنه “كي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدونه مع أنه عن كل واحد منّا ليس ببعيد” (أع37:17)، فكل إنسان يشعر بأنه مدفوع بجاذبية داخلية لا يعرف حتى هو نفسه كنهها ولا مصدرها. فهي كامنة في قلب الله نفسه، حيث تنبض رغبة في خلاص العالم أجمع. وهو يطلب منّا أن نكون شهوداً وأبطالاً لهذه الرغبة المتأججة. ومن هذا المنطلق نشعر بها تجتاحنا كعنصرة جديدة، مفعمة بلهيب روحه، وحبه وحضوره: “أنا معكم طوال الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت 20:28).. 

3.    ثمرة هذا اليوبيل العظيم إذن، هي ذلك التوجّه الذي يريده الرب من كل مسيحي: 

أن ينظر إلى الأمام بإيمان ورجاء. فالله يشرفنا بأن يحسبنا أمناء ويدعونا لخدمته مستخدماً إيانا برحمته (راجع 1تيمو 1:12-13). وليست هذه الدعوة مقصورة على عدد محدد أو فئة بعينها، إنها موجهة للجميع كل واحد حسب أوضاعه الحياتية. ولقد كتبت في هذا الصدد في رسالتي الدخول إلى الألفية الجديدة: “إن هذه العاطفة الجياشة لله لن تتوقف أبداً عن إنعاش روح إرسالي في الكنيسة، غير مقصور على بعض “المتخصصين” بل يشمل كل أعضاء شعب الله كمسؤولين، ذلك أن من قابل المسيح بالحقيقة، لا يمكن أن يحتفظ به لنفسه، بل يجب أن يبشر به. لهذا السبب عينه تتوجب انطلاقة إرسالية معاشة كالتزام يومي للجماعة الكنسية وكل مؤسساتها… حيث يجب أن يُقدَم الرب يسوع المسيح للجميع بكل ثقة وإيمان. يجب أن يُقدَم للبالغين، للعائلات، للشباب وللأطفال دون أن ُنخفي شيئاً من الالتزامات الأساسية والجذرية للإيمان المسيحي، وبلا إغفال أيضاً للاحتياجات والحساسيات الخاصة بكل فرد والأسلوب المناسب للدخول إليه، على مثال بولس الرسول الذي يؤكد “صرت كلاً للكل لأخلص على كل حال قوماً” (1كور22:9) نمرة 40.

أصبحت الدعوة للكرازة بالإنجيل أمراً ملّحاً ومتميزاً بشكل خاص، بالذات إذا نظرنا إلى الجزء الأكبر من البشرية الذي لم يتعرّف بالمسيح بعد أو الذي لا يعرفه. نعم، أيها الاخوة والأخوات الأحباء، إن الكرازة بالإنجيل “إلى الأمم” لأمر قائم اليوم في الكنيسة أكثر منه في أي وقت مضى. إني أحمل في قلبي كل وجوه البشر التي استطعت أن أتأملها خلال جولاتي الرسولية المتعددة: إنها تحمل جميعاً وجه يسوع المسيح الذي ينعكس في وجوه اخوته الفقراء والمعذبين؛ إنه وجه الرب يسوع الذي يُشرق في كل من يعيشون “مثل خراف لا راع لها” (مر24:6). فلكل إنسان، كل رجل وكل امرأة الحق في أن يعرفوا ويتعلموا “أشياء كثيرة” (مر 24:6).وأمام ما نلمسه في داخلنا من ضعف وعجز وهشاشة، تراودنا التجربة البشرية التي راودت الرسل أنفسهم “اصرف الجموع”، ولكن في تلك اللحظة عينها، حيث نضع ذواتنا في تأمل وجه يسوع المحبوب، يجب أن يعود كل منّا إلى ذاته ليصغي إلى كلمات الرب القائلة: “لا يجب أن ينصرفوا: اعطوهم أنتم ليأكلوا” (راجع مت 14:16؛ مر 37:6). بهذا نختبر في الوقت عينه الضعف البشري والنعمة الإلهية وحيث نعي ضعفنا هذا الذي يؤثر علينا بصورة عميقة؛ نتحقق في الوقت نفسه من حاجتنا إلى تقديم الشكر لله تعالى لما يتمه فينا (عبر ضعفنا) ولكل ما سيتممه عبر عنايته الإلهية. 

4.    كيف يمكن ألا نذكر في هذه المناسبة، كل المرسلين والمرسلات، الكهنة والراهبات، والرهبان والعلمانيين،

الذين اتخذوا من البشارة بالإنجيل إلى الأمم التزاماً حياتياً يعطي لوجودهم معناه؟ إنهم عبر هذا الوجود ذاته، يعلنون “بمراحم الرب أترنم إلى الأبد” (مز89) وليس بنادر ما وصل بهم هذا الترنّم اللانهائي إلى سفك الدماء، فكم كان عدد شهود- شهداء الإيمان خلال سنوات القرن الأخير! لقد امتد ملكوت الله واتسع وانتشر بفضل عطائهم السخي. فإليهم نوجّه خواطرنا شاكرين ومصليين. لأن مثلهم الحي يظل حافزاً لنا وسنداً لكل المؤمنين، منه يستمدون شجاعة من يرون أنفسهم “محاطين بسحابة من الشهداء هذا مقدارها” (عب1:12) أولئك الذين عبر حياتهم وكلماتهم جعلوا من الإنجيل صوتاً يتردد صداه في أرجاء المعمورة.نعم، أيها الإخوة والأخوات الأحباء، ليس بإمكاننا أن لا نتكلم بما عاينا وسمعناه (أع 20:4)، فلقد رأينا عمل الروح القدس ومجد الله يتجلون في الضعف (راجع 2كور 12؛ 1كور1). فاليوم أيضاً نجد كثيراً من الرجال والنساء الذين يبتكريسهم الكلي لله وتضحياتهم اليومية، يُعتبرون بالنسبة إلينا علامة ناطقة لمحبة الله. ونحن عن طريقهم قبلنا الإيمان، وصرنا مدفوعين بدورنا أن نكون مبشرين وشهوداً لهذا السر. 

5.    الكرازة هي بشرى الفرح لعطية مجانية لكل إنسان ويجب أن تُقدم للجميع بأكبر قدر من الاحترام لحرية كل فرد: 

تلك هي هبة وحي الله- المحبة الذي “هكذا أحب العالم حتى إنه بذل ابنه الوحيد” (يو 16:14)… الكنيسة إذن لا يمكن أن تتخلى عن مسئوليتها في النشاط الإرسالي المتمثّل في إعلان بشارة الإنجيل لكل الشعوب، ولا يصير أقل من ذلك أهمية اللمسة الخاصة بتقديم الإنجيل ل”الأمم” وإعلان أن المسيح هو “الطريق والحق والحياة” (يو6:14) فيه يجد الناس الخلاص (الرسالة البابوية الدخول إلى الألفية الجديدة، 56). إنها دعوة للجميع، نداء عاجل يجب تلبيته بسرعة وسخاء. يجب أن ننطلق! يلزم أن نبدأ المسيرة دون تأخّر، على مثال مريم أم يسوع، على مثال الرعاة الذين كانوا أول من اقتبل بشارة الملائكة بميلاد المخلص، على مثال المجدلية حين أبصرت الرب بعد القيامة.في بداية هذا القرن الجديد، يجب أن تكون مسيرتنا متحمسة في السير من جديد على دروب العالم… (فكل يوم أحد) يعود المسيح القائم ويحدد لنا ميعاداً جديداً في العليّة، حيث سيكون حاضراً “منذ اليوم الأول بعد السبت” (يو19:20) حيث ظهر لخاصته ونفخ في وجوههم علامة لموهبة الروح القدس المحيي بداية لانطلاقة عظمى للكرازة بالإنجيل”. 

6.    أيها الإخوة والأخوات الأحباء، تتطلب الكرازة بالإنجيل صلاة حارة والتزاماً فعلياً، 

فمتطلبات هذه الكرازة كثيرة ومتعددة. وإذ يوافق هذا العام الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس “اليوم العالمي للرسالة” الذي أسسه قداسة البابا بيوس الحادي عشر، حيث قبل الطلب المقدّم من المؤسسة البابوية لانتشار الإيمان بتكريس يوم للصلاة والدعاية من أجل الرسالة والمرسلين، يكون ثابتاً ويحتفل به في نفس اليوم في جميع الإيبارشيات والرعايا والخورنات وكل مؤسسات العالم الكاثوليكي… “لتشجيع البذل والسخاء لصالح الكرازة” (المجمع المقدس للطقوس: تأسيس اليوم العالمي للكرازة، 14 أبريل 1926، أأس 19 (1927)، ص23س). ومنذ تلك اللحظة يشكّل اليوم العالمي للرسالة مناسبة خاصة لتذكير شعب الله بأكمله بالقيمة المستديمة للإرسال التبشيري والتي لا تسقط بالتقادم، حيث أنه يخص كل المؤمنين بالمسيح، كل إيبارشية ورعية ومؤسسة وجماعة كنسية (رسالة الفادي، 2). ولعله من المناسب أيضاً التذكير بأن الكرازة لا تتطلب معونة مادية فحسب، ولكن مشاركة فعلية عبر البشارة ومساعدة الفقراء. فكل ما قبلناه من الله من هبات كهبة الحياة والخيرات الأرضية، وإن كان خاص بنا فهو ليس قاصر علينا (رسالة الفادي، 81).إن اليوم العالمي للرسالة ليوم هام في حياة الكنيسة “لأنه يعلمنا أيضاً كيف نعطي: من خلال الاحتفال بالقداس الإلهي كذبيحة لله على نية جميع الإرساليات في العالم” (رسالة الفادي، 81). فلتكن إذن هذه الذكرى الخامسة والسبعون مناسبة جيدة للتفكير في ضرورة التنسيق نحو جهد جماعي أوسع لتنمية الروح الإرسالي وتوفير الاحتياجات المادية اللازمة للرسالة والمرسلين. 

7.    في العظة التي ألقيتها بمناسبة ختام اليوبيل العظيم، في السادس من يناير 2001، أعلنت: 

“يجب الانطلاق من المسيح، باندفاعة يوم العنصرة. بروح حماس متجدد، ننطلق منه بالذات فيما يخص التزامنا اليومي بالقداسة، واضعين ذواتنا في موقف الصلاة والإصغاء لكلمته. يجب أن ننطلق من المسيح لنكون شهوداً لحبه” (رقم8).لهذا:انطلق من المسيح: أنت يا من وجدت رحمةانطلق من المسيح: أنت يا من غفرت ووجدت الغفرانانطلق من المسيح: أنت يا من يعرف طريق الألم والعذابانطلق من المسيح: أنت أيها المجرب بالفتور:فعام النعمة هو زمن بلا حدودانطلقي من المسيح: يا كنيسة الألف الثالثرنمي وأنت سائرة للأمام (طقوس الختام في قداس عيد الظهور الإلهي للرب “الغطاس” 2001)”فلتصحب مريم أم الكنيسة، نجمة البشارة، هذه المسيرة كلها، كما كانت بجوار الرسل يوم العنصرة. نحن نتوجّه إليها بثقة، لننال بشفاعتها من الرب نعمة المثابرة في التزامنا التبشيري التي يخص الجماعة الكنيسة بأثرها.

بهذه المشاعر الأبوية أبارككم جميعاً

“البابا يوحنا بولس الثاني”- الفاتيكان في 3 يونيو ‏2001‏‏ عيد حلول الروح القدس