يشهد الحقّ إذًا على وجود نوعين من الشهداء، أوّلهما متخفٍّ والآخر معروف، من خلال السؤال الموجّه إلى ابنيّ زبدى: “أَتستطيعانِ أَن تَشرَبا الكأَسَ الَّتي سَأَشرَبُها؟ قالا لَه: نَستَطيع. فقالَ لَهما: أَمَّا كَأَسي فسَوفَ تَشرَبانِها، وأَمَّا الجُلوسُ عن يَميني وعن شِمالي، فلَيسَ لي أَن أَمنَحَه، بل هو لِلَّذِينَ أَعدَّه لَهم أَبي” (مت 20: 22-23). وماذا تعني هذه الكأس غير معاناة الآلام التي يقول عنها في مكان آخر: “يا أَبتِ، إِن أَمكَنَ الأَمْرُ، فَلتَبتَعِدْ عَنِّي هذهِ الكَأس” (مت 26: 39). إنّ ابنيّ زبدى أي يعقوب ويوحنّا لم يموتا كلاهما ميتة الشهداء، ولكن مع ذلك، قيل لهما إنّهما سيشربان الكأس. لم يمت يوحنّا شهيدًا، ومع ذلك فقد كان شهيدًا، لأنّ الآلام التي لم يعانِها بجسده قد ألمّت بروحه. يجب علينا إذًا أن نستنتج من هذا المثل أنّه بإمكاننا نحن أيضًا أن نكون شهداء من دون أن نمرّ تحت حدّ سيف الجلاّد، إذا حافظنا على الصبر في نفسنا. “القديس غريغوريوس الكبير”