ما معنى أن يُعطى يسوع تلاميذه الحق فى الكلام بإسمه؟ و لماذا وضع نفسه فى مستوى تلاميذه؟ فمن يسمع التلميذ يسمع معلّمه . و من يرفض التلميذ يرفض معلمه. من النادر أن يُعطى مُعلم تلميذه الحق في أن يتحدث بإسمه لأن وضع التلميذ على نفس المستوى من معلمه ينطوى على استعداد المعلم أن يتحمل أخطاء تلاميذه بمعنى الكلمة فأى إخلال برسالة المعلم سيكون وقعها مباشراً على صورة المعلم وهويته.
لماذا أخذ يسوع هذه المجازفة؟ غالب الظن أن يسوع وضع كل ثقته فى تلاميذه بعد التدريبات و الاختبارات التى عاشوها معه في حياته كما بعد موته و قيامته، و لكن مهلاً إن يهوذا أحد تلاميذه سلّم معلمه إلى الموت و كفر بكل تعاليمه و توما شك فى قيامة سيده، و بطرس بعد موت المسيح رجع إلى مهنته الأولى كصياد.
الإنجيل يخبرنا بأن هؤلاء الضعاف ظهرت قوتهم كتلاميذ و قوة إنتمائهم لمعلمهم عندما حلّ عليهم الروح القدس فى يوم الخمسين و انطلقوا إلى البشارة متحررين من كل خوف و مستعدين للموت مثل معلمهم في سبيل أن تصل كلمته إلى أقاصى المسكونة.
فنجد بطرس فى أعمال الرسل يخاطب اليهود بشدة و يؤنبهم على أنهم قتلوا البار، و فيلبس يلحق بخصى ملكة الحبشة ليفسر له الإنجيل، و بولس الرسول بعد ارتداده على طريق الشام يجوب آسيا الصغرى و بلاد الشام ليبشر الوثنيين غير آبه بمن يحاولون قتله من اليهود المتعصبين، و اسطفانوس شهد لمعلمه حتى غفر لقاتليه كما فعل المسيح يسوع على الصليب .
“اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي” إن هذه النعمة التى توحد بين التلميذ و معلمه تختص بالتلاميذ الذين اختبروا عمل الله في قلوبهم و أفعالهم و اتحدوا قلباً و قالباً به فصار كلامهم هو كلام الله و صار كلام الله بفعل الروح القدس الذين فتحوا عقولهم و قلوبهم عليه ثماراً طيبة تغذى من يسمعه و تتغلغل فى قلوب و عقول من يبحثون عن الله في حياتهم.
إن الذين فقدوا تذوق كلمة الله و حموا آذانهم عن سماع هذه الكلمة بإرادتهم الشخصية و سلوكهم الخاطئ فى الصلاة إلى الله و إحتفاظهم بصورة لله غير دقيقة و اعتبروه جبار و أنانى و عنيف لن يستطيعوا أن يصلوا إلى هذا الإله الوديع و المتواضع القلب الذى يعمل في الصمت بعيداً عن ضجيج العالم الفارغ و الملئ بالرسائل الغرائزية و نبذ الاله بحجة أنه يمنعهم أن يعيشوا بحرية كاملة.
إن الذين لا يصغون لتلاميذ يسوع هم الذين فقدوا التمييز بين نوعية التلاميذ الذين يصرخون و يتألمون لغياب الله عن مشهد العالم و بين التلاميذ المزيفين الذين يرتدون رداء الحملان و هم ذئاب خاطفة ضلت طريقها و أصبحت ضحية لنظم فاسدة و رغبات غير منظمة.
نعم علينا إذا اعتبرنا أننا تلاميذ الرب أن نتذرع بالصبر و أن نتحدث بعظائم الرب. أن تكون حياتنا مرآة لمن نحدثهم عن يسوع حتى لا نقع فى فخ الإزدواجية و النفاق. إن الله يدعونا أن نتحدث بإسمه فى كل حين و لكن حديث الروح و القلب حديث الحياة و مجد الله المتجلى في كل إنسان من خلال مواهبه و حياته.
إن الطبيعة أيضاً تتحدث بمجد الله : “اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ” فكيف نحن لا نتحدث باسم الله و نشير إلى حضوره الفعال في حياتنا و في كل لحظة من أيام حياتنا.