من أجمل تأملات الميلاد-منقول
ظهرت نعمة الله
بطريقة احتفاليّة تشبه طريقة الأنبياء، حدَّثتنا هذه الرسالة عن رجاء سعيد هو ظهور مخلِّصنا يسوع المسيح. هذا ما اعتاد المؤمنون في الكنيسة الأولى أن يُنشدوا في صلاتِهم الليتورجيّة. يتذكَّرون تلك الليلة السعيدة التي فيها وُلد يسوع في الجسد، في مدينة بيت لحم. هذا الحدث هزَّ العالم كلَّه. والتاريخ يُدوَّن قبل هذا الحدث أو بعده. فهذه السنة هي 2007 بعد المسيح(حسب دراسة تقول أن تاريخ الميلاد ينبغي أني كون 3 أو 4 قبل التاريخ الحالي/ الناقل). أمّا الإسكندر فاحتلَّ مدينة أسوس في تركيّا سنة 333 قبل المسيح.
هذه الولادة التي نتذكّرها سنة بعد سنة، لا يمكن أن تمرَّ بشكل سريع مع العيد ووليمة عامرة وشراء الألعاب وغيرها. هذه الولادة تدعونا لتعلِّمنا كي ننبذ الكفر ونأخذ بالتقوى، كيف نبتعد عن شهوات الدنيا ونتعلَّق بالبشر والقداسة. فنقرأ نصّ الرسالة: فنعمة الله، ينبوع الخلاص لجميع البشر، ظهرت لتعلِّمنا أن نمتنع عن الكفر وشهوات هذه الدنيا. لنعيش بتعقُّل وصلاح وتقوى في العالم الحاضر، منتظرين اليوم المبارك الذي نرجوه، يوم ظهور مجد إلهنا العظيم الذي ضحّى بنفسه لأجلنا حتّى يفتدينا من كلِّ شرٍّ ويطهِّرنا، ويجعلنا شعبه الخاصّ الغيور على العمل الصالح (فل 2: 11 – 14).
1- نعمة الله
بعد أن تحدَّث بولس الرسول عن واجبات مختلف الأعضاء في الجماعة المسيحيّة، أنهى كلامه فقال: »عليهم أن يُظهروا كلَّ أمانة فيعظِّموا في كلِّ شيء تعاليم الله مخلِّصنا« (آ10). ذاك هو الأساس الذي إليه يستند هذا الإرشاد. تجلَّت نعمة الله. ظهرت. لا نعمة نالها فقط إنسان من الناس. بل نالتها البشريّة. هي بركة إلهيّة مجّانيّة ناعمة، وتُبعد عنها كلَّ خشونة. تجعلها نعيمًا، سماء. أجل بميلاد يسوع صارت السماء على الأرض. حلَّ مجدُ الله فوق هذا المذود الحقير في عيون البشر، ولكنَّه عظيم في عين المؤمن. جاء الرعاة الذين يمثِّلون شعب اليهود، فسجدوا. وقدَّموا هداياهم كما اعتادوا أن يفعلوا حين يأتون إلى الهيكل. فمجدُ الله لم يعد في الهيكل، ومركز حضوره انتقل إلى بيت لحم. لهذا فالمجوس الذين اعتُبروا ثلاثة فرمزوا إلى أبناء نوح الثلاثة، إلى سام ابن آسيا، أرض البخور واللبان، إلى حام ابن أفريقيا أرض المرِّ من أجل تحنيط الموتى ودفنهم. إلى يافث ابن أوروبّا وذهبها. هؤلاء المجوس جاؤوا وسجدوا لهذا الطفل باسم البشريّة المعروفة كلِّها. بانتظار أن يعمَّ عيدُ الميلاد القارات الخمس فيصل إلى أميركا وأوقيانيا. ظهرت نعمة الله. هذا يعني أنَّ الله جاء إلينا. ما اكتفى بأن يرسل رسولاً من عند البشر. ولا أرسل ملاكًا من السماء. بل جاء هو بنفسه بعد أن صار بشرًا مثلنا، شبيهًا بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة. لقد وُلد يسوع كما يُولد الفقراء في الغرفة المحاذية لغرفة الأسرّة، حيث يُجعل الحمار والثور والخروف خشية من السرقة. ما تميَّز بشيء في شيء عنّا، سوى بهذا النور الذي أشرق في نصف الليل فأنشد فيه الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام.
مع مولد يسوع بزغ مجدُ الخلاص، وهو الشمس المشرقة التي تنير المقيمين في الظلمة وظلال الموت (لو 1: 78-79). مع مولد يسوع، ظهر مخلِّصنا يسوع المسيح الذي قضى على الموت وأنار الحياة والخلود بالبشارة (2تم 1: 10).
2- النعمة تُعلِّمُنا (آ12)
في الماضي كان الناموس يعلِّمنا، وها هو الآن يقودنا إلى المسيح. قال يوحنّا في إنجيله: »بواسطة موسى« أعطانا الله الشريعة. وأمّا بيسوع المسيح فوهبنا النعمة والحقّ« (يو 1: 17). جاء الله فصارت نعمته هي التي تعلِّمنا. لا بكلام من الخارج، كما كان الأمر بالنسبة إلى الوصايا على جبل سيناء التي تجاوزها الشعب سريعًا فعبد العجل الذهبيّ. فحياة يسوع تعلِّمنا: يكفي أن ننظر إليه. ليس هو فقط ذاك الشابّ الذي تكلَّم فما تكلَّم مثله بشر، ولا مُجري المعجزات وحسب، بحيث يقول الناس معجبين: قام بيننا نبيّ. ننظر إليه وهو طفل شبيه بأطفالنا. وهو يعلِّمنا أن نرى في الصغار حولنا وجه يسوع الطفل. أما نبَّهنا يسوع في تشكيك الأطفال؟ قال لنا: »ملائكتهم في السماوات يشاهدون كلَّ حين وجه أبي الذي في السماوات« (مت 18: 10). فإذا كان الملاك يرمز إلى حضور الله، فأطفالُنا يستطيعون أن يقدِّموا لنا وجه يسوع الطفل. تعليم عن التقوى والعيش بحسب وصايا الله. استعداد داخليّ لكي نعيش بحسب الإنجيل. نحن لا نفرض نفوسنا على كلام الله، بل نسمعه. نخضع له، نطيعه. عند الربّ وحده كلام الحياة. فإلى من نذهب؟ وهل نغرق في العالم وما يقدِّمه لنا من أمور عابرة قد تصل بنا إلى الكفر؟ فالكافر هو الذي يخفي نعمة الربّ وكأنّها ما وُجدت. إن كان الإيمان إعلان مجد الله، فالكفر يقود البعض منّا إلى جحود الله ورفض التحدُّث عنه. وبعضُ الفلاسفة يعتبرونه مات. وفي أيِّ حال، كما يقولون، هو لا يفعل شيئًا، بل يترك العالم يسير مسيرته إلى الدمار والهلاك.
3- ننتظر ونرجو (آ13)
وُلد المسيح منذ ألفَي سنة وعاش على الأرض وصعد إلى السماء وهو الآن عن يمين الآب. كيف نعيش هذا الميلاد؟ أنعود إلى الماضي ونتذكَّره من خلال مغارة ثقُلَت تحت الهدايا والزينة، فدلَّت على الغنى في عيد الفقر وبساطة الحياة الريفيّة التي لم تعرف ترف الحياة لدى الكبار؟ أنندب الأيّام السابقة وننسى أنّنا نعيش اليوم، وأنّنا اليوم نسمع صوت الله يدعونا؟ فمولد يسوع لا ننظر إليه وراءنا، بل هو أمامنا. نحن ننتظره وهو يأتي كلَّ يوم ليكون رفيق دربنا. لقد قال لنا: أنا معكم إلى انتهاء الدهر.
نحن نقول في القدّاس: ننتظر مجيئك، لا شكّ في أنّنا ننتظر المجيء الثاني كما نقول في النؤمن: »سيأتي أيضًا في مجد عظيم«. ولكن هذا الانتظار البعيد قد يُفقدنا الشوق والرغبة. بل نحن نطلب من يسوع أن يجيء اليوم إلى حياتنا، إلى عالمنا. هذا هو معنى التناول في القدّاس. يعطينا يسوع جسده أي يعطينا ذاته. يجعل نفسه بتصرُّفنا. يضع يده في يدنا. من يجسر بعد عيد الميلاد أن يقول إنَّ الله غائب عن عالمنا؟ هو حاضر بالرغم ممّا نرى ونسمع من حروب وويلات ومصائب. ويعطينا دمه أي حياته، فتصبح حياته حياتنا. حينئذٍ نحيا منه كما قال لنا في إنجيله: نحيا فيه ويحيا فينا. حضور الربّ فينا، في جماعاتنا، حضور متواضع. نكاد لا ننتبه إليه. مثل هذا الطفل الملفوف في القماط. ما كان شيء خارجيّ يميِّزه عن أيِّ طفل من بيت لحم والجوار. لهذا عزم هيرودس أن يقتل »الأطفال« علَّه يعثر على الطفل العجيب الذي بدأ يزعزع ملكه. فالآتون من البعيد توقَّفوا في أورشليم ليسألوا، ولكنَّهم لم يتوقَّفوا طويلاً. يجب أن يصلوا إلى طفل في بيت حقير. هذا الطفل تدعوه الرسالة: إلهنا العظيم. فلو لم يكن يسوع الله وابن الله، لما استطاع أن يكون »مخلِّصنا«. ليلة الميلاد أنشده الملائكة: »وُلد لكم اليوم في مدينة داود في بيت لحم، مخلِّص هو المسيح الربّ« (لو 2: 11).
فهذا الذي ظهر إنسانًا بين الناس، هو في الوقت نفسه ذاك الإله الذي أتى يزورنا، بل ليقيم معنا. وهنيئًا لنا إن قبلناه. فتحنا قلوبنا له ولتعاليمه. قلنا له: تكلَّم يا ربّ فعبدك يسمع. فماذا نسمع منه اليوم من كلام يوجِّه حياتنا؟ هل نكتفي أن نطلب بعض الأمور المادّيّة؟ أن نُغرقه بما نريده منه، أم نتركه يكلِّمنا من أجل ولادة جديدة تتمّ يومًا بعد يوم، فننمو مع يسوع بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس.
خاتمة
ذاك هو معنى الميلاد
بالنسبة إلينا، ونحن نقرأ كلامًا اعتاد المؤمنون الأوّلون أن يتلوه في هذه المناسبة. حينئذٍ يتذكَّرون ما يجب أن يفعلوا لكي يرافقوا هذا الحدث السعيد الذي يُطلُّ عليهم سنة بعد سنة. يتذكَّرون نعمة الله التي تحمل لهم السعادة. فالربُّ يأتي ليعطينا الحياة، والحياة الوافرة، لا الموت. فلماذا نخاف من المستقبل وكأنَّه لا يحمل إلينا سوى الضربات؟ هذه النعمة تُعلِّمنا، ترافقنا. صارت شخصًا حيٌّا. صارت يسوعَ رفيقَ دربنا كما كان رفيق تلميذي عماوس اللذين عرفاه عند كسر الخبز. ونحن نعرف يسوع حين نشارك في الذبيحة. نأكل جسده ونشرب دمه. حينئذٍ نعرفه من هو، وننطلق فنخبر عنه. لأنّنا نصير شبيهين بالرسل الذين ما استطاعوا أن يَسكتوا بعدُ عمّا رأوا وسمعوا. في الحاضر الذي نعيش، نتذكَّر الماضي، في أيّام أوغسطس، إمبراطور رومة، وهيرودس ملك اليهوديّة. في تلك الأيّام وُلد يسوع. انشقت السماوات التي »حُسبت مغلقة«، نزل الله على الأرض. كما المطر على أرض يابسة قاحلة. وفي هذا الحاضر، نتطلَّع إلى المستقبل، ننتظر من الربِّ كلَّ خير، وعليه وحده نتَّكل. ونجعل رجاءنا فيه. فالمؤمن يتطلَّع إلى الأمام وينطلق. ولا يخاف لأنَّه يعرف الهدف الذي ينتظره. الربُّ يأتي إلينا ونحن نذهب إلى لقائه. هذا هو عيد الميلاد. هو عيد يعود إلينا كلَّ سنة. ونكون تعساء إن اعتدنا عليه. يجب أن يكون جديدًا، لأنَّه يأتي لينزع منّا الإنسان العتيق ويجعل من كلِّ واحد الإنسانَ الجديد. وهو ميلاد يدعونا يومًا بعد يوم إلى ولادة ثانية، إلى ولادة من السماء، تلك الولادة التي لم يستطع نيقوديمس أن يفهمها فظنَّ أنَّ عليه أن يدخل في حشا أمِّه مرّة ثانية ليُولد. ولكنَّها ولادة قريبة منّا، بحيث نفهم أنَّ يسوعَ وُلد مرّة واحدة في الزمن. كما مات مرّة واحدة. وهو يرجو أن يُولد فينا. ويعيش فينا ويموت فينا لكي يقيم معنا ويجعلنا شعبه الخاصّ. ويجعل كلَّ واحد منّا صديقه الخاصّ وحبيبه. هذا العيد يذكِّرنا بميلاد يسوع. وفي هذا الخطّ ، يفهمنا أنَّ الهدف ولادة كلِّ واحد منّا بالروح والحقّ.