”اليوم تم الخلاص في هذا البيت” – الاب وليم سيدهم
”اليوم تم الخلاص في هذا البيت”
بين الخطيئة والتوبة هناك مسافات تقاس بالأيام و الشهور و السنين، أن يشعر الإنسان أنه وحيد منبوذ محتقر يعنى أن حياته ربما يكون غير مرغوب فيها من الآخرين و ربما أيضاً من الله نفسه.
هكذا كان حال زكا العشار، إحساس قاتل بالوحدة و شعور بالاحتقار من عامة الناس مضافاً عليها انقطاع الصلة بالله. فقد كان العشارون و معنى كلمة عشار هو من يحصل عشور مداخيل الناس لكى يعطيها للمسئول المختص فى الدولة أو لمجلس اليهود.
لنقل أن زكا كان موظف ضرائب مثله مثل موظفى الضرائب اليوم ، ضميرهم مطاط يسمحوا لأنفسهم بأن يبتزوا العامة من الشعب و يتقاضون أموالاً بغير وجه حق و بالتالى كانوا كما نقول الآن “يأكلون مال النبى” و يجورون على الأرملة لذا كانت نظرة الناس إليهم مريبة فيها قدر كبير من الاتهام الضمنى بالسرقة لذا نجدهم في مقارنة مستمرة مع الفريسيين الذين نجحوا في تشويه صورتهم قدام العامة و قاموا بشبه عزلهم عن الحياة الإجتماعية في أثناء ظهور يسوع يبشر بقرب ملكوت الله.
و حين نرى أن زكا تأثر كثيراً بشخصية يسوع بصفته مدافعاً عن الفقراء و المظلومين يصعد إلى شجرة الجميز ليرى يسوع “لأنه كان قصير القامة” فإننا نتسائل عن الروح التى دفعت زكا لتقليد الأطفال فى تسلق الأشجار و لم يعتد بسمعته و مقامه و ماله إنه عزم بكل قوة أن يرى يسوع مهما كلفه ذلك من أمر. فمنذ صعد إلى الشجرة قرر أن يغير حياته كيف؟ هذا ما سينتج عن لقاءه الشخصى بيسوع.
و إذا كان نيقوديموس الفريسى ذهب إلى يسوع فى جنح الظلام ليقابل يسوع و يعرب له عن إعجابه به فإن زكا ذهب ليرى يسوع فى وضح النهار و بينما لم يتغير نيقوديموس عن عقيدة الفريسية تغير زكا العشار ، وعلى عكس نيقوديموس الفريسى الذى قرر أن يلتقيه وجهاً لوجه فإن زكا أراد فقط أن يلقى نظرة على يسوع و غالب الأمر لم يكن مستعداً أن يواجهه وجهاً لوجه .
لكن يسوع صاحب النظرة الثاقبة للإنسان الذى أمامه شعر بخطورة الخطوة التى قام بها زكا ألا و هى صعوده إلى شجرة الجميز ليشفى فضوله برؤية يسوع فبادره يسوع بقوله : “يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ” ، نزلت هذه الدعوة على زكا كالصاعقة، و كالطفل الذى قرر أبوه أن يحتضنه بعد أن أنبه على سلوكه الخاطئ، نزل زكا و ارتمى في حضن يسوع.
هاجت الدنيا و ماجت لأن يسوع كسر قيد العزلة التى أقامها الفريسيون على العشارين الذين منهم زكا . “لماذا يحادث العشار زكا؟”
و بينما صدح النقد من قبل الفريسيين كان زكا يعلن توبته بأعلى صوت ليسوع عن كل جنيه أخذه بالحرام من الناس، لا بل يعلن أنه مستعد لدفع أربعة أضعاف لمن ظلمه ، أربعة أضعاف مما يملك و ليس عُشر ما يملك . ما هذا الجمال و هذا الارتداد الروحى العميق؟ إنه حضور يسوع الوديع و المتواضع، يسوع الذى كسر قيود العزل الإجتماعى الذى فرض على زكا و امثاله الذى صحح صورة الآب التى شوهها رجال الكتبة و الفريسيين عند العامة. يسوع الذى رفض كل القوالب الدينية و الطقسية التى جعلت من شعب الله فريسة سهلة فى قبضة رجال الدين .
ها هو يعلن لزكا “الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ” ها هى الأرض التى خنقها الشوك و هموم العالم تعود لتصبح أرضاً طيبة.