stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

أيليا .. 8

953views

الخوف

للأب هاني باخوم

فُضح بعل وظهر انه ليس بإله، فهو لا يستجيب وقت الحاجة. هو ليس الله. ويعلن الشعب ان ‏الرب هو الإله، نعم الرب هو الإله. ينتهي بعل من ايمان الشعب الذي لم يعد يرى فيه مصدراً ‏للضمان والثقة.‏
لكن أحآب زوج، او بالأحرى عبد ايزابيل، يمضي ويخبرها بكل شيء. فتعلن ان ايليا هو ‏السبب ولذا يجب ان يموت، فتقرر قتله. امام هذا التهديد، ماذا سيفعل النبي الذي رأى الغراب ‏يطعمه بأمر من الرب، رأى ارملة فقيرة تعطيه ما تبقى لها لتحيا، رأى الميت يقوم، ورأى ‏النار تنزل من السماء ملتهمةً الثور، ماذا سيفعل من رأى قدرة الرب ومجده؟
يقول الكتاب: “خاف ايليا وقام ومضى لإنقاذ نفسه” (1مل 19: 3). خوف ايليا طبيعي، فمن لا ‏يخاف امام تهديد الملكة له بالموت؟ من الطبيعي ان يخاف ، لكن ان يقرر ان ينقذ نفسه ‏بنفسه؟! فحياته هي نموذج للشعب ولنا، فيها تجسيد لتجاربنا ومخاوفنا؛ حياة من خلالها يوضح ‏الرب حياتنا ويعطينا مفتاحاً لفتح اسرارها. ‏
الشعب ترك بعل كضمان. ما يشعر به الإنسان اولاً عندما يترك ضمانه هو انه في خطر. ‏اكتشف ان من كان يؤمّن له الحياة غير قادرعلى فعل ذلك، لذا تركه. يشعر بالخطر، فمن ‏سيؤمّن حياته، من سيعطيه ما يحتاجه من حب وعواطف ومال وامان وصحة ومتعة و و و…، ‏من؟ بعل غير موجود، واكتشفنا انه غير قادر، لذلك يظهر الخطر. اذاً المشكلة ليست في عبادة ‏بعل. فلا يكفي ان نتركه، لا يكفي ان نترك عبودية معينة، فكما سيقول المسيح اذا خرج ‏شيطان من البيت يرجع اليه ومعه سبعة اعظم منه كي يسكنوه. المشكلة اذا ليست في بعل. ‏المشكلة هي ان الإنسان وقت الخطر، الموت، الوحدة، التجربة…، يحاول ان يخلص نفسه ‏بنفسه. من هنا اتَى بعل. فحتى وإن زال يبقى مصدره وأصله موجودان. استقلالية الإنسان في ‏خلاص نفسه. هذا يخص كل انسان؛ انا وانت. فأمام زواج متعثر، امام تجربة في الدعوة ‏اوصعوبة، امام خطر، امام شعور بالوحدة او اي الم…، الإنسان يحاول ان يخلص نفسه ويقرر ‏لنفسه: يطلّق كي يتحرر من صعوبة الزواج والمه، يترك الدعوة كي لا يسقط من جديد او ‏يتخلص من صعوباتها ومتطلباتها، يبحث عمن يملأ وحدته…. يخلص نفسه. من هنا نخلق ‏بعل. مات بعل لكننا بعملنا هذا ومع ايليا نصنع بعلاً آخر. انتهى بعل، لكن الشعب لم ينته من ‏ان يخلص نفسه بنفسه. ايليا يخاف، وماذا يفعل؟ يقوم لينقذ نفسه. حتى ايليا يجب ان يتحرر من ‏بعله الحقيقي. من وهم الخلاص الذاتي ومن الخوف من الموت. ‏
يهرب ايليا الى الصحراء، الى حيث يصعب على ايزابيل ايجاده. يهرب كي يخلص نفسه، ‏لكنه يهرب الى الصحراء حيث لا توجد حياة. فيجد نفسه في مكان موت. غريب الإنسان! من ‏خوفه من الموت يهرب الى الموت. يعتقد انه سيخلص ذاته بذاته فيجد نفسه في هوة اكبر.‏
خوفاً من الموت، يهرب ايليا قائلاً للرب دعني اموت فأنا لست افضل من ابائي. هم ايضاً ‏ماتوا وحياتهم انتهت. امتني انا ايضاً. لماذا يجب ان احيا، كي اموت على يدي ايزابيل؟ اموت ‏الآن افضل من وقت الضيق قبل ان تقتلني. خوف الإنسان العميق من الموت يجعله يحيا باحثاً ‏عن الموت. يجعله يموت في كل لحظة. ‏
فينام ايليا، والنوم علامة على الموت المسبق. لأن الإنسان لا يستطيع خلاله القيام بأي شيء، ‏ولكنه ايضاً، الوقت المناسب لتدخل الله. فيرسل الرب اليه ملاكاً فيقول له: “قم وكل”. الرب ‏يأمر النبي بأن يقوم ويأكل، اي ان يعود الى الحياة التي تركها من خوفه ان يفقدها. وهنا يرجع ‏النبي ويطيع، فيقوم ويأكل. لا كلام، لا عتاب، لا لوم على عدم الإيمان. ايليا كان ميتاً والآن هو ‏حي. قام ويجب ان يأكل، هذا هو المهم. فالإيمان عطية وطريق.‏
‏ فيستعيد قواه ويبدأ بالسير من جديد لا لكي يهرب من ايزابيل بل باتجاه جبل حوريب حيث ‏تنتظره مقابلة اصعب من مواجهة ايزابيل، حيث ينتظره من كان يبحث عنه طوال الوقت. ‏من؟…………الى المرة القادمة.‏
ايام مباركة.‏