القديسة ماري ماكيلوب 17 تشرين الأول/أكتوبر
ماري ماكِّيلوب الأستراليَّة قدِّيسةً في الكنيسة جمعاء. هي الراهبة والقدِّيسة الأولى في أستراليا منذ نشأتها، وهي الَّتي أسَّست أوَّل رهبنة أُستراليَّة في قارَّة أوقيانيا. تحلَّت هذه الرَاهبة التَقيَّة بروح التواضع والاندفاع في إعلان بُشرى الخلاص للعالَم، وأظهرت شجاعةً لا مثيل لها في الحفاظ على الإيمان الكاثوليكيِّ الصحيح. هذه الشجاعة لفتَت انتباه مرشدها الأب وودز الَّذي طلب منها مساعدته في رعاية الأطفال في رعيَّة بِّينولاَّ في مدينة أدَلايد جنوب أستراليا. ولغيرتها الرسوليَّة، جمعَت الأطفال المُشرَّدين في مياتم ومدارس، وجمعت أيضًا البنات الشاردات، ثمَّ أسَّست رهبنة أخوات القدِّيس يوسف للقلب الأقدَس بتاريخ 15 أب سنة 1867 عندما نذرَت نذورها الأولى وأطلَقت على نفسها اسم “ماري للصليب”. وهكذا انتشرَت المدارس والأديار في كلِّ المنطقة وتخطَّتها إلى الولايات الأخرى.
الحرم الظالم:
ولكنَّ الشَرَّ الَّذي عشعش في قلوب عددٍ كبيرٍ من الكهنة، بسبب الغيرة والحسد والبغضاء، مِمَّا دفعهم ليفتروا على هذه الراهبة القدِّيسة لدى مطران المنطقة مُشهِّرين بها وبمرشدها بأبشع التجنِّيات. وللأسف، أصغى الأسقف “شيل” إلى التقارير الظالمة والحاقدة، وأصدر حُرمًا على الأُمِّ ماري ماكِّيلوبّْ في 22 أيلول 1871، فأُقفِلَتِ المدارس والأديار ومُزِّقَتِ الرَهبنة وضاع الحلم. ردَّةُ فعل ماري للصليب كان الطاعة للظلم الَّذي تعرَّضَت له، وحملَت صليبها بثقةٍ وطول أناةٍ وتواضُعٍ وشجاعة ليس لها من مثيل، لأنَّها كانت تعلَم علْم اليقين أنَّ “مَن له يُعطى ويُزاد. ومَن ليس له يُؤخَذُ منه حتَّى ما هو له” (مر4: 25). وآمنَت أنَّه “ما من خفِيٍّ إلاَّ سيُظهَر، وما من مكتومٍ إلاَّ سيُعلَن” (مر4: 22). لذلك، فبما أنَّها تَحمل سراج المسيح، فلا بُدَّ من أن يُوضَع على المنارة.
نتائج الحرم:
ما إن أصدر أسقُف أدَلايد في جنوب أستراليا هذا الحُرم الباطِل، حتَّى دخل المرضُ إلى جسدِه بعد نفسه، وراحت صحَّته تنهار تدريجيًّا، وتُوفِّيَ بعد خمسة أشهرٍ وأسبوع من الحرم.
انتصار الحق على الباطل:
ولكنَّ صوتَ الله في داخلِه حوَّله إلى التوبة والرجوع عن قراره الظالم، إذ في 23 شباط 1872، استدعى الراهبة المحرومة واعتذر منها طالبًا المَغفرة ورفع عنها الحرم وأعاد لها كلَّ حقوقها وحقوق رهبنتها، فخلَّص نفسه من الهلاك في اللحظات الأخيرة. إثر هذا الخبر السارِّ الَّذي كانت تنتظره راهبتنا القدِّيسة، عبَّرَت بدورها عن مغفرتها للمطران وللكهنة الحاقدين، وبصلاتها وتقشُّفاتها ومحبَّتها المسيحيَّة خلَّصت في وقتٍ لاحقٍ عددًا من هؤلاء الكهنة.
بعد هذه التجربة المؤلمة، استلهمَت ماري للصليب من روح الرَبِّ القُدُّوس الذهاب إلى روما وطلبِ البراءة القانونيَّة للرهبنة من البابا شخصيًّا. وبنعمة الله حصلَت على مُبتغاها وعادت شاكرةً إلى أدَلايد. لكنَّ روح الشَرِّ الخبيث لم يترك لها مجالاً في تلك المدينة، إذ وللأسف الشديد، للأسف الشديد، قام المطران الجديد بالتضييق عليها، خاضعًا لأرواح الشرِّ الخبيثة، ولم يتَّعِظ من خبرة سلفه الَّذي خلَّص نفسه في أيَّامه الأخيرة. وهكذا، اضطُرَّت ماري للصليب مع الراهبات لترك المنطقة واللجوء إلى مدينة سدني حيث أسَّست ديرها الجديد. ومن سدني انطلَقَت رهبنتها ومدارسها إلى كلِّ الولايات الأستراليَّة ومن ثمَّ إلى نيوزيلَّندا.
لقد عاصرَت القدِّيسة ماري للصليب قدِّيسة لبنان رفقا الرَيِّس. وكلٌّ منهما كانت تحمل صليب وطنها وتتألَّم لأجل خلاص النفوس بطريقةٍ مختلفة. ما جمعهما هو الشراكة في آلام المسيح الفادي رأفةً بالنفوس الخاطئة والضالَّة. لقد بنت ماري للصليب بيتًا على صخرة المسيح يسوع ربِّنا، حاملةً همَّ تنشئة الأطفال والبنات على تعليم الكنيسة الكاثوليكيَّة الصحيح ليكونوا سُرُجًا يُرفَعوا على منارة التبشير بالإنجيل المُقدَّس. انطلاقًا من حياة هذه القدِّيسة المُتألِّمة بسبب الحقد والحسد والكراهية، لنحذر أيُّها الإخوة والأحبَّاء من هذه الآفات الخبيثة الَّتي تبني بيوتًا من رملٍ وقشٍّ تنهار أمام أضعف عاصفة شرِّيرة. كلُّ أعمالنا ستكون مكشوفةً عاجلاً أم آجلاً، والرَبُّ إلهنا هو الَّذي سيكشفها بنورِه الخلاصيِّ وناره الحارقة للخطيئة والشرِّ. فالَّذي بنى بيته من قشٍّ سيُحرَق مع بيته، أو من رملٍ سيُجرَف مع بيته، لأنَّ الَّذي بشروره “يهدم هيكل الله يَهدُمُه الله” (1قور3: 17). ألَيسَت هذه هي الحقيقة الَّتي اختبرتها القدِّيسة ماري للصليب!؟ فبصبرها واتِّكالها على العناية الإلهيَّة ومحبَّتها لخلاص النفوس وتواضعها وطاعتها، وبشكلٍ خاصٍّ لشجاعتها في إعلان كلمة الإنجيل وبشرى السلام والفرح الإلهيَّين، حقَّقت مشيئة الله، فخزيَ الأشرار، وتاب المؤمنون، وانتصر الحقُّ.
أيُّها الرَبُّ يسوع المسيح، يا مَن افتدانا على الصليب، علِّمنا بشفاعة القدِّيسة ماري ماكِّيلوبّْ أن نتحلَّى بالمحبَّة وطول الأناة والشجاعة، لكي نثبُت مثلها بحمل صليب الانتصار مُبشِّرين بإنجيل السلام والفرح بإيمانٍ ورجاءٍ ومحبَّة، فنرفع المجد والشكر إليكَ وإلى أبيكَ المبارك وروحكما الحيِّ القُدُّوس، إلى أبد الآبدين، آمين.