أعود و أرجع لأبى – الأب وليم سيدهم
إن ذاكرتنا نعمة كبيرة لأنها تسعفنا عند الضرورة لكى نقرأ سجل خطايانا فنعود و نغير من توجهاتنا الانفصالية عن الله. مثل كل الشباب و في زمن المراهقة و التمرد نتخذ قرارات تبدو لنا عين العقل، وفي غمرة هذا الفوران العاطفي و الرغبة من الانغلاق، بدا للابن الاصغر أن حريته لن تكون كاملة إلا إذا تحررمن سلطان الأب. فذهب لأبيه يطلب نصيبه من المال. و لأنه غير مُحيط بتقاليد العلاقة بين الأبناء و الآباء و أن الميراث لا يورث إلا بموت الأب فإنه أصر أن يرث في حياة و الده ضارباً بالتقاليد الراسخة عرض الحائط.
و لأن الأب واسع الأفق كثير الرحمة و مشفق على ابنه أعطاه نصيبه من المال. وانطلق الابن في حياته الجديدة يصرف من المال على نزواته و شهواته و يقضى أوقاته في المجون و السكر و العربدة . فجأة وجد الابن نفسه على قارعة الشارع. بعد أن صرف كل المال.
حاول أن يجد مخرجاً لهذا الوضع الجديد فبحث عن عمل مناسب يسد عوزه فلم يجد إلا مهنة راعى الخنازير و لأن معتقداته كانت تمنعه من لمس أو أكل الخنازير فوجد نفسه و قد وصل إلى مرحلة أصبحت فيها حياته لا تطاق و في خطر حقيقي. تألم كثيراً و ظل يفكر في عيشه مع والده و بين حاله الآن و أخذ يتذكر حنان الأب و سخاءه معه و حمايته له و كيف أنه كان يتخيل أن ربما يجد بعيداً عن الآب مجالاً أوسع و أرحب.
فرجع إلى نفسه فوجد أنه إرتكب خطأ فظيعاً فى حق والده بعد أن تذكر كل السخاء و كل الرعاية و كل الغنى الذى كان متمتعاً به، فهم الابن الأصغر أنه توهم أن حريته ستكون كاملة بعيداً عن أبيه، و لكن الواقع يكذب ذلك فلم يكن الأب بالقساوة التى تصورها الابن و لا بالبخل أو الصلف الذى تخيله أيضاً عن أبيه.
و لأن جرمه كان عظيماً ظن أن الأب لن يستقبله مرة أخرى بصفته ابنه فقرر أن يتقدم لأبيه ليعمل عبداً عنده هكذا تخيل الابن بعد أن عزم على الاعتذار لأبيه، ولما رجع إلى بيت ابيه وجده منتظراً على الباب مترقباً رجوعه و قبل أن يقدم الاعتذار أمر الأب أن يلبسوه حلَّة جديدة و أن يذبحوا العجل المسمن نظير رجوع ابنه من ارض الغربة.
هكذا الابوة، هكذا حنو الله، إن هذا المثل هو ملخص ما يحدث معنا في علاقاتنا مع الله فمهما عظمت خطايانا يستطيع الله أن يغفرها لنا. فقط علينا أن نتوب و نغير من رؤيتنا الخاطئة ومن سلوكنا ونرجع اليه، ” إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ” يقول الكتاب المقدس. هذا هو الاله الرحوم الغفور الذى نريده و نبحث عنه.
عودوا الى الرب فهو قريب و توبوا الى الرب فالبعيد عنه غريب.