القديس اغناطيوس دولويولا /مونيك موران
اغناطيوس هو سيد نبيل شاب، ولد في لويولا في اسبانيا عام 1491.
هو يبحث عن ملذات العالم وعن المجد والكرامة والمفاخر. يقول عن نفسه أنه مغرور. إنه عسكري يحب الأسلحة. وهو موجود في مدينة بامبولين Pampelune المحاصرة من قبل الفرنسيين وغير القادرة على المقاومة. يعتقد الجميع أنه لا بد من الاستسلام، لكن إنياس يرفض الاستسلام لأنه يريد إنقاذ الكرامة والشرف.
بعد 6 ساعات من القتال، يصاب في ساقه فوق الركبة. يجبرون على الاستسلام. يقوم المنتصرون بإسعافه والعناية به، ويرسلونه إلى ذويه بعد بضعة أيام، حيث يخضع لعملية لأن ساقه لم تعاد إلى مكانها كما يجب. تسوء حالته، ويقترب من الموت، ثم يستعيد قواه وتتحسن حالته. لكن عظامه تلحم بشكل منفرج، ويستوعب أنه سيبقى معاقاً مع رجل أقصر من الأخرى، ما سيمنعه من متابعة حياته الدنيوية المليئة بالملذات. لا يستطيع تحمل ذلك ويقرر الخضوع لعملية أخرى. هذا عذاب حقيقي لأنه لم يكن هناك تخدير في تلك الفترة من الزمن.
تنجح العملية الجراحية، وفي فترة النقاهة، لم يبقى لديه سوى الإنتظار. يجبر على المكوث في الفراش ويبدئ بالشعور بالضجر. يطلب إذاً روايات عن الفروسية تحكي قصص حب وقصص قتال، ولكن لم يكن هناك أي كتب من هذا الطراز، لم يكن هناك سوى كتاب عن “حياة المسيح” وآخر عن حياة القديسين. يقرؤها ويجد فيها ما يجتذبه.
يتوقف عن القراءة بين الحين والحين ليفكر بملذات العالم وبشكل خاص بشيء يحذ على قلبه كثيرا: إمرأة أحلامه التي ينوي إغراءها. تسترسل مخيلته خلال 2-3-4 ساعات متصوراً كل المآثر التي سيقوم بها لغزو قلبها، وكان كثير الغرور في أحلامه إلى حد أنه لم يرى أن ما يتصوره هو مستحيل التحقيق لأن المرأة هي من مستوى اجتماعي أعلى بكثير من مستواه الاجتماعي.
وفي لحظات أخرى، وبعد قراءة حياة القديسين، يمضي وقتاً طويلاً في التفكير:”القديس دومينيك فعل ذلك: وأنا أيضاً يحب أن أتمكن من فعله! القديس فرانسوا فعل ذلك، وأنا أيضاً يجب أن أتمكن من فعله!”
وهكذا وجد نفسه في تلاخق للأفكار: تارة كيف يغزو قلب تلك المرأة، وتارة كيف يقلّد القديسين. وفي جميع الأحول، يبقى الموضوع بالنسبة له بمثابة القيام بعمل عظيم، أكان ذلك لإمرأته أو للله، ويبقى ذلك على مستوى الخيال بما أنه في الحقيقة على فراشه وغير قادر على القيام بأي عمل !
“ومع ذلك كان هناك هذا الفرق:
حين كان يفكر بملذات العالم، كان يستمتع كثيراً، ولكن حين كان يتعب من التفكير بذلك، كان يرى نفسه جافاً وحزيناً.
ولكن حين كان يفكر بالذهاب حافي القدمين إلى أورشليم، بالصوم على الأعشاب، وبفعل كل أعمال التقشف الأخرى التي كان القديسين يقومون بها، كان يشعر ليس فقط بالتعزية أثناء التفكير بتلك الأفكار، وإنما كان
يستمر الشعور بالفرح والسعادة حتى بعد الكف عن هذا التفكير.”
اكتشف شيئاً ما: شيئاً ما يحدث في داخله. هذه مرحلة أولى، ولكنها لا تكفي. للوهلة الأولى، لم يعر ذلك أيه أهمية. جميعنا، نختبر أننا نمر بلحظات عاطفية مختلفة: فرح/حزن، شجاعة/يأس. ولكن هذه التقلبات لا تنفعنا بشيء لأننا على الأغلب لا نعيرها أي اهتمام.
ما يميز تجربة اغناطيوس سيكون البدء بالاهتمام بهذه التقلبات عن طريق محاولة فهم ما الذي يحرك هذه التقلبات في داخلنا، وربط الحالة النفسية التي نمر بها بالأفكار التي سبقتها.
“ودهش بهذا التنوع وبدأ يتأمه، وفهم بعد خبرة طويلة أنه بعد بعض الأفكار كان يبقى حزيناً وبعد بعضها الآخر كان يبقى سعيداً، وشيئاً فشيئاً، فهم تنوع حالات الروح التي كانت تختلج في داخله، واحد من الشيطان والآخر من الله.” (النص رقم 8)
يلاحظ اغناطيوس وجود أفكار تجلب له الحزن وأخرى تجلب له الفرح. تلك بداية خبرة روحية ستغير حياته بشكل كامل: تمييز الأرواح التي تختلجه. وسيتابع تلك الخبرة خلال كل حياته وسينقلها لغيره.
وأصبح اغناطيوس مؤسس اليسوعيين.
اكتشاف ماذا يحدث
نحن بحاجة لاكتشاف ماذا يحدث في داخلنا، مثل اغناطيوس دولويولا، لمعرفة الروح الطيبة والروح الشريرة. من الأفضل النظر في الكتاب المقدس. ماذا يعلمنا الكتاب المقدس عن عمل روح الله وعن عمل الروح الشرير ؟
روح الله
منذ الفصل الأول، يقول الكتاب المقدس بأن روح الله هو خلاق، إنه يبعث الحياة, و…”ورأى الله أن ذلك حسن.” التكوين 1: 10
“طوبى…”: نرى من خلال تلك الدعوة في التطويبات التي تتكرر كثيراً في الكتاب المقدس، كيف يسعى الله إلى سعادة الإنسان. يفوح عطر السعادة والحب من الحياة. أستطيع معرفة الحياة من خلال كل الذي يجعلني أنفتح على الآخرين وعلى العالم.
بعض الكلمات تساعدنا على اكتشاف وجود الروح في حياتنا:
الفرح والتسبيح
الفرح الحقيقي هو ثمر الروح: “تهلل يسوع بالروح القدس” لوقا10: 21 وحين يسكن الفرح قلوبنا، يدفعنا إلى الإنفتاح على الآخرين ويعطينا فرح الحياة. والأخت التوأم للفرح هي التسبيح: أن نسبح يعني أن نفرح بالخليقة وبالآخرين وبالله ذاته، وأن نتمكن من قوله وترنيمه مثل مريم: “القدير صنع بي العظائم واسمه قدوس”. لوقا 1: 49 “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته”. المزمور 103
هل بإمكاني أن أنبهر ؟
الحب والخدمة
الحياة هي قوة حيوية، نبع متدفق. ليست خامدة ولكنها تسعى للتواصل وللمشاركة، تسعى لبذل الذلت في الخدمة، كما يعبر عن ذلك الشاعر الهندي تاغور Tagore :”كنت نائماً وحلمت أن الحياة ليست سوى فرح،
استيقظت ورأيت أن الحياة هي خدمة،
خدمت وفهمت أن الخدمة هي الفرح.”
النور والحقيقة
“من يفعل الحق يقبل إلى النور” يوحنا 3: 21
إن الروح يدعونا إلى الاستقامة، إلى تجنب كل ما هو مضطرب.
الغفران والمسامحة
“كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم” لوقا 6: 38
إن غفران الله ينتقل بالعدوى، إنه يجعلنا نريد أن ننشر المسامحة من حولنا. كم هي جميلة تلك العدوى وكم يحتاج لها العالم !
الشجاعة والقوة
إن الروح يضع في داخلنا قوة تفوقنا هي قوة الحب التي تجعلنا نتخطى الصعاب ونستلم قيادة حياتنا بشجاعة ونعمل في قلب العالم والكنيسة.
الروح الشريرة
تأتي الروح الشريرة لتعارض اندفاع الحياة ولتحاول تخريب الخليقة(؟). لنسترجع بعض الكلمات التي يستعملها الكتاب المقدس حين يتكلم عن عمل الروح الشريرة:
الكذب والخفية
“روح الشر لم يثبت في الحق لأنه ليس فيه شيء من الحق، متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذب”. يوحنا 8: 44
إنه يخدع ويشوش. إنه خبيث ! يدعو الشر بالخير والخير بالشر، ويحب ترك الأمور في الخفية: ” كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا تفضح أعماله.” يوحنا 3: 20
الإتهام والبغض
“قد ألقي متهم إخوتنا الذي يتهمهم نهاراً وليلا ً عند إلهنا.” رؤيا12: 10
نحن نعرف روح الشر حين يبث فينا روح الإتهام تجاه الآخرين وتجاه أنفسنا أيضاً حين ينتابنا اليأس وننسى أن حب الله هو أوسع بكثير من خطيئتنا.
التجربة والشك
يغرينا المجرب بالمظاهر ويجعلنا نشك بكلمة الله وبحبه. (تكوين 3: 1-6)
” حين ترى الشياطين مسيحيين يجتهدون للتقدم، حينذاك تهاجمهم و تشككهم بوضع العراقيل على طريقهم لكي يحيدوا عن الطريق” (القديس أنطوان)
الإنقسام والفوضى
هذا بالضبط ما تعنيه كلمة الشيطان. إنه ينشر الإنقسام بين البشر بالغيرة وسوء النية والشك والتنافس. إنه يسعى أيضاً لانقسامنا على ذواتنا: فلا نعود ندرك أين نحن، تمتلكنا الفوضى.
العبودية والخوف
عبودية المال والمفاخر والخمر والجنس والحجاب (amulettes?) وكل ما يستهوينا بمظهره الخارجي. والعبد ليس حراً: إنه خائف.
“ذاك كان قتالاً للناس منذ البدء” يوحنا 8: 44
بالفعل هو يأتي عن طريق الكذب والإتهام والتجربة والإنقسام والعبودية، يأتي ليخرب الإنسان. يسميه القديس اغناطيوس “عدو الطبيعة البشرية”.