نسمات روحية – مونسنيور توماس حليم
كلِمات يَسوع على الصَليب
الكلمة الخامسة
أنا عطشان
هذه أقصر كلمات المسيح التي نطق بها وهو على الصليب، فجاءت حسب الترجمة العربية في كلمتين: «أنا عطشان» ولكنها في الأصل اليوناني كلمة واحدة، قصيرة في لفظها، وعميقة في معناها. نطق بها المسيح وهو يتجرّع الآلام، فهي صراخ لجريح، استنزف الجروح كل دمه، وتحرّقت أحشاؤه بحمىّ شديدة، وهو إلى ذلك يعاني حرّ الشوق لأحبّائه. ففي الوقت الذي فيه يصارع مخلّصنا الموت وفي اللّحظات الأخيرة، نجده لا يلعن أحداً ممن صلبوه، لم يؤنّب الخائنين والخائفين من تلاميذه، لم يحتقر معذّبيه من الجنود الرومان، كما أنه لم يشجِّع مريم المجدلية، لم يتفّوه بكلمة حب للتلميذ الذي أحبه، ولا حتى كلمة وداع لأمّه الحبيبه مريم. ففي هذه اللحظات الأخيرة لم يتوجّه بأي كلمة تجاه لله. فقط كلمة واحدة خرجت من أعماق قلبه كصرخة مدوية في عالم صمّ آذانه وأغمض عينيه عن الحقيقة، خرجت هذه الصرخة من شفتيه اليابستين: “أنا عطشان”. لقد استساغ المسيح المرّ لنشرب نحن الحلو! وأعلن احتياجه لنعلن نحن حاجتنا إليه! وتوسّل للبشر الضعفاء طالباً شربة ماء، ليكون مطمح الذين يرجونه من البشر، ومعقد أمل اللاجئين منهم إليه، فقد أتعبه العطش ليروي كل ظمآن يقصد مراحمه من نهر الحياة الصافي