”إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه” – القدّيس إيريناوس اللِّيونيّ
القدّيس إيريناوس اللِّيونيّ (نحو 130 – نحو 208)، أسقف ولاهوتيّ وشهيد
ضد الهرطقات، الفصل 4
”إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنْكُم، ويُعطى لأُمَّةٍ تُثمِرُ ثَمرَه”
لقد غرس الله كرمة الجنس البشري حين جبل آدم من تراب (راجع تك2: 7) وحين اختار الآباء من بعده. من ثمّ سلّم كرمه إلى عناية الكرّامين عندما أعطى الشريعة الّتي نشرها النبيّ موسى. لقد أقام حوله سياجًا أي أنّه حدّد لهم الأرض التّي عليهم فلاحتها؛ ثمّ بنى فيه برجًا أي إنّه اختار أورشليم؛ وحفر فيه معصرة أي إنّه حضّر أولئك الّذين سينالون روحًا نبويّة. ثمّ أرسل لهم الأنبياء قبل سبي بابل وأكثر منهم من بعد السبي لكي يطالبهم بالثمار ولكي يقول لهم: “أَصلِحوا طُرُقَكم وأَعْمالَكم، فأُسكِنَكم في هذا المَكان” (إر7: 3) وأضاف: ”أُحكُموا حُكمَ الحَقّ واصنعوا الرَّحمَةَ والرَّأفَة، كُلُّ إنْسانٍ إِلى أخيه. لا تَظلِموا الأَرمَلَةَ واليَتيمَ والنَّزيلَ والبائس، ولا تُضمِروا شَرّاً في قُلوبِكم، الواحِدُ لأَخيه” (زك7: 9-10)… اغتَسِلوا وتَطَهَّروا وأَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم مِن أَمامِ عَينَيَّ وكُفُّوا عنِ الإِساءَة… تَعَلَّموا الإِحسانَ والتمسوا الحَقّ… وأَنصِفوا اليَتيم (إش1: 16-17).
إنّ النبوءات أعلاه كانت الوسيلة الّتي طلب من خلالها الأنبياء ثمار العدل. ولكن مع مكوث الشعب غير مكترثٍ بتلك النّداءات النبويّة، أرسل الله في النهاية ابنه الوحيد، ربّنا يسوع المسيح، الّذي قتله أولئك الكرّامون القتلة وألقوه خارج الكرم. لذلك أوكل الربّ كرمه – الّذي لم يعد ضمن الأسوار إنّما أصبح يشمل العالم أجمع – إلى كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه. وانتصب برج الاختيار يسطع في كلّ مكان حيث أنّ الكنيسة تسطع في كلّ مكان؛ وفي كلّ مكان أيضًا حُفِرت المعصرة لأنّ مَن يتلقّون روح الربّ أصبحوا في كلّ مكان…
من أجل ذلك، كان الربّ يقول لتلاميذه، بهدف أن يجعل منّا عمّالاً صالحين: “فاحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السُّكْرُ والقُصوفُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ كأَنَّه الفَخّ، لِأَنَّهُ يُطبِقُ على جَميعِ مَن يَسْكُنونَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها. فاسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي توجَدوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان” (لو21: 34-36)؛ وأضاف في مكان آخر: “لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم” (لو12: 35-36)..