الحضارة المفقودة-الإكليريكي مايكل وليم
الحضارة المفقودة-الإكليريكي مايكل وليم
لَقد تسلّلَتْ ذئابٌ عنيفةٌ لا رحمةَ لها لكي تسرق من حياتنا ومن نفوسنا كنوز وجواهر قيمتنا الإنسانية المتمثّلة في الحبّ والقيم والأخلاق الأدبية، لقد تسلّل الحقد والظلم والعنف داخل قلوب بشريتنا، وداخل بيوتنا وكنائسنا ووطننا، وأصبحت حضارة المحبة ضائعةً مفقودةً لا وجود لها، ولا أهمية لعيشها وسط عالم اللامحبّة واللاإنسانية. لذلك فإني
أتساءلُ:
” أين حضارة المحبّة الإنسانية، ولماذا لم تعد كائنة في الكيان البشري ومجتمعنا الدينيّ والسياسيّ والثقافيّ؟” إنَّ بشرية اليوم تتمخضُ لأنها جعلت حضارة المحبّة مفقودة، أصبح الإنسان سجينًا لأفكار ورغبات منافية لأفكار ورغبات الحبّ السماويّ. فلا قيمة للحبّ وللإيمان، لأنَّ العالم يسعى إلى هدم نفسه بنفسه، يسعى إلى خرابه، والخطأة يزدادون خطيئةً، ويلجئون دائمًا إلى تمزيق القلب الإلهيّ، الذي أحبَّنا وضحى بنفسهِ من أجلِنا. نفوسنا اليوم تتلذّذ في تعذيب تلك اليد العليا القديرة، التي خلقتنا وباركتنا وخلّصتنا من هوة الجحيم. نعم إننا نسبّبُ حزنًا عميقًا لله بسببِ قتلنا لقيمة الحبِّ والعطاءِ والبذلِ والتسامحِ، وعيشنا بمبادئ منحرفةٍ ناتجة من نفاية العنف والأهواء الأنانية الشريرة والحسد والنميمة وقتل قيمة وشأن وكرامة الآخر.
نعم بكلِّ تأكيدٍ، الشيطانُ يريد قتلَ وتبديدَ وتمزيقَ البشرية والإنسانية، وقد نجحَ بالفعل في شنِّ أبشع وأخطر أسلحته المدمّرة لحضارة المحبّة والحوار وقبول اختلافات الآخرين. فنرى العنف والقتل والإرهاب والتعصب والطائفية ينتشرون بطريقة هائلة، لدرجة أنها بدأت تذهب لقلوب وهياكل المسيحيّة ورجال الدين.
ولكن هذا لا يمنع وجود قلوب بشرية مؤمنة بالحبِّ وبحضور يسوع المسيح داخلها، قلوبٌ ترفض ثقافة العنف والتعصب والحقد لأن الإيمان بالمسيح يسوع ربنا يسيطر على كيانها ووجودها. ونعلم جميعًا أن الله محبّة، وهو يدعونا لخلق مكان مناسب لنعيش في هذه المحبّة داخل قلوبنا وكنائسنا وبيوتنا وشوارعنا ومع كلِّ إنسانٍ من حولنا.
الكثير يؤمنون بالله ولكنهم لا يعرفوه لأنهم بعيدين كلَّ البعدِ عن الحبِّ الذي بدونه لا نقدر أن نعرف الله، فالله لا يُحِبُّ الحقدَ والتطرّفَ الدينيّ والأخلاقيّ، بل يريد من قلوبنا أن تتجه إلى تجسيد هذه الحضارة الضائعة اليوم “حضارة المحبة”، أن نرفض كلّ شرٍّ وطائفية ونذهب إلى نهر الحبّ الفياض الذي تفيض ينابيعه تحت أقدام المصلوب. يجب أن نرجع إلى الحبِّ، ونترك كلَّ قساوةٍ وتجبرٍ يتعارضان مع هذا الحبِّ.
فلنبدأ الآن في بناء حضارة الحبِّ التي نحن في أوج الحاجة إليها، ولنقول كفى، كفى تعصبًا وحقدًا وكراهيةً.
علينا أن نضمّد جراح البشرية المتألمة وننشر الحبَّ فنكون حقًّا رسل المسيح هنا على الأرض وهناك في السماء سماء الحبّ التي لن يدخلها إلاَّ من توّج بالمحبة حياته على الأرض، وكان أداةً وعلامةً حيّةً على حضور المسيح المحبّ والوديع والمتواضع القلب.