كتاب مُرشِد خادم المرحلة الإعداديّة – مقدّمة تربويّة
كتاب مُرشِد خادم المرحلة الإعداديّة
مقدّمة تربويّة
إن الحبّ هو فعل يتمّمه المُحبّ لصالح مَن يحبّه، فإذا كُنت عزيزى الخادم تؤمن بهذه الحقيقة، فما عليك إلاّ أن تضعها موضع التنفيذ، عن طريق الإلمام الجاد بالظروف المحيطة بالمخدومين فى مجال الحياة العائليّة والنفسيّة وخصوصاً خصائص السنّ…
وهنا سنقدّم بعض الحقائق التى توصلّ إليها علم النفس، بصورة موجزة، تخصّ هذه المرحلة التى تمتدّ من عمر أحد عشر عاماً حتّى الثامنة عشرة عاماً، مع التركيز على الفترة من 11 – 15 سنة. وهى ما نُطلق عليها مرحلة المراهقة المبكّرة.
والمراهقة بصورة عامّة بمرحليتها المبكّرة والمتأخّرة هى مرحلة من النموّ، وهى انتقال من الطفولة إلى الرُشد، وكلمة مراهقة فى اللّغات الأجنبيّة مشتقّة من الفعل اللاّتينى Adolescere ومعناها التدرّج فى النضج الجسمى، والعقلى، والانفعالى، والاجتماعى. أمّا فى اللّغة العربيّة فالمراهق هو الغلام الذى قارب الحلم (=مرحلة البلوغ)، ومن السهل تحديد بداية المراهقة لكن من الصعب تحديد نهايتها، ويرجع ذلك إلى أن البداية تكون بظهور علامات النضوج الجسمى، مثل التغّير فى الصوت، وظهور الشعر فى أماكن مختلفة، ونموّ العظام، ونموّ الأعضاء الجنسيّة.. وممّا هو ثابت علميّاً وجود اختلاف واضح بين الأفراد فى هذه المظاهر، قد ترجع إلى الوراثة والنوع والبيئة والتغذية…إلخ.
ويجب أن يراعى الخادم والمربّى ما ينتاب المخدومين فى هذه الفترة من مظاهر القلق، وعدم الاستقرار، بسبب مظاهر النموّ الجسمى، وقد تصل مظاهر القلق إلى حدّ الشعور بالصدمة، خاصّةً لدى الفتيات.
ولا بدّ من النظر إلى مرحلة المراهقة نظرة إيجابيّة، باعتبارها ميلاد جديد، حيث تتفتّح القدرات وينمو ذكاء المخدومين، ويتحوّل تفكيرهم من “العيانيّة”، أى ما يقع تحت الحواس فقط إلى التجريد، ويتجاوز تفكير المخدومين حدود الواقع الملموس الضيّقة، إلى آفاق التجريد الأرحب والأوسع، فهو يفكّر فى الابتكار ويحلم بالإبداع، ولكن بسبب نظام التعليم والحفظ والإمتحانات تتعطّل هذه القدرات.
ومن إيجابيّات المراهقة ما يجلبه نموّ الجسم من طاقة، وما يجلبه النموّ العقل من قدرة على المعرفة، والاستيعاب، وتنوّع الميول، وخصوبة الفكر.
وفى البدايات الأولى من مرحلة المراهقة قد يكون هناك ميل عاطفى تجاه نفس الجنس، فنجد فتاة صغيرة فى سنّ 12 سنة تميل عاطفيّاً لإحدى الخادمات، أو فتى يتعلّق بخادم ويتّخذه مثلاً أعلى أو يقلّده، وهذا مقبول فى هذه المرحلة، لأن هذا الارتباط العاطفى بنفس الجنس يساعد المخدومين على عبور مرحلة الطفولة، وتجاوز الارتباط الطفولى بالوالدين، والتطوّر الطبيعى لهذا التعلّق العاطفى هو الإتّجاه نحو الجنس المختلف بعد فترة، حيث تبدأ علاقات الصداقة بين الجنسين، ويسود هذه العلاقة رومانسيّة بريئة، ولا تكون لهذه المرحلة صفة الاستمرار.
وعلى الخدام الانتباه للتطوّر العاطفى للمخدومين، ولا يسجنوا أفكارهم فى سجن “الحرام والحلال”، بل يهيئوا جوّاً من البساطة والشفافيّة بينهم وبين المخدومين، وبين المخدومين، وبين المخدومين بعضهم ببعض.
ومن الأمور الطبيعيّة أن يهتمّ المراهق بالجنس، ويسعى للمعرفة فى هذا المجال، ولكن ليس من الحكمة أن نستعرض اهتمامنا أو نتباهى بمعلوماتنا عن الجنس، ويسعى للمعرفة فى هذا المجال، ولكن ليس من الحكمة أن نستعرض اهتمامنا أو نتباهى بمعلوماتنا عن الجنس، وليس من الحكمة الحديث عن الجنس فى لقاءٍ مختلط، بل كلّ جنس على حدة، حتّى تُتاح للجميع فرصة التساؤل والناقشة، وكذلك حتّى لا تيسرّب إلى أذهان المخدومين أنهم طالما تناقشوا فى مثل هذه المسائل بحريّة، كان بإمكانهم أن يمارسوها بحريّة.
وعلينا أن نعرف بعض الحقائق التالية عن المراهقة:
- يتميّز المراهقون بزيادة الطاقة الانفعاليّة التى تصطدم بالموانع فى المجتمع، مما يقوّى نزعة العدوان والعناد، وممّا يُزيد من هذه الظاهرة أن المراهق لم يبلغ بعد درجةً كافيةً من النموّ العقلى الذى يمكّنه من السيطرة على الانفعال.
- إن ازدياد النموّ والطاقة البدنيّة، والاقتراب من النضج الجنسى يُدعّم الرغبة فى الاستقلاق والتخلّص من الاتّكال على الأسرة فكريّاً واقتصاديّاً…
- يُصاحب التغيّرات الجسميّة تقلّبات فى المزاج، فيتأرجح مزاج المراهق بين الفرح، والأمل، والانقباض، واليأس، وتكثر أحلام اليقظة التى تتناقص مع الواقع.
- تظهر المراهق علامات الاعتداد بالنفس والعناية بالمظهر وطريقة الكلام، ويزداد احساسه بذاته مما يجعله أكثر تأثّراً بكلام الغير.
- يتاثّر المراهق كثيراً بالعلاقات العائليّة، لدرجة أن تكرار المشاجرات بين الابّ والأمّ قد يؤخّر نموّه الانفعالى واتّزانه، كذلك استمرار الوالدين فى معاملته كطفل يحتاج إلى إرشاد دائم، والسيطرة عليه وإلزامه بالخضوع لآراء والديه… كلّ هذا يُوثّر تأثيراً ضاراً على اتّزان شخصيّته وردود أفعاله.
- فى الطفولة يكون المخدوم مؤمناً بالعقائد والطقوس الدينيّة، وفى المراهقة يحاول أن يناقش هذه الأُمور ويتساءل عن الأسباب وعلاقتها ببعض، وفى نفس الوقت يحاول أن يقلّل من ممارسة الطقوس وقد تنتابه موجة من الشكّ، وهذا طبيعى لأن المراهق يستعمل عقله النامى، لكن المشكلة تكون أسوأ عندما لا يستطيع المراهق أن يعبّر عن تساؤلاته، أو شكوكه خاصّة إذا كانت البيئة متزمّته، فيشعر بغثم لشكّه، فيّظهر غير ما يُبطن.
- يتمرّد النراهق على الأوامر والنواهى ولاضغوط الاجتماعيّة عليه، لذلك لا بدّ من الإقلاق منها، حتّى لا يندفع فى اتّجاه التمرّد والخروج على السُلطة.
- لكى نساعد المراهق على النموّ، لا بدّ أن نساعده على التحرّر من التبعيّة الطفليّة، والاتّكال على الوالدين والمربيّين، وتخفيف اعتماد المراهق عليهم وتعلّقه الشديد بهم، وأن يسمحوا له بنوعٍ من تحمّل المسؤوليّة المتدرّج، وهذا يُزيد من إحساس المراهق بالأمن والطمأنينة، ويساعده على اكتساب المهارات التى تفيده فى حياته المستقبليّة.
- لا بدّ من تشجيع المراهق على الإفصاح عن آرائه، وتقليل النصائح التى نوجهها إليه، وكذلك مساعدته على ضبط النفس والتكيّف مع المواقف الاجتماعيّة المختلفة، ويمكن القيام بهذا عن طريق تشجيع المراهق على تحليل موقفه، ومواقف الآخرين، حتّى يتبيّن السبب والنتيجة للمواقف الخاطئة، وبالتأكيد هذا يتطلّب حواراً هادئاً.
- تزداد قدرة المخدومين، فى هذه المرحلة، على الانتباه والتركيز مدّة أطول من الأطفال وفهم علاقات أكثر تعقيداً، وتنمو لديه القدرة على التخيّل، وينمو لديه التفكير المجرّد والمفاهيم المعنويّة مثل الخير والفضيلة والعدالة، ويزداد لديه فهم الرموز والتجريد.
كلمة أخيرة: إن النعمة تفوق الطبيعة، لكنّها لا تستغنى عنها، النظام الفائق للطبيعة يسمو بالقوى الطبيعيّة، لكنّه لا يبطلها. مَن يريد النجاح فى رسالته التربويّة يلزمه أولاً أن يعرف أصول رسالته، فالتربية ليست ارتجالاً، إنها علمٌ وفنٌ، لها مبادئ وقواعد ومعلومات محدّدة ومهارات خاصّة، ولا تكفى هنا النيّة الطيّبة رغم ضرورتها.
إن الخدمة الأمينة لرسالة التربية تتطلّب:
- إمتلاك الحسّ، والغدراك السريع للرغبات والاحتياجات وردود الفعل الكامنة لدى الأطفال.
- معرفة الاستجابة لها بأقوالٍ وأعمالٍ وقرارات ملائمة.
- معرفة الأساليب الكفيلة بخلق جوّ واضح ومرح وجذّاب.
- إمتلاك حصيلة وافرة وعمليّة من الأنشطة والاعمال، مع القدرة على جعل الأطفال يقومون بها.
- قيادة مختلف الأنشطة التربويّة بطريقة حيّة ومرحة.
وفى هذا كلّه توجد معلومات ومهارات محدّدة لا يمكن اكتسابها بين ليلة وضحاها.
وللحصول على الكفاءة المطلوبة، لا بدّ من التدريب على التفكير، والتميّيز والمقارنة، والأطلاع، والدراسة، والاستشارة، والتجاوب الدائم مع النفوس التى نتعامل معها.
لا شكّ أن التربية ليست مجرّد معرفة مكتبيّة، فكثيرة هى الأمور التى لا يمكن إدراكها واستيعابها إلاّ بالخبرة والممارسة. ومع ذلك يلزم الاعتراف أنه من الغرور الخطيرة الادّعاء بإمكانيّة اكتشاف قواعد سيكولوجيّة الاطفال دون بحثٍ ودراسة، خاصّة وقد حدث تقدّم كبير وتطوّر عظيم فى هذا المجال بين علماء عصرنا؟
إن المهندس الذى لا يطّلع على أخبار التقدّم التكنولوجى، والتطوّر العصرى فى مهنته، مهدّد بالتخلّف الخطير عن تقدّم العلم فى مجال تخصّصه. وهكذا من يشترك فى رسالة خدمة التربيّة، يلزمه أن يزداد علماً ومعرفةً بما يحقّقه التقدّم العصرى من خطوات جديدة فى مجال رسالته هذه. عليه أن يشترك فى لقاءات دراسيّة، وخصوصاً عليه أن يقرا، والقلم فى يده، الكتب والمجلاّت المتعلّقة بهذه الرسالة، فاللّه يصنع المعجزات من خلال اجتهادنا وابداعنا.