تاملك 19-2-2019
مز53
1قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلهٌ». فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا. 2اَللهُ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ 3كُلُّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.
4أَلَمْ يَعْلَمْ فَاعِلُو الإِثْمِ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الْخُبْزَ، وَاللهَ لَمْ يَدْعُوا؟ 5هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ، لأَنَّ اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ. أَخْزَيْتَهُمْ لأَنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَهُمْ. 6لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ إِسْرَائِيلَ. عِنْدَ رَدِّ اللهِ سَبْيَ شَعْبِهِ، يَهْتِفُ يَعْقُوبُ، وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ.
مطلوب قراءة اصحاح 2 من سفر يونان
تأمل
تناقضات يونان ومأساته:
أراد صاحب سفر يونان أن يعرض على قرائه تناقضات بيئته. انه لا ينتقد قوميتهم الضيقة فحسب بل ديانتهم الخاطئة. إن مأساة يونان هي مأساة إنسان مؤمن في صراع مع نفسه ومع العالم.
يقول يونان على ظهر السفينة: “أنا عبراني، وإني أتقي الرب”. يشدد يونان على المسافة التي تفصل اليهود عن الوثنيين المثركين. ان ك.لمات يونان تحمل إلى ذهننا كلمات القديس بولس في الرسالة إلى أهل رومة: “فإذا كنت انت تدعى يهودياً، وتعتمد على الشريعة، وتفخر بالله، وتعرف مشيئته، وتميّز ما هو الأفضل بفضل تلقنك الشريعة، وتوقن انك قائد للعميان ونور للذين في الظلام ومؤدب للجهال ومعم للسذج، لأن لك في الشريعة أصول المعرفة… افتعلِّم غيرك ولا تعلم نفسك؟” (روم 2/17- 21). يعيش يونان هذا التناقض، فهو بيما يعترف بإيمانه ويشهد لربه، ينسى انه يتمرد على الله ويهرب من وجهه. إن هذه التناقضات في يونان تحمله على تمني الموت والاستسلام له.
رأفة الله:
لا يقوم الصراع الأساسي بين ايمان يونان ومواقفه الخارجية كما استنتجنا منذ قليل، بل في صلب معرفته لله. فإن معرفة الله هي أمر مقبول ومرفوض في الوقت نفسه. إن يونان يعترف أمام الرب شاهداً: فإني علمت أنك إله رؤوف رجم طويل الأناة وكثير الرحمة ونادم على الشر” (4/2). إن يونان يصيب جوهر الله وعمله. إنه يعترف ان القوة والعدل والقداسة لا تشكل كلمة الفصل في الله، بل الرأفة والرحمة. ولكن يونان يقع في التناقض، فإن كان الله هو إله الرأفة والرحمة، فكيف لا يكون رؤوفاً رحيما متجاوزاً حدود اسرائيل وواصلاً حتى إلى أعداء اسرائيل؟ إنه السؤال الذي يضعه في حيرة من أمره وتناقض مع نفسه.
خط التقوقع:
لماذا يرفض يونان ويهرب ويتمرد؟ لأن يونان يمثل بيئة وديانة، يمثِّل شعباً يتقوقع على نفسه مستسلماً إلى نوع من الوثنية. فالمؤمن الحقيقي هو الإنسان الذي يدع الله ينسج خيوط حياته طارداً من قلبه أشكال الأوثان المختلفة. يتطلب الاعتراف بالله والخضوع لعمل الله وإرادته حتى ولو تجاوز الله رؤانا البشرية المحدودة: علينا أن نفكر بذبيحة إبراهيم وبصراع أيوب كي نفهم صراع يونان الرافض. يمثل يونان جاعة أورشليم التقية والدؤوبة الواعية لمسؤوليتها في التاريخ والمحامية عن هويتها ضد كل غريب. لكن هذا الموقف الشرعي قد يغلقها ويغلق الله في برج عاجي. إن سفر يونان هو انتقاد لمثل هذه الانطوائية ولمثل هذا التقوقع.
الايمان: الانفتاح على رأفة الله:
إن يونان هو إنسان يهودي، ومشكلة اليهودي هي واحدة: مشكلة الله. ولا نعني بذلك مشكلة الله في معناها الفلسفي. إن يونان لا يشك في وجود الله ومشكلته هي على العكس من ذلك: إن وجود الله هو سؤال مطروح على طريقة عيش يونان. يطرح سفر يونان هذا السؤال الوحيد: هل يقبل يونان أن يوجَد الله كما هو وكما عرَّف عن نفسه؟ هنا تكمن مأساة يونان الحقيقية مع الله. وإن قبلنا بالخلفيات الكتابية لسفر يونان، بدا نقده لاذعاً إلى أقصى الدرجات. يتسم يونان بسمات قايين الحسود والقاتل، وبسمات شعب عاص وكافر، وبسمات شعب متمرد لا ينصت إلى نداء الأنبياء. وبكلمة، إن يونان هو إنسان أعمى لا يرى ان مواقفه لا تختلف عن مواقف الوثنيين: يونان، وهو رمز اسرائيل، هو الخطيئة. واختياره يتأصل في حب الله المجاني له ويفترض خلاص الأمم. وقد يكون اسرائيل اسوأ من الوثنيين، لأن يونان الرافض خلاص الوثنيين هو مثل قايين الذي يقتل أخاه. ومن لا يريد خلاص أخيه يقتله. إن كان هذا التحليل صحيحاً، فإن سفر يونان هو انتقاد لعصبية يهود بعد الجلاء الذين رفضوا إله الخروج وإله سيناء. فسفر يونان هو إذا تأوين لرؤية في سيناء: إن إله اسرائيل هو إله الرأفة والرحمة لكل الناس على الاطلاق