”كل الناس تبحث عنك” – الأب وليم سيدهم
توافدت الجموع على يسوع، حملوا له كل المرضى من كل نوع لشفاءهم، فشفى مرضاهم وطرد الشياطين ثم اختفى من بينهم وذهب في الفجر إلى مكان منعزل ليصلى.
لقد كانت صلاة يسوع إلى الآب منهجًا يوميًا لم يستسلم يسوع لتجربة الاستماع الى الجموع بالبقاء معهم، إن رسالته واضحة “توبوا، قد اقترب ملكوت السموات” (متى 3 :2) لم يكن يسوع يحتاج إلى الرضى عن نفسه بسبب توافد الجموع عليه. إن علاقته بالجموع لم تكن علاقة عاطفية سياسية، علاقة تبحث عن تسويق لسلطته. كانت علاقة حب وتضامن من الذى ظهر في الجسد لتربية شعب الله على الإعتماد على نفسه وأخذ حياته بيده والتطلع إلى السماء لتقديم واجب الشكر والإمتنان لمن أعطى ومازال يعطى من وقته ومن كيانه للآخرين.
نحن نقيس نجاح الشخص السياسي بحجم جماهيريته أو نجوميته، ولكن يسوع يقيس نجاح رسالته وشخصيته بحجم الذين يتوجهون إلى الآب مثله ويعترفون بفضله وينهلون من رحمته.
وفي تربيته لتلاميذه كان يذكرهم بأن نجوميتهم لا تكمن في عدد المريدين ولكن برضاء الآب عنهم، هناك فرق، فمن له العروس هو العريس كما قال يوحنا.
تعتبر الكنيسة أن المسيح هو عريسها وهو أساس شرعيتها ويرفع يسوع الكنيسة التى أسسها إلى الآب السماوى لتتقدس بإنتمائها إلى الآب والابن والروح القدس.
لقد كان يسوع يعلم أن حياته على الأرض قصيرة حوالى ثلاثة وثلاثون عامًا لذلك كان عليه أن يذهب إلى “مدن أخرى ” في أورشليم، فالعبرة ليست في مدة الإقامة مع جموع الشعب الفقير بل العبرة في قبولهم رسالة يسوع أن يتحرروا من وهم أن الله سيأخذ مكانتهم ويعيش قراراتهم ويأخذوا مقاليد حياتهم في ايديهم ، العبرة أن يتعلموا ويعلموا أن الله يحبهم حبًا جمًا، وألا يخافوا من التعبير عن أنفسهم بكرامة وندية وثقة في عون الله لهم في كل عمل صالح.
حينما فرح التلاميذ بمعجزة كسر الخبز وأدركوا أنهم رفقاء لشخص يصنع المعجزات، أمرهم يسوع أن يسرعوا وبركبوا القارب ويتركوا الجموع فليس الوقت وقت للافتخار والكبرياء وتثبيت المكانة، إنه وقت ثمين، وقت نشر البشارة في كل ربوع فلسطين ودعوة أكبر عدد من سكان القرى والمدن الفلسطينية للإلتحاق بسفينة النجاة التى لا تتوقف عن المسير في عباب بحر العالم معلنة : “توبوا، قد اقترب ملكوت السموات” (متى 3 :2).
إن الرسول اليوم ليس من تسير وراءه الجموع ولكن من يحرر هذه الجموع ليسير كل واحد وواحدة منها على خطى الله، خطى المسيح، وحين تتغير هذه الجموع وتتحرر من ثقافة القطيع يستطيع كل واحد فيها أن يصير مسيحًا آخر لآخرين في هذا العالم المتسع الذي فارقته روح الله وركبه روح الشيطان، روح المال وشهوة الغنى بعد هذا التحرر الفردى والجماعى، وإطلاق طاقاتهم المعطلة، بعدها فقط تصبح الجموع علامة رجاء، علاقة قوة، علاقة حضور الله في العالم في مؤسساتنا وفي بيوتنا وحقولنا ومصانعنا.
إن ثقافات القطيع الذى يذهب إلى الانتخابات مقهورًا أو مأمورًا بقول نعم للدكتاتورين والبلطجية والمأجورين، علينا أن نغيرها ونستبدلها بثقافة الأحرار المحبوبين لذواتهم من الله وليس لأصواتهم المفخخة في الانتخابات.
حينها سنرفع ايدينا كجموع معًا ونقول بحق “أبانا الذى في السموات، ليتقدس اسمك ليأتى ملكوتك”