البابا فرنسيس: لنصغِ إلى صرخة الناس
10 مايو 2019
في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران في روما شجّع البابا فرنسيس أبرشيّة روما على اتباع الهامات الروح القدس وعلى تقديم التطويبات كجواب لصرخة المدينة.
موضوعان أساسيّان ركّزت عليهما أبرشيّة البابا فرنسيس خلال مسيرتها الراعوية لهذا العام: الذكرى والمصالحة، وفي ختام المسيرة التي بدأتها الرعايا خلال زمن الصوم حول موضوع: “الإصغاء إلى المدينة”، إلتقت الرعايا راعيها في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران واستمعت إلى كلمات الاب الأقدس الذي وبفضل إرشاداته وعنايته سيتمُّ وضع الأسس للمراحل المستقبليّة.
استهلّ البابا فرنسيس كلمته متحدِّثًا عن التجربة الأولى وهي تنظيم الأبرشيّة والرعايا وقال يشكّل هذا الامر عودة إلى النظر إلى أنفسنا وإلى داخلنا. ربما نكون قد نظّمنا كلَّ شيء ولكن هذا الأمر يعني إخضاع قلوب الناس والشباب وإخضاع العائلات وستكون عندها الخطيئة الأعظم لأنها خطيئة روح العالم. إن الأمر لا يتعلّق بالتنظيم وبالتالي لا يجب أن نخاف من عدم التناسق أو عدم التوازن، لأنّ هذا ما يقوله لنا الرب. أنظروا مثلاً إلى التطويبات هي تستحق جائزة نوبل لعدم التوازن. وذكّر البابا في هذا السياق كيف غضب الرسل عندما مال النهار وكان الناس لا يزالون يستمعون إلى يسوع فطلبوا منه أن يرسلهم إلى بيوتهم، وهذه هي تجربة عدم التوازن، واعتقد أن هناك بدأت تجربة الإكليروسيّة: ليذهبوا… فيكون عندنا هكذا أبرشيّة نظامية وعمليّة. صحيح نحن ننظم لقاءات كثيرة ولكن لا يجب أن ننسى أنّه لكي يكون هناك سينودس نحن بحاجة للروح القدس الذي يأتي ويقلب المعايير.
تابع الأب الأقدس يقول ماذا يطلب الناس من الرب؟ غالبًا ما لا نسمع الأشخاص نحن أيضًا لأننا توقّفنا عن الإصغاء بالقلب فنصبح هكذا أصمّاء على صرخة المدينة. وحث البابا في هذا السياق المؤمنين لكي يعيدوا قراءة كلمته التي وجّهها للمشاركين في المؤتمر الكنسي في فلورنسا في العاشر من تشرين الثاني لعام ٢٠١٥ والتي مع الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل تعبّر عن مخطط الكنيسة لروما ولإيطاليا بأسرها. وقال هناك عنصران ينبغي علينا أن ننطلق منهما مجدّدًا وأولهما التواضع، لأنّه عندما يريد الرب أن يحوّل كنيسته يأخذ الأصغر ويضعه في الوسط ويدعو الجميع ليصبحوا بدورهم صغارًا ويتواضعوا على مثاله. إن إصلاح الكنيسة يبدأ بالتواضع وينمو مع الإهانات. هكذا يحبط الرب كل طموح عظمة قد يسيطر علينا، لأنّه وحده الذي يتبع يسوع ويصبح كالطفل بإمكانه أن يساهم في ملكوت الله، أما الذي يبحث عن مجده الخاص فلن يتمكن من التعرّف على يسوع في الصغار لأنه لا يملك آذانًا ولا عيونًا للآخرين. فالويل لمن يحتقر أو يزدري الصغار، حتى عندما تكون تصرفاتهم بعيدة عن الإنجيل لأنّه لا يوجد شيء يمكنه أن يبرر احتقارنا لهم.
أما العنصر الثاني تابع الحبر الأعظم يقول فهو اللامبالاة، وتساءل في هذا السياق هل لدينا مصالح شخصيّة نحن الحاضرين هنا في هذا المساء؟ على سبيل المثال هل يقلقنا مستقبل معهدنا أو إجماع الرأي الاجتماعي، أو ما سيقوله الناس عنا؟ هل نحن متعلِّقون بالسلطة التي نمارسها على الأشخاص في حيِّنا؟ إنَّ الروح القدس لا يفهم التوازن. إنَّ اللامبالاة وعدم الاهتمام بأمورنا وبذواتنا هو الشرط الضروري للاهتمام بالآخرين والإصغاء إليهم فعلاً. إنَّ الراعي الصالح يترك التسعة والتسعين خروفًا ليذهب بحثًا عن الخروف الضائع، أما نحن فغالبًا ما نكون مهووسين بالخراف القليلة التي بقيت في الحظيرة ونقضي وقتنا في تمشيط صوفها. ليعطنا الرب شجاعة من لا مصالح له وينظر بمحبّة إلى حياة الآخرين.
بعدها تحدّث البابا فرنسيس عن التطويبات التي تشكّل رسالة مسيحيّة وإنما إنسانيّة أيضًا، تجعلنا نعيش ونسير قدمًا، واختبارها يعني أننا تعلّمنا أين تكون الحياة الحقيقيّة، لأن التطويبات تجرّدنا وتجعلنا خفيفين في إتباع يسوع الذي يطلب منا ألا نكون حجر عثرة للصغار. كذلك يمكننا أن نقدم درب التطويبات للأشخاص الضعفاء لأننا قد اختبرناها أي لأننا اختبرنا الفرح والرحمة وحياة العائلة حيث يتمُّ قبولنا بما نحن عليه. وذكر البابا في هذا السياق بكلمتين بدأتا بالانقراض: الوداعة والحنان، وأضاف إن التطويبات لم تصبح بعد نقطة قوّتنا ولكن علينا أن نقدّم لمواطنينا نقطة قوّة الإنجيل، وبالتالي لا يجب أن نقع في اللامبالاة ولا حتى في الادعاء لكي لا نسمع كلمات يسوع: لست بحاجة لكم.
تابع الأب الأقدس مؤكِّدًا أن الإرشاد الرسولي “إعلان الإنجيل” والإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” هما الوثيقتان اللتان ينبغي العودة إليهما وشدّد على نقطتين تشكلان الواجبين اللذين يوكلهما إلى أبرشيّته: الأول النظر بشكل تأمُّلي إلى الأشخاص الذين يعيشون في المدينة لنفهم كيف يعيشون وبماذا يشعرون وبماذا يفكّرون فنجمع هكذا قصص حياة ونلمس الواقع الذي يعيشونه. من ثمّ، وهذا الواجب الثاني، النظر بشكل تأمّلي إلى الثقافات الجديدة التي تعيش في المدن، لأن الأطر الحَضَريّة هي التي تنتج ثقافات جديدة في الخير كما في الشر كالفساد والمخدرات والاستغلال والتمييز. وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول تنبهوا جدًّا من التمييز الذي بدأ ينمو في أوروبا ويزرع الخوف لأن هناك الكثير من الأمور الجميلة في المدن والعديد من اللقاءات بين الأشخاص والمجموعات. وليبارك الرب إصغاءنا إلى المدينة.
نقلا عن الفاتيكان نيوز