«مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني» – القدّيس أوغسطينُس
القدّيس أوغسطينُس (354 – 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة
العظة 96
«مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني»
إنّ ما أوصى به الربّ: “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَليَزهَدْ في نَفسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني” يبدو قاسيًا ومؤلمًا. لكنّه في الحقيقة ليس كذلك، لأنّ الذي أوصى هو الذي يساعد على تحقيق ما أوصى به. وإذا كان صحيحًا كلام المزمور: “بِحَسَبِ كَلامِ شَفَتَيكَ لَزِمتُ الطُّرُقَ الصّعبة التي فَرَضتَها” (مز17[16]: 4)، فكم بالحري يكون صحيحًا أيضًا كلام الرّب يسوع: “لأنَّ نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف” (مت 11: 30). لأنّ كلّ ما هو قاسٍ في الوصيّة، يجعله الحبّ خفيف الحمل. نحن نعرف ما هي العظائم التي يمكن للحبّ أن يجترحها. في بعض الأحيان، يكون الحبّ منحرفًا ومنحلاًّ؛ لكن كم من مشقّات وصعوبات يعانيها الناس وكم من معاملة سيّئة يقاسونها في سبيل الوصول إلى ما يحبّون!… فإذا كانت طبيعة الحياة تقضي بحسن اختيار ما يجب أن نحبّ، فهل يكون مدهشًا أن يتمكّن ذاك الذي يحبّ يسوع ويريد اتّباعه من التخلّي عن نفسه ليحبّه؟…
ما معنى هذه الوصيّة: “فَليَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني”؟ فليتحمّل ما هو مؤلم وليتبعني. لأنّ أيّ إنسان يبدأ باتّباعي من خلال التقيّد بوصاياي، سوف يواجه الكثير من الأشخاص الذين سيخالفونه الرأي ويعاكسونه ويثبطون عزيمته. وذلك من قبل الأشخاص الذين يدّعون أنّهم رفاق الرّب يسوع المسيح. كانوا يمشون مع المسيح، أولئك الذين كانوا يمنعون العميان من الصراخ (متّ20: 31). إذا أردت أن تتبع المسيح، لا تعبأ بالتهديد ولا بالإطراء ولا بالممنوعات. حوّل هذا كلّه إلى صليب؛ تحمّل ولا تشعر بالإرهاق.
صحيح أنّك تحبّ العالم، لكن عليك أن تفضّل مَن خلق العالم… نحن في عالم مقدّس، وصالح، ومخلَّص؛ أو بالأحرى عالم يجب أن يُخلَّص لكنّه مخلَّص منذ الآن بالرجاء… “لأنّنا في الرجاءِ نِلْنا الخَلاص” (رو8: 24). في هذا العالم إذًا، أعني في الكنيسة التي بكليّتها تتبع الرّب يسوع المسيح، قال هذا الأخير للجميع: “مَن أرادَ أن يَتبَعَني، فَلْيَزهَدْ في نَفسِه”.