لماذا لا يصوم تلاميذ؟ – الأب وليم سيدهم
لماذا لا يصوم تلاميذ؟
ليست هذه أول مرة يقارن الناس بين تلاميذ يوحنا وتلاميذ المسيح، لا بل نرى تلاميذ المسيح أنفسهم يحاولون تقليد تلاميذ يوحنا «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ». (لو 11: 1-10) ، وإن دل هذا على شيء فهو يدلنا أن يوحنا المعمدان كان له تلاميذ يختلفون عن تلاميذ يسوع، وأن الجماعتان إتحدتا معًا لتكون جماعة واحدة هي جماعة “تلاميذ يسوع” ولا غرابة في هذا لأن يوحنا نفسه ذكر أكثر من مرة أنه ليس المسيح وإنما هو “صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً.” (مر 1: 3)
وهذه المرحلة من تطور رسالة يسوع المسيح تدلنا على أن الإهتداء إلى المسيحية مرَّ بمراحل مختلفة تحترم الواقع والسياق التاريخي لظهور دعوة المسيح.
أما بخصوص الصوم فهو شعيرة منتشرة في كل الأديان مغزاها هو التحرر من قيد المادة من أكل وشرب للتقرب من الله ولتمييز الإنسان عن بقية الحيوانات. فالحيوان لا يدرك أن “فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.”(متى 6: 4) فالمطلوب في الصوم ليس إستعراض القوة ولكن هو التقرب إلى الخالق وطلب نعمته، فالحيوان لا يفرق معه أن يأكل قدام الناس أو أن يختبئ ليصوم قدام الله.
ويقدم يسوع نفسه للفريسيين على أنه (العريس) وأن حضوره بين تلاميذه كحضور أهل العريس إلى العروس، فالعُرس لا يتم بالصيام بل بالمشاركة في المائدة وشرب نخب الفرح ثم يضيف يسوع في رده على الفريسيين “وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ».” (مر 2: 22) لقد مضى عهد الصيام الموسوي جاء العهد الجديد بمفهوم جديد للصيام، ليس الغرض منه إرضاء الفريسيين ومعلمى الشريعة ولكن هدفه الفرح مع المسيح عريس العهد الجديد، ولا يمكن أن يصوم أهل العريس في حضور العريس.
حينما يحضر العريس يكون الفرح كامل وبالتالي تقتصر حياة التلاميذ على تعلم الطرق والسبل التي تجعل من حضور المسيح حضورًا دائمًا ولكن ستأتي أيام “يُرفع فيها العريس” هنا يصوم المؤمن ويمتنع عن شهوة الأكل وغيرها من الشهوات التي تتنافى مع السجود والصيام لتشرق طلعة العريس مرة أخرى على من يرزحون تحت ضغوط العالم وشروطه ومن يصلون الليل بالنهار لكى يصل ملكوت الله إلى أخوتهم وأخواتهم في هذا العالم المحكوم بطغمة من القتلة والجلادين.