إذا لم تغير العقيدة المسيحانية حياتك، يعني أنك لم تفهمها بعد!
العقائد المسيحية تبدو أحيانًا أفكارًا للفلاسفة وللاهوتيين وحسب، ولكن بالحقيقة، هي أمور تلمس حياتنا اليومية ونوعية علاقتنا بالرب. هذا ما يمكننا استخلاصه من عظة الأب رانييرو كانتالامسا أمام البابا اليوم في معرض العظة الرابعة بمناسبة زمن الصوم التي يتلوها واعظ الدار الرسولية كل يوم جمعة من أيام الصوم.
يمكننا أن نتقرب من يسوع للتعرف عليه بأساليب عديدة. يمكننا مثلاً أن ننطلق من الكتاب المقدس، وهنا أيضًا يمكننا أن نتبع طرقًا عدة:
– نتبع يسوع في تحقيقه لنبوءات العهد القديم (وهذه الطريقة التي اتبعتها الكنيسة الأولى)
– نتبع يسوع في سبيل التاريخ ونمو الإيمان بالمسيح في التقاليد المختلفة.
كما ويمكننا أن نتقرب من يسوع انطلاقًا من خبرة إنسان اليوم، من حاجاته، ومن خبرته للمسيح، ومن ذلك الرجوع إلى الكتاب المقدس.
وهناك أيضًا درب العقيدة. أي العقائد التي حددتها الكنيسة مع الزمان، مستندة على الكتاب المقدس، للتعبير عن الحقائق المسيحانية، أي المتعلقة بيسوع المسيح. التحديد الأهم هو أن يسوع هو إله حق وإنسان حق وهو شخص واحد.
وقد اختار الأب رانييرو كانتالامسا القديس لاوون الكبير للكلام عن تعليمه وتعمقه الكبير في سر المسيح. فهذا البابا العظيم هو الشخص الذي وجد نفسه على نقطة لقاء تيار اللاهوت الشرقي واللاهوت الغربي. أي لاهوت الآباء اليونان والآباء اللاتين. وعبقرية مقاربته تكمن في أنه لم يكتف بترداد الصيغ السابقة، بل حاول إعادة صياغتها والتعبير عنها لكي يبين أهميتها وآنيتها بالنسبة للزمن الحالي. من هنا رسالته المطولة الشهيرة المعروفة باسم “Tomus ad Flavianum “: كتاب إلى فلافيانوس.
سنقدم هنا ملخصًا أساسيًا لما يقوله البابا لاوون الكبير:
– إن شخص يسوع المسيح هو شخص الكلمة، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس. فمن أضخى بشرًا هو عينه خالق البشر.
– الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية هما موجودتان في كيان يسوع المسيح دون أن يكون هناك مزج بينهما، بل تحافظ كل منهما على طبيعتها الخاصة.
– وحدة الشخص تمكننا من الحديث عن تبادل الخصائص بين الطبيعتين، وبالتالي يمكننا أن نقول أن ابن الله صُلب وقبر، وأن ابن الإنسان جاء من السماء.
قد تبدو هذه التعابير التي أسهمت في صياغة إيمان خلقدونيا جافة ومجردة وبعيدة كل البعد عن الحياة. ولكن هي بالحقيقة تعبير عن جوهر عقيدة الخلاص. فالخلاص ممكن فقط إذا كان المسيح إنسانًا مثلنا من ناحية، وإذا كان الله من ناحية أخرى.
بكلمات أكثر بساطة، يسوع المسيح الإله الحق والإنسان الحق ليس عقيدة وأفكار بعيدة، بل هو تعبير عن أن الله قريب منا. الله هنا. يمكن أن يكون يسوع صديقنا، بقربنا، نفتح له قلبنا. وهو ليس صديقًا عاديًا، هو إلهنا!
للأسف قلما نفكر بيسوع كصديق. فغالبًا ما نحجمه ونحصره في صورة الإله البعيد. في هذا الإطار، أشار الأب كنتالامسا إلى أن أجمل الشهادات التي قرأها والتي لاقاها عن علاقة أشخاص مع يسوع تأتي من التقليد اليهودي، أي من أشخاص كانوا يهودًا وأضحوا مسيحيين. هؤلاء الأشخاص يتحلون غالبًا بحس قربى نحو يسوع، قلما نجده في أشخاص آخرين. يسوع هو من دمهم ومن سلالتهم، وهم يشعرون بذلك بشكل قوي ومؤثر. بعد قيامته يسوع صار من سلالة كل منا، لأنه بأخذه الطبيعة البشرية وقيامته من الموت صار واحدًا مع كل إنسان. فلنعش علاقتنا به بشكل أكثر حميمية وأكثر واقعية. يسوع صديقنا!