stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

خطاب البابا إلى البطاركة والأساقفة المشاركين في لقاء: “المتوسط حدود سلام” في باري

686views

نقلا عن الفاتيكان نيوز

23 فبراير 2020

التقى البابا فرنسيس هذا الأحد في باري الأساقفة المشاركين في لقاء “المتوسط حدود سلام” ووجه لهم خطاباً مسهباً استهله شاكرا إياهم على تلبية دعوة مجلس أساقفة إيطاليا للمشاركة في لقاء يضم كل كنائس المتوسط.

توقف البابا في خطابه عند أهمية انعقاد اللقاء في مدينة باري التي ترمز إلى الرباط القائم مع الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وهي علامة بليغة للعلاقات المتجذرة بين الشعوب والتقاليد المختلفة. كما أن الأبرشية عرفت كيف تحافظ على الحوار المسكوني وما بين الأديان ساعية إلى إقامة علاقات قوامها الاحترام المتبادل والأخوة.

أكد البابا للأساقفة والبطاركة الحاضرين أنهم اجتمعوا للتأمل في دعوة ومصير المتوسط، ونقل الإيمان وتعزيز السلام لافتا إلى أن هذا البحر يشكل المساحة الجغرافية والروحية التي أبصرت فيها النور حضارتنا، كنتيجة للتلاقي بين الشعوب المختلفة. ولم تتقلص أهمية هذه المنطقة بسبب ديناميكيات العولمة، لأن هذه الأخيرة متنت دور المتوسط، كنقطة تقاطع من وجهة النظر الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية. وما يزال المتوسط منطقة استراتيجية تنعكس نتائجها في باقي أنحاء العالم.

بعدها شدد فرنسيس على أننا مدعوون – إزاء الانقسامات والصراعات الاقتصادية والدينية والمذهبية والسياسية – إلى تقديم شهادة للوحدة والسلام. وهذا ما نفعله انطلاقاً من إيماننا وانتمائنا إلى الكنيسة، متسائلين ما هو الإسهام الذي يمكن أن نقدّمه في منطقة المتوسط. وأشار البابا إلى أن نقل الإيمان هو إرث تحفظه الجماعة المسيحية، ويتم إحياؤه من خلال التعليم المسيحي والاحتفال بالأسرار وتنشئة الضمائر والإصغاء الفردي والجماعي لكلمة الله.

وأضاف فرنسيس أن إعلان الإنجيل يدفعنا إلى العمل كصانعي سلام لافتا إلى أن منطقة المتوسط تشهد اليوم انعدام الاستقرار والحروب، أكان في الشرق الأوسط أم في أفريقيا الشمالية، فضلا عن الصراعات بين الأعراق المختلفة والجماعات الدينية والمذهبية. كما لا يسعنا أن ننسى الصراع الذي لم يُحل بعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلا عن خطر التوصل إلى حلول غير عادلة قد تولّد أزمات جديدة.

وذكّر البابا بعدها بأن الحرب تتعارض مع المنطق، كما أكد البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته العامة الشهيرة “السلام في الأرض”. ولفت فرنسيس إلى أن الحرب، التي توجّه الموارد نحو شراء الأسلحة والجهود العسكرية، هي ضرب من الجنون لا يسعنا الاستسلام أمامه: لا يمكن اعتبار الحرب إطلاقاً أمراً طبيعياً، أو وسيلة لحل الخلافات والمصالح المتضاربة. هذا ثم أشار البابا إلى أن الغاية الأسمى لكل مجتمع بشري تبقى السلام، إذ لا يوجد بديل آخر سوى السلام كما أن الحرب تعبّر عن فشل كل مشروع بشري وإلهي. وهذا ما يمكن أن نشاهده في المناطق التي شكلت مسرحاً للحروب.

وأكد فرنسيس في هذا السياق أن بناء السلام، الذي ينبغي أن يشكل أولوية بالنسبة للكنيسة وكل مؤسسة مدنية، يرتكز إلى العدالة كشرط أساسي. والعدالة تُداس حيث يتم تجاهل متطلبات الأشخاص وحيث تطغى المصالح الاقتصادية الأحادية الجانب على حقوق الأفراد والجماعات. كما أن العدالة تعيقها ثقافة الإقصاء، التي تتعامل مع الأشخاص كأنهم سلع وتولّد وتنمّي عدم المساواة، وعلى ضفة البحر نفسه تعيش جماعات في الرخاء وأخرى تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة. وتأتي الأعمال الخيرية التي تقوم بها الجماعات المسيحية لتتصدى لهذه الثقافة. وتساءل البابا بعدها ما نفع أن تحقق المجتمعات إنجازات تكنولوجيةً، لكنها لا تتضامن مع المحتاجين؟ مشيرا إلى أن الكنيسة ومن خلال إعلان الإنجيل تتضامن مع الصغار والفقراء.

لم يخل خطاب البابا إلى الأساقفة المشاركين في لقاء باري من الإشارة إلى النازحين بسبب الحرب ومن تركوا مناطقهم بحثاً عن حياة تليق بالإنسان. ولفت إلى أن أعداد هؤلاء الأخوة تتزايد بسبب تنامي الصراعات ونتيجة الأوضاع البيئية والمناخية المأساوية. ومن السهل أن نرى أن هذه الظاهرة ستترك بصمتها العميقة على منطقة الشرق الأوسط. وهذه المسألة تعني بلدان العبور وبلدان الوجهة النهائية، فضلا عن الحكومات والكنائس في بلدان المنشأ.

وبعد أن حذّر البابا من المساعي الهادفة إلى صد المهاجرين واللاجئين، قال إن خطاب صدام الحضارات يرمي فقط إلى تبرير العنف وتغذية الحقد. ودعا أساقفة المتوسط في هذا السياق إلى رفع الصوت لمطالبة الحكومات بالدفاع عن الأقليات وصون الحريات الدينية، لافتا إلى أن الاضطهادات التي تستهدف الجماعات المسيحية وغيرها أيضا تشكل جرحاً يمزّق قلبنا ولا يسعنا أن نقف إزاءه غير مبالين.

بعدها أشار فرنسيس إلى أن الحوار وحده يسمح بالتلاقي وبتخطي الأحكام المسبقة وصور النمطية وبالتعرف على بعضنا بشكل أفضل. وهذا يتطلب ضيافة صادقة تمارس حيال الجميع وعلى المستويات كافة. من هذا المنطلق – مضى البابا إلى القول – لا بد من وضع لاهوت للضيافة والحوار يُعيد تأويل التعاليم الكتابية، لافتا إلى أن التاريخ عرف مواجهات وصراعات ترتكز إلى قناعة مشوّهة بأننا ندافع عن الله. لكن التطرف والأصولية ينكران كرامة الإنسان وحريته الدينية، هذا الأمر يقتضي لقاء أكثر حيوية بين مختلف الديانات، يحركه احترام صادق ونية في تحقيق السلام.

وتوقف البابا في ختام كلمته عند “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي شددت على أن التعاليم الدينية الصحيحة تدعو إلى الرسوخ في قيم السلام ودعم قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك. وقال إن الأشخاص الذين يوسّخون أيديهم في بناء السلام ويمارسون الضيافة لا يستطيعون القتال لدوافع دينية بل يسيرون في درب الحوار الطبوع بالاحترام، درب التضامن المتبادل والبحث عن الوحدة.