العظة الثالثة للآب كانتالاميسا عن الصوم الكبير – ترجمة المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر
العظة الثالثة للآب كانتالاميسا عن الصوم الكبير
ترجمة المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر
إن كلمة الله التي سترافقنا في هذا الفصل هي من إنجيل يوحنا:
وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه، أخت أمه، مريم زوجة كلوبا و مريم المجدلية.
فلما رأى يسوع أمه و التلميذ الذى كان يحبه واقفاً قال لأمه : ” يا إمرأه، ها هو ذا إبنك” ثم قال للتلميذ: ” ها هي ذي أُمَكْ “، و من تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته. (يو19 : 25-27)
من هذا النص اكثيف جداً، دعونا نأخذ في الوقت الحالي فقط الجزء الأول، الجزء المَرْوِىنترك للمرة القادمة التعليق على الكلمات التي وجهها يسوع إلى تلميذة و أمة.
إذا كانت مريم والدته وقفت على الجلجثة بجانب صليب يسوع، فهذا يعنى أنها في تلك الأيام كانت في أورشليم وبالتالي رآت كل شيء و شهدت كل الأحداث و العواطف.
لقد سمعت الصراخ : ” ليس هو، بل باراباس ” . رأت رأت اللحم من جلده منبثق، و الدم مسفوك، متوجاً بالأشواك، نصف عارى أمام الحشد، رأته محبطاً، مهتزاً من قشعريرة الموت على الصليب.
سمعت صوت ضربات المطارق و الشتائم : ” إذا كنت إبن الله……..” . رأت الجنود يتقاسمون ملابسه و السترة التي ربما نسجتها بنفسها.
إذن فإن التقاليد المسيحية ليست خاطئة عندما تنطبق على مريم تحت الصليب، الكلمات التي نطقت بها إبنة صهيون من أسفها و إحباطها : ” جميعكم من يمرون على الطريق، أنظروا، أنظروا إذا كان هناك ألم مثل ألمى الذى يؤلمنى كثيراً ( لم 12،1 ) إذا كان بإستطاعة القديس بولس أن يقول ” إنى حامل في جسدى علامات الرب يسوع ( غلاطية 6 : 17 ) فماذا يمكن أن تقول مريم أول من وصمت ( بالعار) في المسيحية، فلقد حملت الوصمات غير المرئية المطبوعة في قلبها ، كما حدث لاحقا للقديسين و القديسات.
” و كانت واقفات عند صليب يسوع ، أمه، أخت أمه، مريم زوجة كلوبا و مريم المجدلية “. مجموعة من أربعة نساء لم تكن مريم وحدها، كانت واحدة من هؤلاء النساء. نعم لكن ظهرت مريم من وسطهم كأم : تماماً كما في جنازة شاب ذو ال18 عام، حيث إجتمع المودعون خلف النعش جميعهن يرتدن ثياب سوداء و يبكن بينما ظهرت في وسطهن إمرأه بدت و كأنها مختلفة عن الجميع، كانت الام.
كانت أرملة و لم يكن لديها سوى هذا الإبن، كانت عيناها شاخصتان إلى النعش و شفتاها تردد إسم الإبن، و حيث بدأ الجميع في الصلاة بصوت واحد :” قدوس، قدوس، قدوس رب الصباؤوت ” بدأت الأم معهم بترديد الصلاة على شفتيها دون أن تدرك : ” قدوس، قدوس………رب الصباؤوت ” في هذه اللحظة تذكرت مريم تحت الصليب.
مطلوب من مريم موقف بالغ الصعوبة ؛ المغفرة. عندما سمعت إبنها يصلى : ” يا أبتاه، إعفر لهم، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ” ( لو 23 : 24 ) . فهمت ما إنتظره منها الأب السماوى أنها ستعمل في قلبها هذه الكلمات نفسها : ” يا أبتاه، إغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ” تقول لهم: ” لقد غفرت “.
إذا كان من الممكن تجربة مريم كما حدث مع يسوع في الصحراء، فقد كانت تجربتها تحت الصليب تجربة أكثر ألماً، لأن يسوع نفسه كان سببها . أمنت بالوعود بأن يسوع هو المسيح إبن الله. كانت تعرف أنه لو صلى يسوع لكان الأب أرسل له أكثر من إثنتى عشرة جيشاً من الملائكة ( متى 26 : 53 ) إذا كان يسوع لم يحرر نفسه من على الصليب، فإنه لن يحررها من ألمها الرهيب.
ومع ذلك لم تصرخ مريم : ” إنزل من على الصليب، إنقذ نفسك و أنقذنى معك . لقد أنقذت العديد من الأخرين . لماذا الأن لا يمكنك إنقاذ نفسك يا بنى؟ ” . حتى و إن كان سهل فهم هذه الفكرة و هذه الرغبة في قلب أم و لكن مريم كانت صامتة.
من الناحية الإنسانية كان عند مريم الكثير من الأسباب لتصرخ و تقول للرب : ” لقد خدعتنى ” ( أو مثلما قال النبى أرميا ذات يوم : ” أنت أغويتنى، و أنا سمحت لنفسى أن تغوى ” ) و الفرار من الجلجثة . بل على العكس لم تهرب بل بقيت واقفة في صمت . و بذلك أصبحت بطريقة خاصة جداً شهيرة الإيمان و شهادة عليا على الثقة بالله، تابعة لإبنها .
وجدت رؤية مريم التي اتحدت مع تضحية إبنها، تعبيراً مهيباً في نص الفاتيكان الثانى : وهكذا تقدمت العذراء المقدسة في إيمانها محافظة بإخلاص على الإتحاد مع إبنها حتى الصليب، حيث كانت بدون خطة إلهية تقف و تعانى بقسوة مع إبنها الوحيد مرتبطة بقلب الأم مع تضحيته ، تعطى تضحية الضحية المولودة من جسده المتوافقة بحبه.
لم تقف مريم إذن بجانب صليب يسوع بالقرب منه فقط بالمعنى المادى و الجغرافى ، و لكن أيضاً بالمعنى الروحى.
كانت متحدة مع صليب يسوع تقاسمت نفس المعاناة عانت معه، عانت في قلبها ما عاناه ابنها في جسده. و من يستطيع التفكير بطريقة أخرى اذا عرفنا و لو قليل معنى أن تكون أما؟
كان يسوع رجلا، كونه رجل، لم يكن في هذه اللحظة و في نظر الجميع، سوى ابن أعدم في حضور والدته. لم يعد يسوع يقول كما في قانا ” مالى و لك يا امرأة؟ لم تأتى ساعتى بعد” (يو 4:2). الآن و قد حانت “ساعته”، هناك حقيقة كبيرة مشتركة بينه و بين أمه: نفس المعاناة. في هذه اللحظات القاسية، عندما طرح الآب نفسه نظره عن الرجل، لم يبقى ليسوع سوى نظرة أمه، حيث يمكنه أن يلجأ الى الراحة و يجدها. هل سيزدرى هذا الوجود و هذه الراحة الأمومية، الذى قاله لتلاميذه الثلاثة في جثسيمانى “امكثوا ههنا و اسهروا معى”؟ (متى 38:26)
• الوقوف بجانب صليب يسوع:
متبعين دائما إرشادنا الروحى، الذى يعتبر مريم رمز و مرآة للكنيسة، بداياتها و نموذجها، يجب أن تطرح السؤال: ماذا كان يعنى الروح القدس للكنيسة، من خلال عرض ذلك، في نصوص الكتاب المقدس، هذا التواجد لمريم تحت الصليب؟
انها كلمة الله نفسها هي التي تظهر لنا كيف ننتقل من مريم الى الكنيسة، و التي تخبرنا بما يجب على كل مؤمن فعله لتقليده. “بجانب صليب يسوع، كانت تقف مريم أمه و بجانبها التلميذ الذى كان يحبه”. تحتوى هذه القصة بالفعل على الحث. ما حدث في ذلك اليوم يشير الى ما كان يجب أن يحدث كل يوم: الوقوف بجانب مريم بالقرب من صليب يسوع، كما وقف التلميذ الذى كان يسوع يحبه هناك.
تطرح هذه الجملة درسا مزدوجا: أولا، يجب الوقوف بجانب الصليب، و ثانيا، يجب الوقوف بجانب صليب “يسوع”. هذان شيئان مختلفان و لكن لا ينفصلان.
الوقوف بجانب صليب “يسوع”. تخبرنا هذه الكلمات أن أول شيء يجب فعله، و الأهم، ليس الوقوف بجانب الصليب بشكل عام و لكن الوقوف بجانب صليب “يسوع”. لا يكفى الوقوف بجانب الصليب، في وقت المعاناة، أو حتى الوقوف في صمت. لا! قد يبدو هذا بطوليا، و لكنه ليس الأهم. قد يكون أيضا لا شيء. ما هو حاسم هو الوقوف بجانب صليب “يسوع”. ما يهم ليس صليبنا بل صليب المسيح. انها ليست حقيقة المعاناة، بل حقيقة الايمان و بالتالى جعل معاناة السيد المسيح معاناة الشخص ذاته. الايمان أولا. كان أعظم شيء في مريم تحت الصليب هو ايمانها، أكثر من معاناتها. يقول بولس الرسول “ان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، و أما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (كو 24:18) و يقول أن الإنجيل هو “قوة الله للخلاص لكل من يؤمن” (روم 16:1) بالنسبة لجميع الذين يؤمنون و ليس لجميع الذين يعانون، حتى لو كان الواقعان يسيران معا، كما سنرى.
نكتشف هنا مصدر كل قوة الكنيسة. تأتى قوة الكنيسة من حقيقة التبشير بصليب يسوع، موضوع يعتبر في نظر العالم رمز الجنون و الضعف. من هنا تتخلى عن أي احتمال أو إرادة لمواجهة العالم الغير مصدق و الغير مهتم بأساليبها الخاصة التي هي حكمة الأقوال و الكلمات، قوة المنطق و السخرية و كل شيء “قوى في العالم” (راجع 1 كور 27:1). يجب أن نتخلى عن التفوق الإنسانى حتى تظهر و تتصرف القوة الإلهية الموجودة في صليب المسيح. الإصرار على هذه النقطة الأولى ضرورى للغاية. لم تتم مساعدة غالبية المؤمنين على الإطلاق في دخول هذا السر الذى يقع في قلب العهد الجديد و الذى يغير حياتنا.
”الوقوف بجانب الصليب”. أي إشارة، أي دليل سيكون لدينا أننا نؤمن حقا بصليب المسيح، أي إشارة، أي دليل على أن “كلمة الصليب” ليست مجرد كلمة، مبدأ تجريدى، لاهوت جميل، أيدلولوجية، و لكن ما هو الصليب حقا؟ الإشارة و الدليل، حمل الصليب و اتباع يسوع (مر 34،8).
الإشارة هي المشاركة في معاناته (فيل 10:3) (روم 17:8)، ليتم صلبه معه (غل 20:2)، لإستكمال، من خلال معاناتنا الخاصة، نقائص شدائد المسيح (كول 24:1). يجب أن تصبح حياة المسيحى ذبيحة حية، مثل حياة المسيح (راجع روم 12:1). لا يمكن فقط أن تكون معاناة مقبولة، و لكن معاناة نشطة، عاشت في إتحاد مع المسيح: “أقمع جسدى و أستعبده” ( 1 كو 27:9) كانت حياة المسيح كلها صليب و استشهاد و أنت تبحث فقط عن الفرح و الراحة لنفسك؟
في الكنيسة، نجد في الواقع طريقتان للوقوف أمام الصليب و محبة المسيح: الأولى، على أساس الايمان الذى يرتكز على صليب المسيح، الذى لا يريد مجدا غير مجد صليب المسيح.
الآخر المتطور، على الأقل في الماضى، خاصة من الناحية الروحانية الكاثوليكية و الذى يصر على المعاناة مع المسيح، المشاركة في آلامه و أحاسيسه، كما كان الحال مع بعض القديسين، إحياء النفس مع آلام المسيح بما في ذلك الوصمات و الندبات.
من الواضح أنها ليست مسألة وضع عمل المسيح و عملنا على نفس المستوى، و لكن إستقبال كلمة الكتاب المقدس التي تعلم أن الشخص سواء الايمان أو سواء الأعمال. واحد بدون الآخر فأنت ميت. (راجع يعقوب 14:2 و مايليها). يمكن أن نقول أن المشكلة تتعلق بالايمان. انه الايمان نفسه بصليب المسيح و الذى يجب أن يمر بالمعاناة ليكون أصيلا.
تذكرنا رسالة بطرس الأولى أن المعاناة هي “بوتقة” الايمان، ان اليمان يحتاج الى المعاناة ليكون نقيا، مثل الذهب في النار.
بمعنى آخر، صليبنا ليس في حد ذاته خلاصا، انه ليس مقدرة و لا حكمة. في حد ذاته هو عمل بشرى بحت، بل هو عقاب.
يصبح مقدرة، قوة و حكمة الله بالمقياس و الحد الذى يرافقنا بالايمان و بتصرف الله نفسه.
يوحدنا بصليب المسيح “المعاناة”.
كتب القديس يوحنا بولس الثانى بعد إقامته الطويلة في المستشفى – بعد الهجوم، أن تكون منفتحا بشكل خاص على عمل قوى الله الخلاصية، المقدمة للبشرية في المسيح.
المعاناة توحد صليب المسيح ليس فكريا فقط، بل وجوديا و ملموسا.
انها نوع من القناة، الطريق المؤدى، الى صليب المسيح، ليس موازيا للايمان، بل طريق به و اليه.
• سترجو بعكس كل أمل:
و لكن حان الوقت لتوسيع آفاقنا. بالنسبة للقديس يوحنا الذى يخبرنا عن الفقرة، فإن الصليب ليس وقت موت يسوع فقط، لكن أيضا “بمجده” و إنتصاره.
إن القيامة حدثت بالفعل و تعمل في رمز الروح الذى ينتشر (راجع يو 37،33،19:7).
على الجلجثة، لم تشارك مريم وفاة إبنها فقط، و لكن أيضا بدايات القيامة.
صورة مريم تحت الصليب، مثل تلك المستوحاة من “Stabat Mater” ، حيث أن مريم لم تكن سوى “حزينة و مبتلاة”، حيث أنها في الواقع سيدة الأحزان، ستكون غير كاملة تماما لأنه لا يوجد لديها سبب حقيقة أن يوحنا هو الذى قدمها هناك، و أن الصليب بالنسبة له، قيمة المجد و الإنتصار. على الجلجثة، لم تكن مريم فقط “سيدة الأحزان”، بل أيضا أم الرجاء، Mater Spei، كما تدعى ترنيمة الكنيسة.
حسب إبراهيم، يؤكد القديس بولس “آمن على كل رجاء، آمن” (روم 18:4). نفس التوضيح، و لأكثر من سبب أيضا، ينطبق على مريم تحت الصليب: آملا في كل رجاء، آمنت. اذن ما هو الأمل في كل رجاء بإستثناء أنه في حالة إنسانية تماما محرومة من أي أمل، لا يوجد أقل من الرجاء. بطريقة لا يمكن تفسيرها لنا، ربما لم تكن هي نفسها قادرة على شرح ما بها، تعتقد مريم، و كذلك إبراهيم “أن الله قادر على إقامة (إبنها) من الأموات أيضا”. (راجع عبرانيين 19:11).
يذكر نص الفاتيكان الثانى هذا الرجاء لمريم تحت الصليب كعنصر محدد في دعوتها الأمومية: تحت الصليب “جلبت الى عمل المخلص تعاونا لا مثيل له تماما من خلال طاعتها، ايمانها، رجائها و محبتها.
عندما نأتى الى الكنيسة، يعنى الى أنفسنا. من بين الأحداث الثلاثة التي تحييها الكنيسة في ذكرى القيامة – صلب، دفن، و قيامة الرب – في هذه الحياة الحالية – يكتب القديس أغسطينوس، نحن ندرك ما يرمز اليه الصليب، بينما نتمسك بالايمان و الرجاء الذى يعنى الدفن و القيامة.
الكنيسة، مثل مريم، تعيش اقيامة “في الرجاء” كما بالنسبة لها، اذا كان الصليب موضع اختبار، فإن القيامة موضع رجاء.
كما كانت بجانب إبنها المصلوب، فإن الكنيسة مدعوة للوقوف بجانب المصلوبين اليوم: الفقراء، الذين يعانون، المذلولين و المظلومين. و كيف ستكمل الكنيسة هذه الرسالة؟
بالرجاء، مثل مريم. لا يكفى التعاطف مع أوجاعهم و أحزانهم أو حتى السعي للتخفيف عنهم. هذا قليل جدا. يمكن لأى شخص فعل ذلك، حتى من ينكر القيامة. يجب على الكنيسة أن تجلب الرجاء و الأمل بإعلان أن المعاناة ليست عبثية، بل لها معنى. لأنه ستكون هناك قيامة للموتى. يجب عليها أن “تعطى سبب للرجاء الذى يسكنها” (راجع 1 ص 15:3).
يحتاج الناس الى الأمل لكى يحيوا، مثل الأكسجين للتنفس. تحتاج الكنيسة أيضا الى الرجاء لمواصلة طريقها عبر التاريخ و عدم الخضوع أمام العديد من المحن. منذ فترة طويلة و حتى وقتنا هذا، يظل الرجاء الأخت الأصغر، النسب الفقير للفضائل اللاهوتية.
الشاعر شارل بيجوى لديه صورة جميلة بهذا الصدد. يقول أن الفضائل اللاهوتية الثلاثة – الايمان، الرجاء و المحبة – مثل ثلاث شقيقات: اثنتان بالغتان و واحدة لا تزال طفلة. انهم يمشون سويا في الشارع ممسكين بأيديهم، الطويلتان على الجانبين، و الفتاة الصغيرة في الوسط. التي تسمى بالطبع الرجاء.
كل من يراهم يقول: بالتأكيد البالغتان يسحبان الفتاة التي في الوسط. انهم مخطئون! ان الفتاة الصغيرة، الرجاء، هي التي تسحب الأختين، لأنها ان توقفت، توقفوا جميعا.
يجب علينا، كما يقترح نفس الشاعر، أن نصبح “شركاء في الرجاء الصغير”. هل تمنيت بشدة في شيء ما، تدخل الله، و لم يحدث شيء؟
هل بدأت تتمنى من جديد مرة أحرى و أيضا لا شيء؟ هل استمر كل شيء، كما كان من قبل، بالرغم من الكثير من الدعاء، و الكثير من الدموع، و ربما أيضا الكثير من الأسئلة التي ستتم الإجابة عنها؟
استمر في الأمل، الرجاء مرة أخرى، لا يزال الأمل حتى النهاية. كن شريكا في الرجاء.
أن تصبح شريكا في الرجاء هو السماح لله أن يخيب ظنك، و أن يختبرك هنا بقدر ما يريج. أقضل من ذلك: أنه في الأساس أن تكون سعيدا، في انسحاب نهائي لقلبك، أن الله لم يستمع اليك! أما في المرة الأولى أو الثانية و أنه يستمر في عدم السماع اليك، لأنه هكذا سمح بإعطاء دليل آخر، لعمل فعل رجاء أكثر، في كل مرة أكثر صعوبة. لقد أعطاك نعمة أكبر بكثير مما طلبته منه: نعمة الرجاء فيه. لديه القدرة على المغفرة لجميع مخلوقاته.
لكن يجب أن تحذر: الرجاء ليس مجرد تصميم داخلى جميل و شعلاى، صعب اذا كنا نريد ذلك، و لكنه في الواقع، يتركك غير نشط، دون أي ارتباط ملموس، و بالتالى، في النهاية، يبقى عقيما. على العكس، فإن الرجاء يعنى اكتشاف أن هناك المزيد مما يجب القيام به، و واجب يجب إكماله، اذن، لا يتم التخلي عنه في قبضة الفراغ أو الخمول المشلول.
حتى لو فعلنا كل ما في وسعنا لتغيير موقف صعب، فستظل هناك دائما مهمة كبيرة للقيام بذلك، من شأنها أن تبقينا مترابطين بما فيه الكفاية، و تقينا من اليأس: التحمل بصبر حتى النهاية. كان هذا هو “الواجب” العظيم الذى استطاعت مريم أن تفعله عن طريق التمسك بالرجاء تحت الصليب. حول هذه النقطة، تظل مستعدة لمساعدتنا.
يقدم الكتاب المقدس نبضات حقيقية للرجاء. يعطى مثال في الرثاء الثالث و هو أغنية الروح في المحنة الأكثر ألما و إحباطا. يمكننا تطبيقه تقريبا حرفيا على مريم تحت الصليب:
”أنا الشخص الذى عرف البؤس و الألم. جعلنى الله أمشى في الظلام و ليس في النور. لقد قام بحجزى حتى لا أستطيع الخروج. مهما صرخت و طلبت المساعدة، فإنه يكبت صلاتى. قلت: ”انتهى وجودى، انتهى رجائى الذى أتى الي من عند الرب……”
ثم يبطل الرجاء كل شيء. يصرخ المصلى لنفسه: رحمة الرب، لا تنتهى”! أيضا، أريد رجائى فيه!
الرب لا يرفض الى الأبد، اذا غضب، فهو مائ بالحنان. و لا يزال هناك رجاء.
بمجرد أن يتنبأ بإستئناف الرجاء، تتغير النبرة: يصبح الرثاء توقعا للثقة في تدخل الله.
دعونا ننتقل الى الإنسانة التي عرفت كيف تقف بجانب الصليب مليئة بالرجاء. دعونا نستدعى مريم كأم الرجاء بكلمات ترنيمة قديمة للكنيسة:
يا ماريا!
سلاما يا أم الرحمة ،
أم الله وأم المغفرة
أم الرجاء وأم النعمة ،
أم مليئة بالبهجة المقدسة ،
يا مريم!
الاب كانتلامسا ( عظة عن مريم والصليب )