« وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيرا » – الكردينال جوزف راتزنغر
الكردينال جوزف راتزنغر (البابا بندكتُس السادس عشر، بابا من 2005 إلى 2013)
Vom Sinn des Christseins 1965
« وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيرا »
أن أكون مسيحيًّا، يعني أوّلاً ودائمًا الابتعاد عن الأنانيّة التي لا تجعلني أعيش سوى لنفسي، بهدف الدخول في توجّه جديد للحياة يرتكز على مبدأ “خدمة الآخرين”. في الواقع، كلّ الصور الكتابيّة المهمّة تعبّر عن هذه الحقيقة. صورة الفصح… صورة الخروج… التي تبدأ مع إبراهيم والتي تبقى قاعدة أساسيّة في كلّ مراحل الكتاب المقدّس: هذا كلّه هو تعبير عن هذه الحركة الأساسيّة نفسها التي ترتكز على مبدأ التخلّي عن حياة منطوية على ذاتها.
لقد أعلن الرّب يسوع المسيح عن هذه الحقيقة بطريقة عميقة من خلال مثل حبّة الحنطة. أظهر هذا المثل أنّ هذه القاعدة الأساسيّة لا تسيطر فقط على مجرى التاريخ كلّه، بل هي تشير أيضًا منذ البداية إلى الخلق الكامل لله: “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً”.
من خلال موته وقيامته، طبّق يسوع المسيح مثل حبّة الحنطة. من خلال الإفخارستيّا، ومن خلال الخبز، أصبح فعلاً كالزّرع الّذي “أثمَرَ، بَعضُه مِائة، وبعضُه سِتِّين، وبعضُه ثَلاثين” (راجع مت 13: 8) والّذي ما زلنا نعيش بواسطته الآن وإلى الأبد. لكن في سرّ القربان المقدّس حيث يوجد إلى الأبد ذاك الذي فدانا بحياته، هو يدعونا، يومًا بعد يوم، للدخول في هذه القاعدة التي ليست سوى التعبير عن جوهر الحبّ الحقيقي…: الخروج من الذات لخدمة الآخرين. بالمختصر، يمكن القول إنّ جوهر المسيحيّة ليس سوى حركة الحبّ التي نشارك من خلالها بالمحبّة الخلاّقة لله ذاته.