” أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك ” – بِندِكتُس السادس عشر
بِندِكتُس السادس عشر، بابا روما من 2005 إلى 2013
الرسالة العامّة: المحبّة في الحقّ (Caritas in Veritate)، الأعداد 1+5
” أَخْرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلاً، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى مِن عَينِ أَخيك “
المحبّةُ هي قوّةٌ غيرُ اعتياديّة، تدفعُ الأشخاصَ للإلتزامِ بشجاعةٍ وسخاءٍ في العملِ لأجل العدلِ والسلامِ. هي قوّةٌ ينبوعُها اللهُ نفسُهُ، هو المحبّةُ الأبديّةُ والحقُّ المُطلق. كلُّ واحدٍ يجدُ خيرَه الحقيقيَّ بالخضوعِ للخطّةِ التي رسمَها الله له، ليحققَها بملئِها: ففي خطّتِهِ يجدُ المرءُ حقيقةَ ذاتِهِ، وبالخضوعِ لهذه الحقيقةِ يصبحُ حرًّا (راجع يو8: 22).
المحبّةُ هي حبٌّ يُقبَلُ ويُمنح. هي «نعمة» (خاريس في اللغة اليونانيّة). ينبوعُها هو المحبّةُ الفيّاضةُ التي يخصُّ بها الآبُ الابنَ في الروحِ القدسِ. هو حبُّ ينحدرُ من الابنِ نحونا. هو حبُّ خالقٌ، به نوجدُ؛ وحبٌّ فادي به خُلقنا من جديد. حبٌّ قد كُشفَ وتحقّقَ بفضلِ المسيحِ (راجع يو13: 1) و«أُفيضَ في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا» (رو5: 5). إنَّ البشرَ الذين هم موضعُ محبّةِ اللهِ قد جُعلوا فاعلينَ للمحبّةِ، ومدعوّين ليكونوا هم أنفسُهم أدواتٍ للنعمةِ، كي ينشروا محبّةَ الله ويُحيكوا شبكةَ محبّة.
أمّا عقيدةُ الكنيسةِ الإجتماعيّةِ فتتجاوبُ مع ديناميكيّةِ المحبّةِ هذه، المقبولةِ والممنوحةِ. إذ أنّها إعلانُ حقِّ محبّةِ المسيحِ في المجتمع. إنّ عقيدةً كهذهِ لهي خدمةٌ للمحبّة، لكنّها خدمةٌ في الحقّ. إن التطوّرَ والرخاءَ الإجتماعي والحلولَ الناجعةَ للمشاكلِ الجسيمةِ الإجتماعيّةِ/الإقتصاديّةِ التي تعاني منها البشريّةُ، هي بحاجةٍ إلى هذه الحقيقة. إلاّ أنّها بحاجةٍ أكثرَ لأن تحبَّ هذه الحقيقةَ وتشهَدَ لها. بدونِ الحقّ وبدونِ الثقةِ وحبِّ الحقيقةِ لا يمكن أن يوجدَ ضميرٌ ومسؤوليّةٌ اجتماعيّة، لأنّ النشاطَ الإجتماعي يقعُ ألعوبةً في يدِ المصالحِ الخاصّة ومنطقِ القوّة، ممّا يُشرذمُ المجتمعَ، خصوصًا في مجتمعٍ يسيرُ نحو العولمةِ، وفي أوقاتٍ صعبةٍ كأوقاتِنا الراهنة.