أنا في الآب والآب فيَّ – الأب وليم سيدهم
كلام صعب فهمه، مامعنى أن يكون الآب في الابن والابن في الآب، إن حرف “في” يُشير إلى قلب وكيان المسيح، وإذا أضفنا إلى هذه العلاقة المتبادلة بين الآب والابن ما جاء في بداية انجيل يوحنا نفسه، فسيوضح لنا أكثر نوعية العلاقات التي تربط الآب بالابن.
يقول يوحنا الانجيلي: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.” (يو 1: 13- 14)
إذن الابن المتجسد هو الابن الذي كان في حضن الآب قبل أن يأخذ جسدًا من العذراء، وإذا رجعنا الى قانون الايمان المسيحي نقول : “نؤمن برب واحد يسوع المسيح، الابن الوحيد ، مساوٍ للآب في الجوهر” ، فنحن إذن أمام ثلاث أنواع من علاقات الابن بالآب. الابن الكلمة قبل التجسد وهو في حض الآب، ثم الابن متجسدًا في حضن العالم، ثم الابن القائم من الأموات والجالس عن يمين الآب.
في العلاقات الثلاثة نرى الابن قبل التجسد حيث الآب والابن ومعهم الروح القدس ثلاثة أقانيم في إله واحد، ويتم خلق العالم بكلمة الآب ثم الآب يؤيد عماد الابن “هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ.” (مت 3: 17) ثم الابن بعد أن تمم رسالة الفداء يرجع مرة أخرى إلى الآب وهو يجلس عن يمين الآب، وأخيرًا الآب والابن يرسلون “الروح القدس ” للكنيسة وللعالم كي يتمموا بناء الملكوت في قلب هذا العالم.
نرى إذن أفعال الابن تتماهى وتتقاطع مع أفعال الآب كل ذلك يتم في علاقات سرية وحميمية بين الثالوث الأقدس وبين التلاميذ والكنيسة والعالم. ونرى هنا فيض المحبة التي تمثل جوهر الثالوث الأقدس على العالم وفي القلب منه على الكنيسة التي أسسها الابن.
ونقرأ أيضًا في الفصل الأول لإنجيل يوحنا عن الابن “إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ.” (يو 1: 11) ، “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.” (يو 1: 12)
إن خاصة المسيح الابن هم الذين اختارهم الآب منذ أن دعا ابراهيم الخليل أبو المؤمنين وجَد المسيح ليمهد الطريق لمجيء المسيح هؤلاء هم خاصته، الشعب المختار الذي أبى أغلبه أن يعترفوا بتجسد الابن وتوقفوا عن شريعة موسى” :نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ“ (يوحنا 9: 29) هكذا أعلن الفريسيون وأصروا أن يقتلوه متهمين إياه بالتجديف على الله.
وتؤكد الرسالة إلى العبرانيين مسيرة الخلاص بقولها:” اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي” (عبرانين 1: 1- 3)
كان العلَّامة ترتليانس أول من تحدث عن الثالوث الأقدس فشبه الثالوث بالشمس الآب هو الشمس والابن هو النور والروح القدس هو الحرارة، إذن نحن أمام إله مثلث الأقانيم تجمعهم المحبة وتفيض منهم إلى الكون بأكمله.
ونحن أيضًا في قلب وعقل الابن والآب والروح القدس، هذه الشركة هي جوهر حياتنا ومعناها.