stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصر

لقاء التعليم الديني المسيحي ماهيته ودوره (الخطوة الثانية في المسيحية) – الأب أندراوس فهمي، مدير كلية العلوم الدينية – السكاكيني، في مؤتمر التعليم المسيحي وتحديات العصر

951views

التعليم المسيحيّ

“هويته ودوره”

إعداد الأب أندراوس فهمي

1. مقدمة

– الكنيسة (شعبًا، وإكليروس) هي وكيلة على أسرار الإيمان، ومن أهم صفات الوكيل هي “الأمانة” لسيده وللوكالة. وهذا ما استدعى المسيح في وصيّته الأخيرة لبطرس أن يعيد عليه ثلاث مرّات: “أتحبني… ارعى خرافيّ” كوكيل أمين عليها يحبها!
– الرعاية في الكنيسة تشمل دائمًا ثلاثة أنواع أو ثلاث طرق لها: التدبير/التقديس/التعليم.

– فيأتي موضوع التعليم المسيحيّ في هذا السياق: إنّه واحد من الطرق الهامة للاهتمام ورعاية هذه الوكالة المؤتمنة من المسيح.

– لا يخفى عنّا جميعًا أنّ هذا العمل من أصعب الأعمال حيث يتطلب كثيرًا من المؤهلات: الانتباه، والجهد، والذكاء، والروحانيّة، والابتكار، والقدرة على قراءة علامات الأزمنة…إلخ.

– لهذا سنحاول عرض أهم ما يميز التعليم المسيحي، وكيف يمكن أن نترجمه، لنا ولمن يأتمنّا عليهم الرب، إلى “حياة أفضل” (يو10: 10).

2. هويّة التعليم المسيحيّ

– يُعرَّف التعليم بشكل عام على أنّه “تلك العمليّة التي تهدف إلى تزويد الشخص المُتعَلِّم بكافة أسس المعرفة، وبشكل منظم، ومقصود، ومُحدَّد الأهداف، بحيث يَصير الإنسان قادراً على توظيف ما تلقّاه في حياته العملية من أجل الارتقاء والمساهمة في إحداث نهضة حقيقية على أُسس متين” .

1. أسس المعرفة = الجانب النظريّ: (معرفة جيدة من قبل المعلم/مهنيّة في الاستيعاب والتوصيل/قدرة على إدارة الجانب التعليمي من تخطيط وتنظيم ومتابعة النتائج….

2. بشكل منظم: ضمان الاستمراريّة، فالتعليم الغير منظم هو تعليم يخلق فكرًا مشوشًا. وبدون التنظيم يمكن أن تضارب الأهداف، ونفقد التناسق…

3. مقصود ومحدد الأهداف: فبدون جدول زمني واضح الأهداف يمكن أن نصل بالمخدومين إلى “لا شيء”! وبدون توضيح الأهداف لن يكون هناك مساحة لقياس النتائج ومعرفة ما وصلنا إليه !

4. كل هذا بغرض توظيف ما تعلمه الفرد في حياته العمليّة: إذا لم يكن للمعلومة النظريّة صدى عملي في الحياة، فتتبخر سريعًا وسرعان ما تصيب الشخص بخيبة أمل حيث أنّه أهدر وقته ومجهوده في تعلمها بدون أن تعود عليه بالفائدة (يمكن فهم ذلك من منظومة التعليم في البلدان المختلفة، وكيف تفشل المنظومة التي تركز فقط على ضخ كم معلومات بدون توضيح الهدف منها)
– ماذا يميّز التعليم المسيحيّ عن عمليّة التعليم بصفة عامة؟

1. تعليم “مسيحي”: إذًا يحوي كل ما قلناه سابقًا عن التعليم، بالإضافة لكونه “مسيحي”، أي “أن يقود جميع البشر، بنور حقيقة الإنجيل، إلى تطلّب وقبول محبة المسيح التي هي فوق كل شيء (أفس 3: 19)”

 تعليم يقود: فلا يهدف إلى تلقين معلومات، وإنما ليساعد البشر في الوصول إلى المسيح

 تعليم مطعّم ويتغذى على حقيقة الإنجيل: إعلان البشرى السارة/سعادة الإنسان/ التبشير بالرجاء/ مساعدة البشر للخلاص = فهو تعليم عملي يساعد الإنسان أن يحيا

 تعليم يضع محبة المسيح فوق كل شيء: فالتعبير الأصدق عن أي تعليم هو ذلك الذي يرى فيه المتلقون شهادة من المعلم: “عالم اليوم يحتاج إلى شهود أكثر منه معلمين، وإذا أصغى إلى المعلمين، فهذا لأنهم شهود” (البابا بولس السادس)

2. تعليم يحافظ على وديعة الإيمان: المسيحي (كل مسيحي) هو مسئول عن السهر على الحفاظ على ما تسلمه وآمن به وساعده ليعيش حياته. “لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا” (1 كو 11: 23). ووديعة الإيمان بحسب تعليم الكنيسة تكمن في بعديّن: 1. الإيمان بشخص المسيح المخلص؛ 2. الإيمان بعناصر الإيمان (التعاليم والأسرار).

 الإيمان بشخص المسيح المخلص: وهذا هو الجزء الأهم الذي يوجه معلم التعليم المسيحيّ، أي أن يكون له علاقة شخصيّة بالمسيح، وأن يحافظ على هذه الوديعة بشكل خاص= حياة الصلاة + الرياضات الروحية والخلوات + التعمق في كلمة الله + القراءات الروحيّة…

 الإيمان بعناصر الإيمان: عناصر الإيمان، أي المنهج التعليميّ النظري والعملي، الواجب توصيله للمخدومين. وهذا الأمر يتطلب استمرار خادم الكلمة (المعلم) في التلمذّة: “مريم الجالسة عند أقدام المسيح (لو 10: 38- 42). هذه التلمذّة تأتي بالدراسة والتساؤل: يقول البابا بنيدكتوس 16 “يجب أن يكون لدى باحث اللاهوت بٌعديّن أساسييّن: الحب، والعقل. فيبحث عن الله لأنّه يحبه، ويحب الله فيبحث عنه”. وهنا يأتي دور الدراسات اللاهوتية والعلوم التربوية لمساعدة خادم اليوم أن يقدم الإيمان المسيحي بشكل يتناسب مع العصر، ولكن بدون أن يفقد جوهره. وهذه مهمة صعبة أيضًا على معلم اليوم، لكنّه تصبح شيقة بقدر ما يعزز يوميًا إيمانه برسالته المسيحية وبيسوع المسيح وحقيقة الإنجيل.

3. تعليم يقدم بأمانة تعليم الكتاب المقدس، وتقليد الكنيسة، والسلطة التعليميّة والتراث الروحي لآباء وقديسين الكنيسة

 فمعلم التعليم المسيحيّ يجب أن يهتم بالدرجة الأولى بالتعاليم المسيحيّة وزرع كلمة الله وترغيب المخدومين فيها وعشقها إن أمكن؛

 كما عليه ألا يبخس في قيمة التقليد الكنسي بكل ما فيه من كنوز؛

 وأن يحترم تعاليم السلطة التعليمية (أخلاقيات الحوار حول تعليم الكنيسة: نقد ذاتي+ دراسة الموضوع+ حوار صادق مع السلطة+ عدم التشكيك)؛

 وأخيرًا التراث الروحي وسحابة الشهود (سير القديسين) وتقديمه بالشكل المناسب، وفهم مغذاه، وترجمته إلى أمور حالية معاصرة.

3. دور التعليم المسيحيّ العمليّ (نستخلصه من كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة)

1. “صناعة تلاميذ”: قد يبدو هذا التعبير غريبًا في صياغته، ولكنّه يحوي أيضًا فكرة “التلمذّة” كصناعة جيدة تتميز بالتطور والأصالة. فمساعدة البشر على الإيمان بيسوع المسيح ابن الله، وأن يكون لهم حياة باسمه، كل هذا يتطلب تنشئة وتلمذة مستديمة متطورة وأصيلة. فهم مدعوون للحفاظ على جسد المسيح السري، وهذه مهمة صعبة.

2. التعليم المسيحي يعمل على “تربية للإيمان”: فعملية التربيّة الإيمانيّة تأتي من بث القيم والمبادئ المسيحيّة، وبالأخص “مصداقيّة الإيمان”. فالمعلم هو بالدرجة الأولى مربي، ومرافق، وأحيانًا يجب عليه أن يكون “ضمير المخدوم”، حتى يصل المخدوم إلى الحياة المسيحيّة المتناغمة مع القيم الإنسانيّة، ومفهوم الخير…

3. التعليم المسيحي يخلق تساؤلات ولا يصنع شكوكًا أو بلبلة: أهميّة وضع العقل أمام الإيمان، دون تجاهل ودون مبالغة: كيف يصغي، وكيف يبحث عن الحقيقة، وكيف يعرف حدوده؟

4. التعليم المسيح يهدف إلى بناء الكنيسة كمؤسسة وكجماعة مؤمنين: لا يجب أن تتحوّل الكنيسة إلى مؤسسة اجتماعيّة فقط، فتصب الموضوعات والأنشطة والسلوكيات حول الجوانب الاجتماعيّة فقط، وكأنّها لا تحوي أي سر فائق للطبيعة. فالإيمان يجب أن يكون المركز الذي يدور حوله باقي العناصر.

5. التعليم المسيحيّ له دور في التجديد: والتجديد هنا يشمل بالأخص الفهم اللاهوتي الحديث للعقائد، والتجديد والتحديث في طرق تقديمه.

6. تقديم عرضًا موحدًا للعقائد الكاثوليكيّة: وهنا يأتي أهميّة الاضطلاع على الوثائق الكنسيّة، وتعاليم الكنيسة، ولذا يجب أن يشمل هذا العرض الركائز الأربعة الأساسيّة للتعليم: الاعتراف بالإيمان (الانتماء للمسيح ولكل ما يمليه علينا قانون الإيمان)؛ عرض أسرار الإيمان (خاصة الأسرار السبعة)؛ التربية على حياة الإيمان (الوصايا، والحياة الأخلاقيّة)؛ وأخيرًا صلاة المؤمن (العلاقة الروحية الشخصية).

ختامًا: كلمة قداسة البابا فرنسيس مؤخرًا: “هذا هو الوقت المناسب لتوقيع ميثاق تربوي عالمي للأجيال الشابة ومعها، يشرك العائلات والجماعات والمدارس والجامعات والمؤسسات والأديان والحكام والبشريّة بأسرها في تنشئة أشخاص ناضجين”